كتبت صحيفة “البناء” تقول:
كان يوم ملف الترسيم بامتياز، وفي قصر بعبدا ترأس رئيس الجمهورية العماد ميشال عون اجتماعاً للخبراء والتقنيين والمعنيين بمتابعة الملف لقراءة متأنية للوثيقة التي قدّمها الوسيط الأميركي عاموس هوكشتاين كمسودة للاتفاق المقترح لترسيم الحدود البحرية. وبحصيلة المداولات تم وضع مجموعة ملاحظات قالت مصادر تابعت الاجتماع إن بعضها بصيغة استيضاحات يراد إدراج الأجوبة عليها في متن الاتفاق أو كملحقات له، خصوصاً لجهة تأكيد عدم وجود أي شكل من الشراكة اللبنانية الإسرائيلية المالية، أو لجهة مستقبل خط الطوافات أو العوامات التي وضعها الاحتلال بعد العام 2000 في المياه قرب الشواطئ بعمق يقارب 3 كلم، وصولاً لتأكيد الفصل التام بين الترسيم البحري والحدود الدولية المعترف بها براً. وبعد الاجتماع الذي شارك فيه المدير العام للأمن العام ممثلاً رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ومستشار رئيس مجلس النواب نبيه بري علي حمدان، ترأس عون اجتماعاً ضم الرئيسين بري وميقاتي انضم إليه التقنيون والمعنيون الذين شاركوا في الاجتماع التمهيدي، وتمّ إقرار الملاحظات بالتفاصيل، وتم تكليف نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب بصياغة الرد على وثيقة هوكشتاين وإرساله ومتابعة النقاش حولها معه ريثما يأتي الجواب ليتم عرضه على الرؤساء مجدداً واتخاذ الموقف المناسب.
في التقييم الإجمالي كان المناخ الايجابي سائداً في تقديرات الرؤساء، حيث قال الرئيس ميقاتي وهو خارج من القصر الجمهوري إن الحصيلة هي قمحة، وعقب الرئيس بري بالقول، قمحة ونص، بينما تحدث بو صعب للصحافيين، فشرح التفاصيل التي ستستغرق هذا الأسبوع الحاسم حتى تتبلور الصورة النهائية، مؤكداً التفاؤل بكون الأساسيات قد تمّ حسمها وتوضيحها، خصوصا في ضوء التوازن الذي أقامه لبنان بفضل ثلاثية الشعب والجيش والمقاومة.
عن موضوع الترسيم تحدث رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط، فقال إن التفاوض نجح بالوصول إلى نتائج مرضية، وإن المسيرات التي أطلقها حزب الله لعبت دوراً إيجابياً في هذه النتيجة، داعياً للابتعاد عن وضع القرار 1559 في مواجهة سلاح المقاومة والاكتفاء بالدعوة لاستراتيجية دفاعية يكون سلاح المقاومة جزءاً منها، مطالباً بترسيم الحدود مع سورية خصوصا في منطقة مزارع شبعا. وتحدث جنبلاط عن الحكومة فأبدى عدم حماسه واعتبار الأولوية لإنجاز الاستحقاق الرئاسي تاركاً في حال تشكيل الحكومة للرئيس ميقاتي اختيار وزير درزي بديل للوزير عصام شرف الدين، أما عن الرئاسة فأكد تبنيه لترشيح ميشال معوض، مع الانفتاح على فكرة الرئيس التوافقي، كاشفاً أنه ينتظر رد حزب الله على هذا الموضوع، وهو سيعيد الاتصال طلبا لاستئناف الحوار معه، مشيداً بدور الرئيس بري ودوره الرئيسي في الاستحقاق الرئاسي، مع التمني بأن يكون الرئيس المقبل مستعداً لتبني الدعوة لاستراتيجية دفاعية وانفتاح على الحوار والابتعاد عن التحدّي، مضيفاً انه سيناقش ذلك مع المرشح معوّض ولا يمانع أن يساعده في الاتصال بحزب الله.
وخطف ملف ترسيم الحدود البحرية الجنوبية الاهتمام الرسمي، بالتزامن مع استمرار المشاورات حول تأليف الحكومة، وسط ترقب لعودة الزخم إلى الملف الرئاسي مع تأكيد رئيس مجلس النواب نبيه بري أنه سيدعو الى جلسة ثانية لانتخاب رئيس الجمهورية قبل منتصف الشهر الحالي.
وشهدت بعبدا أمس ورشة اجتماعات لدراسة العرض الأميركي في شأن ترسيم الحدود البحرية خرجت بموقف لبناني موحد وملاحظات مشتركة على المقترح الأميركي وقد علق رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي على أجواء الاجتماع بـ»القمحة» فزاد الرئيس بري عليها بـ»القمحة ونص».
