النتيجة الوحيدة (المحسومة سلفاً) للاستشارات النيابية المُلزمة، كانت تكليف الرئيس نجيب ميقاتي تشكيل الحكومة الجديدة برقم هزيل (54 صوتاً، الأقل بين رؤساء حكومات عهد الرئيس ميشال عون). لكن معانيها السياسية جاءت متعدّدة وبأبعاد عابرة لاستحقاق الحكومة، ولا سيما لجهة نجاح حزب الله وحلفائه (باستثناء التيار الوطني الحر) في تمرير الاسم الذي يريدونه، كما حصل في انتخابات المطبخ التشريعي من رئيس ونائب رئيس وأعضاء هيئة مكتب البرلمان، وفشل كتلة «القوات اللبنانية» كما نواب «التغيير» والمستقلين والأحزاب المتستّرة بـ«المعارضة» في تظهير أكثريتهم والاتفاق على مرشّح واحد لرئاسة الحكومة، فخسروا الاختبار الثاني لهم في «النضال» المؤسساتي، مؤكدين أنهم غالبية هشّة مُبعثرة غير قادرة على فرض أي معادلة بسبب اختلافاتهم وخلافاتهم.
عودة ميقاتي لم تكُن لتحصل لولا تقاطع ثلاثة عوامل أدت إلى تكليفه من جديد: أولاً، اقتناع ثنائي حزب الله وحركة أمل بأن الفترة المتبقية من عمر العهد لا تستأهل معركة حكومية. ثانياً، التدخل الأميركي – الفرنسي لمصلحة ميقاتي مُقابل تراجع سعودي عكسه كلام السفير السعودي في بيروت وليد البخاري، الذي وُصِفَ في اليومين الأخيرين قبل الاستشارات بأنه منخفض النبرة تجاه ميقاتي، وعدم دعم أي مرشح آخر جدّي في وجهه. ثالثاً، انتصار النائبة ستريدا جعجع على باقي القواتيين الذين رفضوا التصويت لميقاتي، إذ أصرّت على عدم تسمية نواف سلام وفرضت خيار عدم التسمية الذي صبّ عملياً لمصلحة ميقاتي. وقد نتجَ من ذلك انقسام «الأكثرية» التي توهّمها السفير السعودي وبشّر بها، على استحقاق رئيس الحكومة، وخاصة أن النواب المستقلين ونواب التغيير انقسموا بينَ خيارَي السفير نواف سلام أو عدم التسمية.
على أن أبرز ما أكدته الاستشارات أيضاً، هو الصعوبة الكبيرة التي سيواجهها ميقاتي في عملية التأليف، إذ أظهرت المواقف المعلنة بعد اجتماعات الكتل النيابية مع عون عدم وجود رغبة للتعاون مع ميقاتي، وتسليماً باستحالة تشكيل حكومة. ولعلّ أبرز المواقف جاء على لسان رئيس التيار الوطني الحرّ النائب جبران باسيل بقوله إن «التيار الوطني الحر اعتمد خيار عدم تسمية أحد لرئاسة الحكومة، لأننا لم نقم بالتصويت لميقاتي بسبب صعوبة تشكيل حكومة في الوقت الحالي، وصعوبة المرحلة المقبلة، والأمر المستجد هو ترسيم الحدود البحرية». وقال «إننا ننتظر من ميقاتي تهيئة الأجواء من أجل استحقاق رئاسة الجمهورية والمفاوضات مع صندوق النقد، ويجب أن يكون هناك التزام بمعالجة القضايا اليومية»، كما لفت إلى أنه «لا يجوز أن يكون حاكم البنك المركزي رياض سلامة ملاحقاً من دون أن يكون هناك موقف واضح من هذا الموضوع»، معتبراً «أننا لا نرى مع ميقاتي فرصة حقيقية للإصلاح في البلد ولا انسجام بينهما».
ويُمكِن القول إن باسيل بهذا الموقف حسم صورة المرحلة المقبلة مع ميقاتي، وقالت المصادر إن «ميقاتي الذي أصبح اليوم رئيسَيْن، لتصريف الأعمال ولتشكيل حكومة جديدة، سيواجه بتعامل شرس من قبل عون وباسيل. فهما سيُضّيقان هامش تصريف الأعمال عليه ولن يقبلا بتوقيع حكومة لا تُهندس على خاطرهما»
وأكدت المصادر أن الكلام عن تأليف حكومة «هو كلام سياسي رسمي»، لأن «الجميع يعرف أنه لن تكون هناك حكومة جديدة».
وذكرت مصادر مطلعة أن الرئيس ميقاتي، منذ تيقّنه بفوزه بالأصوات الكافية لتكليفه، باشر بإجراء اتصالات ظلّت بعيدة عن الأضواء مع عدد من المرجعيات في البلاد لأجل البحث في إمكانية كسر المقاطعة ذات البعد الطائفي التي استشعرها من مواقف الكتل النيابية. وهو يتصرف بحذر إزاء امتناع جميع النواب الدروز ومعظم النواب المسيحيين عن تسميته، خشية أن يحول ذلك دون تشكيل حكومة تحظى بدعم كاف لبرنامج عمله، وخصوصاً أنه يعتبر أن إقرار الإصلاحات في المجلس النيابي والسير في برنامج العمل مع صندوق النقد يحتاج الى غطاء وطني عام وليس الى غطاء قوى سياسية تقف الى جانبه.
وعلمت «الأخبار» أن ميقاتي حاور «القوات» وسعى إلى حوار غير مباشر مع التيار الوطني الحر مُستعيناً بحزب الله، كما حاول الاستفادة من علاقة الرئيس بري الخاصة برئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، وأجرى اتصالات مع مرجعيات دينية؛ أبرزها البطريرك الماروني بشارة الراعي بهدف الحصول على تأييد لبرنامجه، عارضاً من جديد فكرة تعديل وزاري يسمح بدخول قوى جديدة الى الحكومة، ومكرراً استعداده لترؤس حكومة وحدة وطنية. وتقول أوساط الرئيس المكلّف إنه «حصل على دعم من ثنائي أمل وحزب الله، وعلى «بركة» البطريرك الماروني أيضاً، لكنه يعرف أن المفاوضات ستكون صعبة مع التيار الوطني الحر. وهو لا يعرف حتى اللحظة إذا كان موقف الاشتراكي والقوات نهائياً من عدم المشاركة في الحكومة وليس من عدم تسميته فقط».