غداة مجاهرة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي برفع “الحرم السياسي” عن عملية تغيير حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، وتخليه عن شعار “لا أحد يغيّر ضباطه في المعركة”… انطلق عملياً العد العكسي لعملية جوجلة الأسماء المرشحة لخلافة سلامة على رأس الحاكمية، على أن يبقى السؤال مرتبطاً بتوقيت تعيين البديل، قبل نهاية العهد أم بعده، سيما وأنّ مسألة اقتراح المرشحين لتولي المنصب هي في قبضة وزارة المالية التي تضع كل أوراقها في جعبة “عين التينة”، حيث يؤكد المواكبون لكواليس هذا الملف أنّ رئيس مجلس النواب نبيه بري عازم على تجميد “ورقة” استبدال سلامة بانتظار انتهاء ولاية رئيس الجمهورية ميشال عون.
وبالانتظار، تتراكم الملفات القضائية وتتزاحم التحقيقات الداخلية والخارجية في مصادر أموال الحاكم وشقيقه رجا، ليضيق الخناق أكثر فأكثر حول الأخوين سلامة خلال الساعات الأخيرة في ضوء تحرك القضاء الفرنسي ميدانياً على الأراضي اللبنانية لاستقصاء المعلومات وتقصي الحقائق المالية في شبهة ارتكاب حاكم المصرف المركزي جرائم اختلاس أموال عامة وتبييض أموال بقيمة 330 مليون دولار في 5 دول أوروبية، وذلك بالتزامن مع موافقة هيئة التحقيق الخاصة في مصرف لبنان على تسليم النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات “كشوفات الحسابات” التي تخص رجا سلامة في 9 مصارف لبنانية، وهو ما وضعته مصادر مالية في خانة “كشف المستور في العمليات المصرفية التي قام بها رجا ومدى ارتباطها بالعمليات الخارجية التي قام بها لحساب شقيقه في الخارج”، خصوصاً وأنّ هذه الحسابات المصرفية التي تسلمها عويدات تعود إلى تاريخ تأسيسها في المصارف المعنيّة، وبالتالي فإنّ مسار تطوّر حركة الأموال فيها ستكون له مؤشرات ذات دلالة بالنسبة للتحقيقات القضائية على المستويين المحلي والأوروبي.
وفي هذا الإطار، كشفت وكالة “رويترز” أنّ قاضية التحقيق الفرنسية أودي بوريسي التقت أمس القاضي عويدات وقضاة آخرين بمن فيهم المدعي العام جان طنّوس في محكمة بيروت، في زيارة هي الأولى من نوعها إلى لبنان يقوم بها قاض فرنسي للبحث في قضية رياض سلامة، مشيرةً إلى أنه جرى خلال اللقاء “تبادل تفاصيل تتعلق بالتحقيقات”، مع التشديد على أنّ الهدف من الزيارة القضائية الفرنسية هو “زيادة الضغط على السلطات اللبنانية لتأمين معلومات لها علاقة بالأخوين سلامة وأشخاص آخرين لهم علاقة بالتحقيق” في هذه القضية.
وعلى الأثر، تواترت معلومات قضائية في بيروت تفيد بأنّ القاضية بوريسي عمدت إلى تسليم النائب العام التمييزي لائحة بالاتهامات الأوروبية الموجهة ضد حاكم مصرف لبنان، والتي سيكون عليه بموجبها استدعاء سلامة إلى جلسة استجواب للتحقيق معه في المعلومات والمعطيات الواردة في اللائحة، تحت طائل اعتبار القضاء اللبناني غير متعاون مع السلطات القضائية الفرنسية والأوروبية في حال عدم إقدام عويدات على هذه الخطوة.
انتخابياً، أطبق “الصمت” على شريط تصريحات المرشحين عشية انطلاق عملية اقتراع المغتربين في دول الانتشار، حيث ستجرى هذه العملية على مرحلتين وتنتهي فجر الاثنين المقبل لتشمل في محصلتها 58 دولة في المنطقة والعالم. ومع شروع أوائل الناخبين في الوقوف خلف “العازل” اليوم للإدلاء بأصواتهم بدءاً من الساعة السابعة صباحاً، تتجه الأنظار إلى رصد ومراقبة حسن إدارة العملية الانتخابية في المقار المعتمدة في دول الاغتراب، ربطاً بتوالي الشكاوى في الآونة الأخيرة من الإجراءات التي اتبعتها وزارة الخارجية في هذا الصدد، سواءً بالنسبة إلى “ضيق المساحات” المتاحة لإجراء الانتخابات في بعض الدول، أو “بُعد المسافات” في دول أخرى بين أماكن سكن العديد من الناخبين والمراكز المخصصة لاقتراعهم… على أن تبقى العين شاخصة أولاً وأخيراً باتجاه ضمان سلامة عملية نقل صناديق الاقتراع من الخارج إلى لبنان، والتي ستبدأ تباعاً بُعيد منتصف هذه الليلة مع تسلّم شركة “DHL” طلائع هذه الصناديق من مراكز الاقتراع تمهيداً لختمها وشحنها إلى بيروت فجر غد السبت.
وكان رئيس الحكومة الذي تفقد أمس غرفة العمليات الخاصة بإدارة ومراقبة الانتخابات النيابية في الخارج التي أنشأتها وزارة الخارجية، قد عقد اجتماعاً مع المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان يوانا فرونتسكا تمحور حول موضوع “الإجراءات المتخذة من الناحيتين الإدارية والأمنية” في إطار مواكبة العملية الانتخابية داخل لبنان وخارجه. في حين شدد الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيريش عشية انطلاق هذه العملية على ضرورة إجراء انتخابات “حرة ونزيهة وشفافة وشاملة” في لبنان، كما حثّ في تقريره النصف السنوي الى مجلس الأمن على ضرورة الإسراع في تشكيل حكومة جديدة بعد الانتخابات “ما يمنح الأولوية لتنفيذ إصلاحات تعالج أزمات البلاد المتعددة”، من دون أن يغفل عن الإضاءة في تقريره على كون “احتفاظ حزب الله بقدرات عسكرية كبيرة ومتطورة خارجة عن سيطرة الحكومة اللبنانية لا يزال يشكل مصدر قلق بالغ”، مجدداً في هذا الصدد حثّ السلطات اللبنانية على “تكثيف مساعيها لاحتكار حيازة السلاح واحتكار استخدام القوة في جميع أنحاء أراضيها”.