كتبت صحيفة “النهار” تقول: بدا لبنان امس، غداة الزلزال المدمر الذي ضرب تركيا وسوريا واهتزت لتردداته ذعرا كل المناطق اللبنانية، كأنه منخرط بالكامل في التداعيات والمآسي الدراماتيكية التي تسبب بها خصوصا في ظل تكشف وجود لبنانيين بين الضحايا والجرحى والمفقودين في كلا البلدين. وعلى رغم طغيان الجانب الاغاثي والإنساني في هذه الكارثة الضخمة والمريعة، فان ذلك لم يحجب دلالات مهمة برزت من خلال انخراط الحكومة والمؤسسات اللبنانية المختلفة في مد سوريا وتركيا بما امكن للبنان تقديمه رغم إمكاناته المتواضعة في أوضاعه المعروفة. من ابرز هذه الدلالات ان الازمات السياسية الداخلية بدت غارقة في جليد مماثل للطقس الجليدي الراهن مع جمود يطبع المشهد السياسي في انتظار عودة تحريك ملفات الاستحقاقات الداهمة وفي مقدمها الازمة الرئاسية، ولو ان محور المشاورات لم ينقطع على خط بكركي تحديدا. كما ان دلالات لا يمكن القفز فوقها برزت في مسألة انخراط الحكومة والوزارات والمؤسسات الامنية والانسانية في مد سوريا بالدعم الممكن وتمثلت في ما يمكن اعتباره “تطبيعا طارئا” بين لبنان ودمشق، وتجلى في اسقاط الحكومة كل التحفظات عن التواصل المباشر مع النظام السوري والحكومة السورية وفتح قنوات التنسيق على الغارب من دون ان يثير ذلك، نظرا الى طغيان العامل الكارثي في الجانب السوري، أي أصداء سلبية سياسية في لبنان.
اما في المقلب الاخر من المشهد السياسي – الديبلوماسي المتصل بالازمة السياسية والرئاسية، فقد بدا واضحا ان الاجتماع التشاوري الخماسي الذي عقد اول من امس في باريس بين ممثلين لفرنسا والولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية ومصر وقطر، لم يكن على مستوى الحد الأدنى من الرهانات على نجاحه في التوصل الى موقف صارم متماسك وواضح للضغط على الطبقة السياسية وحملها على ملء الشغور الرئاسي او اعلان موقف مختلف عن الادبيات العمومية التي لم تعد تؤثر في مجريات الازمة السياسية. مع ذلك نقلت مراسلة “النهار” في باريس رنده تقي الدين عن مصدر ديبلوماسي غربي مطلع على الاجتماع، ان هدفه كان البحث في آليات ديبلوماسية لكسر المأزق السائد في لبنان بالنسبة للفراغ الرئاسي والاصلاحات وان الاجتماع ناقش سبل الخروج من الازمة الحالية في لبنان. واضاف ان الدول الممثلة والمجتمعة لديها آليات ديبلوماسية للضغط على اصدقائها في مجلس النواب من اجل التوصل الى انتخاب رئيس توافقي. واكد المصدر ان الاجتماع لم يدخل بلعبة اسماء المرشحين للرئاسة. كما ان مصدرا ديبلوماسيا عربيا آخر قال لـ”النهار” ان المجتمعين اتفقوا على رسائل ستوجه الى جميع الاطراف اللبنانيين. وعزا تأخير صدور بيان عن المجتمعين الى الحصول على تعليمات من العواصم حتى يتم اعتمادها. واوضح ان فحوى الرسائل هو الاعراب عن القلق من الوضع الاقتصادي الحالي واهمية ايجاد حل للفراغ الرئاسي وضرورة توصل جميع الافرقاء اللبنانيين الى انتخاب رئيس توافقي يحظى باتفاق الفرقاء.
