كتبت صحيفة “الديار” تقول: بعد الكثير من التجارب المريرة في المرحلة الماضية لجهة انقسام الموقف اللبناني في التعامل مع قضايا استراتيجية ومصيرية، أبرزها التفاوض مع صندوق النقد الدولي وتوزيع الخسائر، نجح لبنان بوحدة موقفه هذه المرة من ملف ترسيم الحدود، والذي تبلغه الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، في استعادة زمام المبادرة وتحريك الوساطة التي جمّدت كليا منذ أشهر، ما كان ليُبقي لبنان تحت حصار خارجي يمنعه من استخراج ثرواته البحرية حتى من المناطق غير المتنازع عليها، في وقت تستنفر كل دول المنطقة لمد أوروبا بالغاز البديل عن الغاز الروسي.
ارتياح أميركي يسرّع المفاوضات
وفضّل المسؤولون اللبنانيون ابقاء التفاصيل التقنية التي أبلغها الرئيس عون لهوكشتاين في اطار رده على المقترح الاميركي السابق قيد الكتمان. اذ أعلن المكتب الاعلامي في رئاسة الجمهورية، ان الرئيس شدد على حقوق لبنان السيادية في المياه والثروات الطبيعية، وقدم لهوكشتاين رداً على المقترح الاميركي الذي سبق للوسيط الاميركي ان قدمّه قبل اشهر، على ان ينقل الأخير الموقف اللبناني الى «اسرائيل» خلال الايام القليلة المقبلة. وقد تمنى عون على هوكشتاين العودة سريعاً ومعه الجواب من «اسرائيل».
وقالت مصادر قريبة من الرئيس عون لـ «الديار» إنه عرض على الوسيط الاميركي المراحل التي قطعتها عملية الاتصالات لترسيم الحدود، وأكد له تمسك لبنان بحقوقه السيادية، وقدم له ردا وطنيا موحدا على المقترح الاميركي طالبا منه تجديد وساطته. واشارت المصادر الى ان هوكشتاين قال للرئيس عون انه «سيعرض الجواب اللبناني على الجانب الاسرائيلي ليعود ليبلغ لبنان به». واضافت المصادر: «كما تمنى الرئيس عون ان يكون تحرك هوكشتاين سريعا لمواكبة التطورات المتسارعة في المنطقة وبخاصة جنوبا، باشارة الى السفينة اليونانية التي اوشكت بدء التنقيب من حقل كاريش». واوضحت المصادر التي وصفت أجواء اللقاء بالودية والايجابية، ان هوكشتاين أكد لرئيس الجمهورية انه «سيقوم بأقصى جهده لمساعدة لبنان بهذا الملف وغيره من الملفات».
وأكدت المصادر أن ما سمعه الوسيط الاميركي في بعبدا سمعه في عين التينة وفي السراي الحكومي، وهو اصلا ما كان ينتظره الاميركيون والمجتمع الدولي لجهة وحدة الموقف اللبناني في التعامل مع هذه القضية.
من جهتها، قالت مصادر سياسية مواكبة عن كثب للملف أن «عنصرين يعيدان لبنان أقوى الى طاولة المفاوضات غير المباشرة، الا وهما وحدة الموقف اللبناني، أضف الى ذلك «زنود» المقاومة، فلولا وجود حزب الله لكان «الاسرائيليون» انتهوا منذ أشهر من التنقيب في «كاريش»، ووضعوا يدهم على قانا وعلى ما هو أبعد منه». وأضافت المصادر لـ «الديار»: «تراجع لبنان الرسمي عن الخط 29 وتمسكه بالخط 23 ترك ارتياحا لدى الوسيط الاميركي الذي كان ليبلغ لبنان صراحة بتوقف وساطته في حال العكس»، مرجحة تزخيم المفاوضات غير المباشرة سواء في الناقورة او من خلال زيارات مكوكية لهوكشتاين بين بيروت و»تل ابيب»، لأن كل القوى المعنية بالملف مستعجلة على الانتهاء منه لضمان عملية التنقيب والاستخراج بأمان، في وقت ان أوروبا بأمسّ الحاجة لغاز المنطقة، من دون ان ننسى ان لبنان بأمسّ الحاجة للعائدات المالية الطائلة من هذا الغاز».
