مَن يعرف جبران باسيل عن كثب، من الحلفاء قبل الخصوم، يدرك جيداً أنه “شخصية تعمّدت مراكمة حيثيتها على الأزمات وأتقنت فنّ افتعالها للعوم على ظهرها”، بحسب تعبير أحد المقرّبين السابقين منه، فهو “يجهد في التخطيط لإثارة المشاكل والعداوات لكي يقتات من جناها سياسياً في لعبة تكريس الدور والوجود على الساحة الوطنية”، جازماً بأنه “لا وجود لهفوة غير مقصودة في قاموس باسيل بل كل شيء له مغزى ومعنى وراء ما يقوله أو يسرّبه للإعلام بدءاً من تسجيل “البلطجي” الذي أراد من ورائه إطلاق شرارة الاشتباك المباشر مع نبيه بري، وصولاً بالأمس إلى التسجيل الصوتي المسرّب الذي أراد من خلاله “حرق” سليمان فرنجية في باريس وشطب اسمه من قائمة الترشيحات الرئاسية“.
فبحسب ما جاء في التسجيل من عبارات هادفة إلى تهشيم صورة فرنجية أمام الفرنسيين وتقزيم حجمه “الصغير” الذي يتراجع حتى في زغرتا، رأى مصدر قيادي في قوى 8 آذار من مؤيدي ترشيح فرنجية أنّ جوهر حديث باسيل لم يكن موجهاً ضد فرنجية بقدر ما كان يحمل رسالة مباشرة إلى “حزب الله” لا سيما حين قال في التسجيل بلسان العونيين: “تحمّلنا كل هذا الضغط حتى نأتي بفرنجية رئيساً؟” في إشارة إلى الضغوط التي يعتبر باسيل أنه تحملها شخصياً بعد خضوعه للعقوبات الأميركية نتيجة تغطيته لـ”الحزب” وسلاحه في لبنان وفي المحافل الدولية والعربية، وأردف المصدر: “هذا هو جوهر الرسالة وأعتقد أنها وصلت“.
وفي خلاصة “الرسالة” جاء ردّ باسيل على تدشين “حزب الله” خطواته الأولى نحو المجاهرة بترشيح فرنجية ليشدد قائلاً: “بلانا ما فيهم يجيبوا رئيس للجمهورية وما رح نسجّل على حالنا أننا انتخبنا حدا مثل سليمان فرنجية”، وهو كلام موجه إلى حارة حريك بالدرجة الأولى وإن كان ألبسه طابع العداوة مع ترويكا “بري – ميقاتي – فرنجية”، الأمر الذي استدعى جملة ردود مباشرة من رئيس المجلس النيابي الذي اعتبر أنّ “ما كان الأمر عليه في العام 1990 أفضل مما قُدّم لنا في السنوات الست الماضية والذي يتلخص بـ: عون – باسيل – جريصاتي”. أما على “جبهة بنشعي” فتولى النائب طوني فرنجية الرد مباشرةً على باسيل بالقول في تغريدة: “ونحن أيضاً لا نتفق معك في البرنامج السياسي والإصلاحي لبناء دولة، “جربنا وشفنا” أوصلتنا الى جهنم”، وذلك بالتوازي مع إعادة مناصري “تيار المردة” التداول بتغريدة سابقة لرئيس “التيار” سليمان فرنجية على تويتر جاء فيها: “الأقزام عند مغيب الشمس ترى خيالاتها أكبر“.
وفي السياق عينه استرعى الانتباه أمس الهجوم الصريح الذي شنّه النائب آلان عون على ترشيح “الثنائي الشيعي” فرنجية لرئاسة الجمهورية، مبدياً امتعاض “التيار الوطني” من تبني حليفه “حزب الله” فرنجية “مرشحاً وحيداً” للرئاسة وأضاف: “من غير المسموح أن يقول لنا “الحزب” أنا لا أثق إلا بشخص سليمان فرنجية، فإذا كان “حزب الله” لا يثق إلا بفرنجية فهذا يعني أن المشكلة فيه هو وليست في سائر اللبنانيين”… وتعقيباً على هذا المشهد، توقعت مصادر واسعة الاطلاع على أجواء “التيار الوطني” أن “يتصاعد المسار التصعيدي من جانب “التيار” حتى يتراجع “حزب الله” عن ترشيح فرنجية وإلا فإنّ باسيل لن يتوانى عن تجاوز الخطوط الحمر في علاقته مع “الحزب” داخلياً وخارجياً، لأنه ببساطة ليس مستعداً لأن يطلق النار على رأسه إذا أصرّ السيد حسن نصرالله على ترشيح فرنجية حتى ولو كلّفه الأمر إعلان “تفاهم مار مخايل” منتهي الصلاحية“.
في الغضون، تستمر مسرحية “الورقة البيضاء وتعطيل النصاب” في مجلس النواب تحت وطأة استمرار حالة التخبط في صفوف قوى 8 آذار حيال مسألة الترشيحات الرئاسية، فأعادت جلسة الانتخاب السابعة أمس استنساخ نتائج سابقاتها في صندوق الاقتراع وسط احتدام سجال النصاب القانوني المطلوب في الدورة الانتخابية الثانية لا سيما بين النائب سامي الجميل وعدد من النواب التغييريين من جهة ورئيس المجلس ونواب “حركة أمل” من جهة ثانية، في حين برز تأكيد عضو تكتل “الجمهورية القوية” النائب جورج عدوان على موقف التكتل الداعي إلى وجوب الإبقاء على اعتماد نصاب الثلثين لانتخاب رئيس الجمهورية في الدورتين الأولى والثانية وما يليها من دورات “رغم عدم ذكر مسألة النصاب في الدستور”، لكنه شدد في الوقت عينه على أنّ العقبة الرئيسية أمام إنجاز الاستحقاق الرئاسي تتمثل في تعمّد عرقلة العملية الانتخابية من قبل بعض النواب لأنّ “الدستور يمنع أيضاً مقاطعة الجلسات وهذه مسؤوليتهم النيابية“.