ووفق معلومات «البناء» فإن الملاحظات التي سجلها الرؤساء أخذتها اللجنة التقنية بعين الاعتبار ويجري تحضيرها لتسليمها للوسيط الأميركي خلال اليومين المقبلين على أبعد تقدير، وبالتالي يختصر الموقف اللبناني الرسمي بالموافقة على مقترح هوكشتاين مع تسجيل تحفظات وملاحظات تقنية وقانونية سينقلها الوسيط الى الاسرائيليين.
كما ستأخذ اللجنة التقنية بهذه الملاحظات لتعديل ما أمكن قبل صياغة الرد النهائي اللبناني على المسودة وتسليمها الى الجانب الاميركي بانتظار ما سيقرره هوكشتاين بعدها. على أن يعود الوسيط الأميركي بجواب نهائي قبل نهاية الأسبوع لبناء الموقف اللبناني على الشيء مقتضاه.
وكان رئيس الجمهورية ميشال عون ترأس الاجتماع التقني الاستشاري في القصر الجمهوري، للبحث في العرض الخطي للوسيط الأميركي. وتمت خلال هذا الاجتماع، الاستعانة بخرائط وبإحداثيات عرضت على شاشة.
كما رأس عون اجتماعاً رئاسياً للغاية عينها، ضمه الى رئيسي مجلس النواب وحكومة تصريف الأعمال. وتركز البحث على العرض الاميركي وقد انضم الفريق التقني والاستشاري الى الاجتماع الذي قال بري رداً على سؤال على اثره: «قمحة ونص».
من جهته، أكّد ميقاتي «موقف الجميع في لبنان موحّد بشأن هذا الاتفاق وذلك من أجل مصلحة البلد». وقال: «لقد كانت لي وللرئيس بري بعض الملاحظات، واللجنة التقنية أخذت بها كاملة، وسيكون لنا رد سيُرسل إلى الوسيط الأميركي ضمن هذا السياق كاملاً، وأودّ التأكيد أن كافة المسلمات والامور الأساسية تامة ضمن الاتفاق، والأمور متجهة على الطريق الصحيح، وأؤكد أيضاً أن موقفنا موحد لمصلحة لبنان».
وتفيد معلومات «البناء» بأن ملاحظات الرؤساء تمحورت حول تفاصيل تقنية تتعلق بالإحداثيات وحول الآلية التي ستعتمد لترجمة الترتيبات على أرض الواقع. وقد تطابقت ملاحظات الرؤساء الثلاثة حول النقاط نفسها. وبعد إدخال الملاحظات على مسودة هوكشتاين تعرض على الرؤساء وفي حال الموافقة على الصياغة تُرسل الى هوكشتاين لعرضها على الكيان الإسرائيلي لمعرفة موقفه. على أن تنتهي العملية خلال الاسبوع المقبل ما لم يصدر عن العدو ما يعيق التنفيذ في ضوء الاعتراضات الاسرائيلية من خصوم رئيس الحكومة يائير لابيد، الذي قالت المصادر إنه أبلغ الأميركيين أنه لن يتأثر بمواقف المعارضة. وأكدت مصادر «البناء» أن التحفظات التقنية التي سجلها الاجتماعي الرئاسي من الممكن معالجتها من الجانب الأميركي ولن تؤثر على مواقف لبنان على المقترح.
وشدد نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب في تصريح بعد الاجتماع الرئاسي على «أنّ الموقف اللبناني موحّد وهذا عامل قوّة لصالح لبنان طوال فترة التفاوض والفريق التقني وحّد كل الملاحظات لرفع تقرير في وقت قريب كردّ على عرض الوسيط الأميركي الأخير. اضاف: نتأمّل غداً (اليوم) على أبعد حدّ أن يكون الرّد اللبناني في يد هوكشتاين والعمل بيننا يجري ليلاً نهاراً وبسرعة». وتابع: «اليوم لا نعطي جواباً رسميًّا لهوكشتاين بل ملاحظات والشياطين التي تكمن في تفاصيل باتت صغيرة جدًّا. وموقف لبنان النهائي يُعطى عندما يصل العرض الأخير ولبنان حصل على كامل حقوقه في حقل قانا والملاحظات التي أجريناها قانونية ومنطقية ومن منطلق صاحب حق». واردف: «إذا أُخذ بالملاحظات كما اتفقنا عليها نتكلّم عن أيّام للتوقيع وليس أسابيع والمناطق المتنازع عليها ستبقى متنازعاً عليها حتى يبتّ بها ونحن لا نعترف بالعدوّ الإسرائيلي. وبالتالي لا نوقّع على معاهدة أو اتفاق معه والوسيط الأميركي كان حريصاً من هذه الناحية وهناك ترتيبات للتوقيع». وقال بو صعب: «قوّة نابعة من معادلة الجيش والشعب والمقاومة بالإضافة إلى وحدة الموقف اللبناني».