وفي مقابلة مع قناة «الحرة» مساء، قال هوكشتاين ان الرد اللبناني «يدفع بالمفاوضات إلى الأمام»، وأشار الى ان: «الخبر السار هو أنّني وجدت إجماعًا أكبر حول الرسالة، وإعدادًا جدّيًا للزيارة، وقد قدّموا بعض الأفكار التي تشكل أسس مواصلة المفاوضات والتقدم بها».
مبادرة لـ «التغييريين».. وعون غير مستعجل
في هذا الوقت، وبينما كان من المنتظر ان يدعو رئيس الجمهورية للاستشارات النيابية الملزمة لاختيار رئيس للحكومة الجديدة بعد مغادرة هوكشتاين بيروت والتفرغ مجددا لهذا الملف، استبعدت مصادر معنية ان تحصل الدعوة هذا الاسبوع «وبخاصة ان قضية ترسيم الحدود لا تزال تحظى باهتمام لبناني بالغ، وقد تستلزم متابعتها يومين اضافيين». وقالت المصادر لـ «الديار»: «اصلا لا يبدو الرئيس عون مستعجلا للخطوة رغبة منه بالتوصل الى تفاهمات مسبقة، فلا يكون التكليف من دون جدوى ويؤدي الى أشهر طويلة من تصريف الأعمال».
لكن الرئيس عون لن يستطيع الصمود طويلا امام الضغوط التي تمارسها المعارضة والتي ستزيد وطأتها في الايام القليلة المقبلة مع انتهاء زيارة هوكشتاين. وبحسب المعلومات، لا تزال هذه القوى تتعاطى بنوع من البرودة مع الملف، لأنها لم تتمكن اصلا من حسم أسماء مرشحيها. وتشير مصادر مطلعة الى أن «ما يُعرف بالقوى السيادية وقوى المعارضة لم تنجح حتى الساعة في التوافق على اسم واحد تخوض به الاستحقاق المقبل»، لافتة في حديث لـ «الديار» الى ان «القوات و»الاشتراكي» اتفقا على كيفية مقاربة الملف، و»الكتائب» قد يلاقيهما في منتصف الطريق، لكن بالمقابل فان النواب «التغييريين» لا يزالون يصرون على ان يكونوا هم من يقترحون الحلول والاسماء فتلاقيهم باقي القوى». وعُلم ان اي تواصل لم يحصل مع هؤلاء النواب من قبل باقي القوى، علما انهم اصلا بصدد الاعلان عن مبادرة تقارب كل الاستحقاقات المقبلة، فاما تسير بها باقي القوى ويكون التلاقي معها على عناوين وبرنامج محدد، او ترفضها ويسلك كل فريق طريقه.
الدولار يحلّق … والبنزين نار
وكما كان متوقعا، عاد سعر الصرف ليحلق بعد تخطيه مجددا عتبة الـ 30 الف ليرة، بغياب اي اجراءات جدية طويلة المدى لحل أزمة سعر الصرف، والاتكال على اجراءات وتدابير ينفرد فيها حاكم مصرف لبنان رياض سلامة. وبالتوازي بلغت أسعار المحروقات يوم أمس أرقاما خيالية مع ملامسة سعر صفيحة البنزين عتبة الـ 700 ألف ليرة.
وقال مصدر مسؤول لـ «الديار» ان هذه الاوضاع تشكل عامل قلق رئيسيا، فاذا كان التعويل على حوالى 4 مليار دولار قد يُدخلها قطاع السياحة الى البلد خلال موسم الصيف، فالواجب تأمين استمرارية اللبنانيين القاطنين في البلد الذين لم يعد القسم الاكبر منهم قادرا على تأمين تكلفة التنقل الى عمله.
وبمسعى لانهاء الاضراب الذي أعلنه موظفو القطاع العام، والذي يهدد بشل كامل البلد، أعلن رئيس الاتحاد العمالي العام بشارة الأسمر يوم أمس، انه اقترح على رئيس الحكومة نجيب ميقاتي «دفع مبلغ 150 ألف ليرة كبدل نقل يومي، وأن تدفع المنح الاجتماعية والمبالغ المقطوعة، وهي بالحدّ الأدنى 2000000 ليرة لبنانية، وستة ملايين ليرة كحدّ اقصى في الشهر، وهذا يعني أساس راتب لكل موظف كما هو وارد في الموازنة التي لم تقر حتى الآن، والبدء بتطبيق هذه المنح المقطوعة فورا على القطاع العام، ودفع بدل النقل الذي أقرّ بمرسوم للعسكريين، لأنهم خط الدفاع الأول عن الناس في هذه المرحلة».