كتبت صحيفة “النهار”: بعد شهر تماما على صدور بيان الخارجية الأميركية حول الازمة الرئاسية في لبنان في مطلع أيار، ولمناسبة مرور ستة اشهر آنذاك على الشغور الرئاسي، والذي دعا الى انتخاب رئيس متحرر من الفساد من داخل البلاد وليس على يد المجتمع الدولي، اعادت إدارة الرئيس جو بايدن امس مع انقضاء الشهر السابع على الشغور حضورها في مسار الازمة ملوحة هذه المرة بسلاح العقوبات ضد المسؤولين ومعطلي الاستحقاق الرئاسي.
ثلاثة عوامل على الأقل يمكن ادراجها وراء الموقف الأميركي الجديد يتمثل أولها في المعطيات التي تتحدث عن اجتماع قريب لمجموعة الدول الخمس التي تواكب الازمة اللبنانية في الرياض، والتي اجتمعت سابقا في باريس وتضم الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة العربية السعودية ومصر وقطر، بما يعني ان واشنطن قد تكون تهيء لتشديد موقفها من معطلي الانتخابات الرئاسية والضغط على الجميع لاستعجال انهاء الازمة. وثاني هذه العوامل ان واشنطن مثلها مثل باريس اخذت علما بالتطور السياسي الانتخابي الجديد المتمثل بدفع قوى المعارضة و”التيار الوطني الحر” بالمرشح الجديد جهاد ازعور الى ساحة المعركة الانتخابية بحيث يشكل ذلك إنجاز أرضية دستورية حاسمة لدعوة مجلس النواب الى القيام بواجبه الدستوري والانعقاد لانتخاب رئيس الجمهورية ضمن التنافس بين المرشحين المطروحين سليمان فرنجية وجهاد ازعور. وثالث هذه العوامل يتمثل في توهج خطر فراغ جديد لا يقل عن خطورة الشغور الرئاسي مع اقتراب استحقاق نهاية ولاية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في تموز، وسط تصاعد تعقيدات الملفات القضائية الأوروبية للحاكم الامر الذي يستدعي تحريكا عاجلا للازمة الرئاسية للحض على ان يكون حل استحقاق الحاكمية من خلال انتخاب رئيس الجمهورية وليس عبر حلول موقتة او جزئية او ربما الاصطدام بتعذر أي حل.
واتخذ الموقف الأميركي دلالاته المهمة أيضا كونه صدر غداة زيارة البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي لباريس ولقائه الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون علما ان الشراكة الأميركية – الفرنسية حيال الملف اللبناني لم تحجب تباينات بين الشريكين حيال اندفاع باريس في تزكية ترشيح سليمان فرنجية. الموقف الجديد اطلقته مساعدة وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى بربارا ليف المعنية بالملف اللبناني اذ اكدت امس “أننا نعمل مع الأوروبيين لدفع البرلمان اللبناني إلى القيام بواجبه في انتخاب رئيس للبلاد”، معتبرة أن “إمكان انهيار الدولة في لبنان ما زالت قائمة حتى الآن”. واعلنت ليف أن “إدارة بايدن تنظر في إمكان فرض عقوبات على المسؤولين اللبنانيين على خلفية عدم إنتخاب رئيس”.