على المقلب الآخر، استمر التخبط في الداخل الإسرائيلي بين حكومة العدو ومعارضيها، وأعلن رئيس وزراء الاحتلال يائير لابيد، في تصريح «اننا سنواصل العمل بهدوء لتنفيذ الاتفاق مع لبنان كونه في «إسرائيل»»، معتبرًا أنّ «رئيس الوزراء الاسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو يواصل الحديث حول الاتفاق دون معرفة تفاصيله».
وكشفت صحيفة «معاريف» الإسرائيلية، بأنّ «المحكمة العليا الإسرائيلية ستنظر في اتفاق الغاز مع لبنان يوم 27 تشرين الأول الحالي، قبل أربعة أيام من انتخابات الكنيست«.
كما كشفت الصحيفة أن رئيس وفد التفاوض الإسرائيلي عدي أديري استقال من منصبه لمعارضته اتفاق الترسيم. الا أن وزارة الطاقة الاسرائيلية، أعلنت أن «عودي أديري، الذي شغل خلال العامين الماضيين منصب رئيس فريق المفاوضات بين «إسرائيل» ولبنان، طلب من وزيرة الطاقة كارين الحرار إنهاء منصبه استعدادًا لبدء وظيفة جديدة. وعرض أودي مساعدته في باقي العملية إذا لزم الأمر».
في غضون ذلك، تنشط الاتصالات الحكومية، وعلمت «البناء» أن العمل جار على قدم وساق لتذليل آخر العقد الحكومية والتوصل الى تسوية توافقية حول الحكومة بين عون وميقاتي وسط وساطة من الثنائي الشيعي عبر اللواء عباس إبراهيم لاستيلاد حكومة قبل منتصف الشهر الجاري لاستباق أي شغور برئاسة الجمهورية بعد نهاية الشهر الحالي.
وأفادت مصادر إعلامية أن «أكثر من وزير طلب عدم مشاركته بالحكومة المقبلة، ومن بينهم وزير الاتصالات جوني القرم وقد طرح القرم اسماً بديلاص له وهو زياد الجلفون ليتسلّم مكانه، وقد أبلغ تيار المردة بقراره».
وأكدت المصادر أن «وزير المالية يوسف الخليل أبلغ ميقاتي برغبته عدم تولي أي حقيبة وزارية بالحكومة المقبلة، وبحال تغيير الخليل سيحل محله ياسين جابر كما بات معروفاً»، أما وزيرا الاقتصاد والمهجرين، فقد طرح بديل لوزير الاقتصاد والتجارة أمين سلام، وهو محمد كنج، من عكار، الا أن العقدة تبقى في وزارة المهجرين، التي لم يتبلغ الحزب التقدمي الاشتراكي بأي اسم بديل عن عصام شرف الدين«.
ولم يتبلور المشهد الرئاسي بعد بانتظار دعوة الرئيس بري الى جلسة منتصف الشهر المقبل. ويجري ملء الوقت الضائع بسبب انشغال القوى السياسية بملفي الترسيم والحكومة، بالتداول بأسماء مرشحين عدة منهم الوزير السابق زياد بارود والنائب نعمت أفرام والوزير ورئيس الرابطة المارونية السابق وديع الخازن، فيما طرح جنبلاط في حديث لقناة الـ»ال بي سي»، بعض الأسماء البديلة عن النائب المرشح ميشال معوض، كصلاح حنين وشبلي ملاط، وكشف جنبلاط إنني «قلت لـحزب الله في اللقاء الأخير أن مرشح التحدي رئيس الجمهورية ميشال عون، كلف لبنان كثيراً، فهل يمكننا أن نتفق على رئيس ليس للتحدي، فلم تتم إجابتي»، مؤكداً «أنني تمنيت حينها أن لا نذهب إلى حرب لأن لبنان منهك، وهذا التمني يترجم حاليًا».
وأكّد جنبلاط، «أنني سأعيد الاتصال شخصيًا بحزب الله، أو سأكلف الوزير السابق غازي العريضي بذلك». وشدد على «أنني سأبقى على ميشال معوّض، ولكن منفتح على أسماء أخرى بالتنسيق مع معوّض، وثمّة كثر يتمتعون بالكفاءة منهم صلاح حنين وشبلي ملّاط»، موضحًا أنّه «لا أحد يمتلك الأغلبية في المجلس النيابي وتبين أن ما طرحته مع حزب الله وما يطرحه رئيس مجلس النواب نبيه بري، أن الاتجاه هو نحو رئيس توافقي».