لبنان وسوريا
وسط هذه المناخات، مضت الحكومة امس في إجراءاتها الايلة الى انخراط لبنان في اعانة المنكوبين في الزلزال في سوريا، فشكل رئيس الحكومة نجيب ميقاتي وفدا وزاريا يتوجه اليوم الى سوريا لعقد سلسلة لقاءات مع المسؤولين السوريين تتناول الشؤون الانسانية وتداعيات الزلزال المدمّر الذي وقع في عدة مناطق في سوريا والامكانات اللبنانية المتاحة للمساعدة في مجالات الاغاثة. واعلن رسميا انه جرى التواصل امس بين رئيس الحكومة ووزير الخارجية والمغتربين عبدالله بوحبيب ووزير الاشغال العامة والنقل علي حميه، وتم الاتفاق على تشكيل الوفد الوزاري الى دمشق “تعبيرا عن الوقوف الى جانب سوريا في ظل الظروف العصيبة التي تمر بها، كخطوة تكاملية مع البعثة اللبنانية التي تقرر إيفادها للمساعدة في عمليات الاغاثة الانسانية، وكذلك مع قرار وزارة الاشغال العامة والنقل بفتح المرافق الجوية والبحرية اللبنانية أمام الشركات والهيئات التي تنقل المساعدات الى سوريا”. ولفتت المعلومات الرسمية الى “مجلس الوزراء كان قرر تكليف وزير الاشغال العامة والنقل علي حميه بالتواصل مع الاشقاء في سوريا، ووضع كل الامكانات المتاحة لأجل المساعدة الانسانية في عمليات البحث والانقاذ وغيرها”.
يشار الى ان فرق الانقاذ تمكنت امس من الوصول الى ثلاثة لبنانيين عالقين تحت أنقاض احد الفنادق في انطاكية، جراء الزلزال الذي ضرب جنوب تركيا. كما تمكّنت فرق الانقاذ من انتشال شخص رابع كان عالقا في مكان آخر في انطاكية. وافيد ان تم العثور على اللبناني محمد شما وطفله. واشارت السفارة اللبنانية في تركيا الى ان هناك حوالي 30 شخصًا مفقود التواصل معهم وهناك ثلاثة لبنانيين لا يزالون تحت الأنقاض في انطاكية بعد انهيار الفندق الذي كانوا فيه وفرق الانقاذ تعمل على انتشالهم.
بدورها اعلنت قيادة الجيش ارسال 15 عنصرًا من فوج الهندسة إلى سوريا للمساهمة في أعمال البحث والإنقاذ. كما أشارت المديرية العامة للدفاع المدني اللبناني الى ارسال 20 عنصراً الى سوريا للمشاركة في عمليات البحث والإنقاذ والمسح الميداني الشامل في موقع الزلزال. من جانبه، أكد الأمين العام للصليب الاحمر اللبناني جورج كتاني ان فريقه وصل الى تركيا وهناك تنسيق مع الحكومة التركية وفريق آخر سيتوجه الى سوريا للمشاركة في عمليات البحث والإنقاذ .
وأعلنت وكالة “سانا” السورية مساء امس وصول فريق مؤلف من 70 شخصاً من الصليب الأحمر اللبناني وفوج الإطفاء والدفاع المدني وفريق الهندسة في الجيش اللبناني إلى حي الرميلة بمدينة جبلة للمساعدة في عمليات رفع الأنقاض والبحث عن ناجين.
بري
اما في المشهد السياسي، فتناول رئيس مجلس النواب نبيه بري الاستحقاق الرئاسي بموقف مقتضب في كلمة القاها خلال احتفال أقيم امس بتدشين المبنى الجديد للسفارة الإيرانية في بيروت، وحضر من اجله الى بيروت مساعد وزير الخارجية الإيراني وكبير المفاوضين في الملف النووي الإيراني علي باقري. وقال بري في كلمته ان “اللبنانيين مدعوون الى ان يثبتوا للعالم وللشقيق والصديق ولكل من يتربص أو يتحين الفرص للإنقضاض على لبنان أننا قد بلغنا سن الرشد الوطني والسياسي، ونملك الجرأة والقدرة والمسؤولية الوطنية والمناعة السيادية لصناعة توافقاتنا وإنجاز إستحقاقاتنا الداخلية والدستورية بأنفسنا وبما يتلاءم مع مصلحة لبنان وتطلعات أبنائه في كل ما يتصل بحياة الدولة وأدوارها وتطورها في الاصلاح السياسي والمالي والاقتصادي والقضائي، تعالوا الى كلمة سواء نثبت فيها أننا قادرون فهل نحن فاعلون؟”. وجدد بري “الدعوة والمناشدة من أجل تأمين كل المناخات الملائمة لإنجاح المساعي التي تبذل من قبل الحكومة العراقية من أجل رأب الصدع في العلاقة بين ايران والمملكة العربية السعودية وعودتها الى ما كانت عليه”.