رسالة الكونغرس
والى ذلك، بعث رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب مايكل مكول والعضو المنتدب غريغوري ميكس برسالة من الحزبين الديموقراطي والجمهوري إلى وزير الخارجية أنطوني بلينكن للتعبير عن القلق البالغ إزاء الأزمة السياسية والاقتصادية المتصاعدة في لبنان. وجاء في الرسالة:
“نكتب لنعبر عن قلقنا البالغ إزاء الأزمة السياسية والاقتصادية الشاملة التي تعصف بلبنان وتدمر البلاد. على الرغم من أشهر من المفاوضات لمحاولة انتخاب رئيس للبلاد، فإن لبنان يقاد من قبل حكومة تصريف الأعمال مع سلطة محدودة للدفع باتجاه الإصلاحات الضرورية بشدة. يزيد الفراغ السياسي الناتج عن ذلك من أزمة لبنان الاقتصادية، مما يؤدي إلى تضخم مفرط وارتفاع مستويات الفقر إلى مستويات قياسية في جميع أنحاء البلاد، بالإضافة إلى المساهمة في زيادة المخاوف الأمنية بما أن وكيل إيران حزب الله يسعى لتعزيز قبضته على البلاد. أمام تزايد عدم الاستقرار، يجب على الطبقة السياسية في لبنان أن تتغلب على اختلافاتها عاجلاً وأن تلتزم بالسعي نحو تحقيق مصالح شعب لبنان. يجب على البرلمان أن يتجاوز أشهرا من عدم التوافق لانتخاب رئيس جديد بشكل عاجل وخالٍ من الفساد والتأثيرات الخارجية غير المشروعة . يتطلب الخروج من هذه الأزمة أيضًا وجود رئيس ملتزم بالحفاظ على سلطة الدولة، بما في ذلك الضمانات المنصوص عليها في دستور لبنان، والسعي نحو إصلاحات متأخرة منذ مدة طويلة، وبخاصة الإصلاحات الاقتصادية الحاسمة التي يفرضها صندوق النقد الدولي. يجب على الولايات المتحدة الاميركية وشركائها الأوروبيين أن يكرروا بصوت واحد ضرورة أن ينتخب البرلمان رئيسًا من هذا القبيل وأن يقدموا هذه الإصلاحات الاقتصادية الحيوية. نحن ندعو أيضًا الإدارة الأميركية إلى استخدام كل السلطات المتاحة، بما في ذلك فرض عقوبات إضافية على أفراد محددين يساهمون في الفساد ويعرقلون التقدم في البلاد، للإيضاح للطبقة السياسية في لبنان أن الوضع الحالي غير مقبول.
ندعو أيضًا الإدارة لمواصلة المطالبة بالمساءلة الكاملة عن انفجار مرفأ بيروت في آب 2020، ودعم جهود التحقيق المستقلة والدولية في الاحتيال والسوء الإداري الفاضح من قبل حاكم مصرف لبنان. يجب ألا نسمح للبنان أن يكون رهينة بيد أولئك الذين يسعون لتحقيق مصالحهم الشخصية. سنستمر في الوقوف إلى جانب الشعب اللبناني من أجل مستقبل مستقل وسيادي وسلمي ومزدهر”.
الادعاء الثاني
والحال ان الخطوة القضائية الجديدة المتصلة بملف حاكم مصرف لبنان رياض سلامة جاءت امس لتزيد توهج المشهد الرئاسي والمالي والاقتصادي اذ مثل سلامة مجددا في قصر العدل في بيروت أمام المحامي العام التمييزي القاضي عماد قبلان في قضية مذكرة التوقيف الألمانية بعد المذكرة الفرنسية. وافيد ان النيابة العامة التمييزية أصدرت قرار منع سفر ثان بحق حاكم مصرف لبنان وطلبت من مكتب الإنتربول في بيروت مراسلة مكتب الإنتربول الدولي للحصول على ملف الإسترداد من ألمانيا. وفي المقابل، افيد ان شقيق الحاكم رجا سلامة تغيّب عن جلسة التحقيق في فرنسا صباح امس لتقدّمه بمعذرة طبيّة بحسب وكيله القانوني في لبنان.
وتردد ان سلامة وفي معرض اجاباته على الأسئلة التي وجهها اليه القاضي قبلان قال ان “الليرة اللبنانية بخير وان الودائع في المصارف موجودة”.
