السيد حسن نصرالله “كان يعلم” أنّ هجومه المباشر على خادم الحرمين الشريفين، سيزيد طين المستنقع اللبناني بلّة وسيرفع منسوب الاختناق في رمال أزمات البلد المتحركة والمتمددة داخلياً وعربياً، لكنه رغم ذلك آثر اعتلاء ذكرى قاسم سليماني لتوجيه “ضربة قاصمة” لظهير لبنان العربي، وإعلاء راية “كلّنا قاسم” فوق راية “كلنا للوطن”… حتى بدا كمن يرتقي بذكرى اغتيال سليماني إلى مستوى “إشهار” السطوة الإيرانية على الساحة اللبنانية من دون منازع ولا شريك!
أما من يعارض ويعترض، فمصيره محكوم واتهامه محتوم بالتخاذل والافتقار إلى “الكرامة والعزة” كما كان ردّ “حزب الله” على رئيس الحكومة نجيب ميقاتي… في حين وازن رئيس الجمهورية ميشال عون في موقفه من كلام نصرالله بين تجديد الحرص والتمسك بالعلاقات اللبنانية – العربية وبين التشديد على وجوب أن يكون “هذا الحرص متبادلاً”، وفق تعبير عون في بيان مقتضب أمس، قبل أن يؤكد في دردشة مع “نداء الوطن” تفضيله “تخفيف اللهجة” حيال السعودية من دون أن يبدي في المقابل أي تخوف من خطوات تصعيدية جديدة تجاه لبنان لاعتباره أنّ المملكة “مارست أقسى ما لديها منذ 2017 لغاية اليوم”.
وانطلاقاً من ضرورات الحوار “لتهدئة الأجواء الداخلية تمهيداً لحث الدول الخارجية على مساعدة لبنان”، يتلقّف عون بإيجابية كلام رئيس مجلس النواب نبيه بري عن الدعوة للحوار “ولو أنّ من يدور في فلكه لا يزال متردداً”، لكنه في الوقت عينه لا يخفي حجم الأضرار التي نتجت عن معارضة بري لعهده، مشدداً في حديثه لـ”نداء الوطن” (ص 2) على أنّ هذه المعارضة كانت “مضرّة للبلد وعطّلت القوانين في مجلس النواب”، مع تأكيده في ما يتصل بالعلاقة مع “حزب الله” على أحقية مطالبة رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل “حزب الله” بأنّ عليه اليوم “أن يختار بين (تفاهم) مار مخايل الذي حقق الاستقرار للبلد و(مشهدية) الطيونة”.
ورغم كل ما حصل من انهيار، لا يزال رئيس الجمهورية يعتبر أنّ “انجازات عدة تحققت” في عهده، واصفاً الكلام عن وجود “رئيسين في بعبدا” بأنه “كذب وقلة أدب”، وقال: “كل القصة أنهم لا يريدون الاعتراف بجبران، وكلما أرادوا منه شيئاً قصدوني لأتدخل في أمور تعنيه كرئيس للتيار الوطني الحر ولأكبر كتلة نيابية وكنت أقول لهم راجعوا جبران حتى ركّبوا لي قصة قوم بوس تيريز”.
وإذ يبدي ثقته بأنّ “التيار سيحافظ على حضوره القوي” في الانتخابات النيابية المقبلة، يؤكد عون في ما يتعلق بالاستحقاق الرئاسي أنه “لأي كان الحق في أن يطمح للرئاسة (…) وإذا كان باسيل طامحاً للرئاسة فيجب أن يكون كفوءاً لكنهم يخافون منه لأنه تربيتي ولا يقايض”.
بالعودة إلى موجة الردود الوطنية على هجوم نصرالله على القيادة السعودية، وبينما برز تداول مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان مع زوار دار الفتوى أمس في مسألة “التطاول على خادم الحرمين الشريفين والإساءات التي وجهت إليه وإلى المملكة العربية السعودية وضرورة دعم موقف رئيس الحكومة نجيب ميقاتي في هذا الاطار”، توالت المواقف السياسية المنددة بكلام نصرالله والمتقاطعة عند تأكيد رفض اختطاف إيران للبنان وسلخه عن هويته العربية.
وفي هذا السياق، برز موقف عالي السقف توجه به الرئيس سعد الحريري مباشرة “إلى السيد حسن نصرالله” مؤكداً أنّ “من يهدد اللبنانيين في معيشتهم واستقرارهم وتقدمهم، هو الذي يريد دولة لبنان رهينة دولة ايران وامتداداتها في سوريا والعراق واليمن ولبنان”، وحذر من أنّ “التاريخ لن يرحم حزباً يبيع عروبته واستقرار وطنه ومصالح اهله لقاء حفنة من الشراكة في حروب المنطقة”. كذلك وصف الرئيس فؤاد السنيورة خطاب نصرالله بأنه “كان خطاباً إيرانياً بكل معنى الكلمة، كمن يعبر عن فقدان الصبر الإيراني بالصراع القائم والاشتباك مع الولايات المتحدة في مفاوضات فيينا، وتراجع دور إيران في اليمن، واشتباكها أيضاً مع دول الخليج العربي، وتراجع مشروعها في العراق وسوريا بسبب اصطدامها بالحقائق البشرية والجغرافية وبقانون الطبيعة”.
واستغرب رئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط اعتبار نصرالله اللبنانيين العاملين في دول الخليج بمثابة الرهائن، متسائلاً: “هل تقف حرب اليمن باعتبار اللبنانيين العاملين والقاطنين في المملكة منذ عقود رهائن وهل تحل الأمور بالتهجم الشخصي على الأسرة المالكة”، وختم تغريدته التي أرفقها بصورة لعود مشتعل قرب علبة كبريت، طارحاً علامة استفهام كبيرة: “ماذا تريد إيران من لبنان ومن المنطقة؟”. كما شدد النائب نهاد المشنوق على أنّ “حزب الله” يختطف لبنان كله، مبدياً تعجبه “ممن يختطف بلاداً بكاملها ويعتقل الدستور ومؤسساته بالتعطيل ويحتجز شعباً بقوّة السلاح والايديولوجيا الإيرانية، أن يصف المقيمين في السعودية بأنّهم رهائن”.
وفي المقابل، واكب “حزب الله” ميدانياً هجوم أمينه العام على السعودية عبر رفع صور في الضاحية الجنوبية للعاهل السعودي والسفير السعودي في لبنان موصومة بعبارة “أنتم الإرهاب”، وذلك بالتوازي مع شنّ نواب “الحزب” هجوماً حاداً على رئيس الحكومة رداً على موقفه الرافض لكلام نصرالله بحق السعودية، بحيث توجه النائب ابراهيم الموسوي في تغريدة إلى ميقاتي من دون أن يسميه بالقول: “كلامك المتملق يمثلك ويلزمك وحدك”، وتوجه النائب حسن فضل الله بالاسم إلى رئيس الحكومة معتبراً أنه ارتكب “خطأ فادحاً استجداءً لرضى” السعودية، واضعاً البيان الذي أصدره ميقاتي تعليقاً على كلام نصرالله في خانة “تسجيل المواقف في حساب ممالك لن ترضى عنهم مهما قدموا من تنازلات وهدروا من ماء وجههم”.