“التيار” وترشيح ازعور
اما في تطورات الملف الرئاسي، فان الساعات الأخيرة شهدت ما يمكن اعتباره تثبيتا للاتفاق بين المعارضة و”التيار الوطني الحر” على ترشيح الوزير السابق جهاد ازعور بما لم يعد ممكنا بعده “الرهان” على تناقضات وتمايزات وخلافات داخل “التيار الوطني الحر” من شأنها الإطاحة بالتفاهم على ترشيح ازعور. وكانت الترجمة الواضحة لهذا التثبيت انعكست في مجموعة تصريحات علنية لنواب من “تكتل لبنان القوي” عرفوا بمواقفهم المتحفظة اوالرافضة لترشيح ازعور ولكنهم غداة الاجتماع المطول الذي عقده “التكتل” مساء الثلثاء وحضره الرئيس ميشال عون بادروا الى اطلاق توضيحات تؤكد التزامهم موقف رئيس “التيار الوطني الحر” وتاليا التزام التصويت لأزعور. وابرز من عبر عن هذا الموقف عضو تكتل “لبنان القوي” النائب سليم عون الذي اعلن أن “التيار الوطني الحر تقاطع مع القوات اللبنانية والكتائب وبعض النواب المستقلين عند اسم الوزير السابق جهاد أزعور”، وأشار الى أنّ “عدم تبنّي أزعور علناً يأتي في سياق توفير الظروف المناسبة لتأمين فرص نجاحه وذلك عبر عدم طرحه كمرشّح تحدٍّ”. وقال “إذا دُعينا اليوم الى جلسة ستصبّ أصوات التيار كاملة لصالح أزعور ولا صحّة لما يشاع حول انقسامات في صفوفنا ولكن من الطبيعي أن تحصل نقاشات داخليّة وهذا لا يعني الخروج عن قرار القيادة”. وشرح أن “بيان تكتل لبنان القوي اول من أمس لم يتبنَّ الترشيح للأسباب المذكورة آنفاً بالاضافة الى أنّ التّكتّل يضمّ حلفاء وفي مقدّمهم حزب الطاشناق الذي يصدر موقفه الخاص فيما موقف التيار الوطني تعبر عنه بيانات الهيئة السياسية”. ورجّح عون أن “تطول دوّامة الفراغ الرئاسي رغم أجواء التقارب الحاصلة، راميا الكرة في ملعب الثنائي امل- حزب الله الذي عليه أن يتخلى عن التمسّك بمرشحه وعدم فتح المجال أمام النقاش حول مرشّح آخر”.
في المقابل مضى نواب “حزب الله” في الحملة على ترشيح ازعور اذ اعتبر النائب حسن فضل الله ان “الفريق الذي رشح النائب ميشال معوض استبدله اليوم بمرشح آخر، فهم عندما طرحوا مرشح تحد لم يصلوا إلى نتيجة فغيروا الاسم، ربما ضمن خطة “ب” لعدم النجاح في التجربة الأولى، وهم يريدون التجربة باسم جديد، ويعملون على استقطاب نواب وكتل جديدة”. وقال: “لدينا دستور، ونحن نحتكم إليه، وواضح أن لا أحد يملك الغالبية في مجلس النواب. ولذلك، دعونا إلى تفاهمات وحوار، وهم انتقلوا إلى الخطة “ب”. أما نحن فلدينا موقف واحد ثابتون عليه، وهو دعم مرشح نرى فيه المؤهلات والمواصفات المطلوبة. وفي الوقت نفسه، دعونا إلى الحوار والتفاهم مع بقية الكتل من أجل الوصول إلى اتفاق، لأن في لبنان لا يمكن لأحد أن يفرض رأيه على أحد، ولا أحد قادر على تحدي أحد”.
وبرزت في سياق التحركات الديبلوماسية زيارة السفير الروسي الكسندر روداكوف لرئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع في معراب حيث عرضا المستجدات السياسيّة اللبنانيّة ولا سيما ملف رئاسة الجمهوريّة فضلا عن التطورات الإقليمية والدولية وأجريا جولة أفق تناولت تعزيز العلاقات الثنائية بين لبنان وروسيا .
وسط هذه الأجواء شهدت جلسة اللجان النيابية المشتركة امس سجالات حادة بين النائبين ميشال معوض وعلي حسن خليل حول احقية تحويل حكومة تصريف اعمال قوانين الى مجلس النواب في ظل الشغور دفعت بالنائب معوض الى القول:”كل ثلاث جلسات، هناك مشكلة مع النائب علي حسن خليل. “بدنا نروق” على بعضنا ويعرف خليل ان المجلس النيابي ليس ملكه وعليه ان يحترم موقعنا النيابي”.