كتبت صحيفة “النهار”: مشهد يثير التهيب عكسته بشري امس في وداع هيثم ومالك طوق قبل ان يجف حبر التحقيقات الأولية الجارية في الجريمة المزدوجة والتي بات من الملح جدا ان تنجلي معها وقائع كثيرة تتداولها المنطقة ومن شأن التاخير في تثبيتها او تصويبها او نفيها ان يزيد أجواء التوتر والتشنج والتعبئة النفسية. فمع ان بشري بدت في اقصى درجات الاستقواء على الجريمة واستهدافاتها من خلال رفض الانجرار الى الفتنة، كما جارتها بقاعصفرين وكل الضنية التي استشعرت خطورة استهداف محتمل خبيث للمنطقة بفتنة تحت غطاء النزاع العقاري والمائي، فان ذلك لم يحجب الاحتقان العميق الذي تصاعد عقب الالتباس الذي ساد وقائع الجريمة الأولى ومن ثم سقوط الضحية الثانية الامر الذي ترجمته مواقف عالية السقف ووتيرة متشددة طبعت مواقف المعنيين مباشرة بالحادث وانعكست هذه الأجواء بقوة على موقف البطريرك الماروني الكاردينال بشارة بطرس الراعي الذي اختصر بحضوره وترؤسه القداس الجنائزي عن روح “شهيدي بشري” وبمضمون كلمته الحازمة حقيقة الأجواء والمناخات والتفاعلات التي خلفها الحادث منذ لحظة وقوع الجريمة الأولى الى لحظة وداع ابني المدينة.
اذ ان الراعي في عظة عالية النبرة دعا الى “ترسيم الحدود في منطقة القرنة السوداء وإنهاء الفتنة، كما دعا الى “كشف الفاعل أو الفاعلين” في جريمة قتل هيثم ومالك طوق والاقتصاص منهم . ولفت الراعي الى “اننا نؤمن بالدولة ونعرف حدودنا ونعرف القاتل وهذه ليست مجرد حادثة”. واوضح بان “شباب بشري يعلنون دائما استعدادهم للحل، ونحن جميعا تحت سلطة القانون العادل”. وشدد على أنّه “لو قام القضاء بعمله لما كنا وصلنا اليوم إلى مأساة القرنة السوداء”، مشيراً إلى أنّ “الخوف أن يستمرّ القضاء بتخاذله فيفلت المجرمون من يد العدالة وسيشرّع ذلك الأبواب لشريعة الغاب”. وأضاف “نطالب بالعدالة في ترسيم الحدود وإنهاء هذه المسألة الشائكة وبقيام الدولة، ولطالما دافعنا عن أرضنا وقدّمنا الشهداء ونحن من قاومنا كلّ محتلّ ونريد دولة تبسط سلطتها بشكل كامل وشامل”
مواقف
ووسط اجواء الحزن والحداد على مقتل الشابين هيثم ومالك طوق السبت الماضي، ووسط حضور حاشد سياسي وديني وشعبي ودعت بشري فقيديها وشهدت اقفالاً عاماً للمحلات التجارية والمؤسسات السياحية، قبيل الصلاة على راحة نفسيهما عصرا في كنيسة السيدة في البلدة. وفي محاولة لتنفيس الاحتقان السائد، بدا لافتا اعلان رئيس بلدية بقاعصفرين ـ الضنية بلال زود “الحداد عن روح الفقيدين هيثم ومالك طوق من أبناء جيراننا في بشري في بلدة بقاعصفرين، وإغلاق المؤسسات الرسمية فيها، وتنكيس الأعلام على مبنى البلدية”.
وفي تصريح مقتضب لدى وصولها الى الكنيسة على رأس وفد كبير من كتلة نواب “القوات اللبنانية ” ومسؤوليها، اكدت النائبة ستريدا جعجع أن “منطقة بشرّي اليوم تواجه، ومتمسّكون بالسلم الأهلي وحريصون على القانون ويهمّنا معرفة الحقيقة وتسليم المجرمين بأسرع وقت”. وأضافت : “إتّصلت بقائد الجيش وأبلغني أنه لا يزال هناك حاجة لإبقاء الموقوفين من بشرّي لبعض الوقت الى حين اتّضاح الصورة “وتابعت: “سنتابع الموضوع حتى النهاية للوصول الى حقنا في قضية القرنة السوداء بالقانون”. كما شكرت المفتي عبد اللطيف دريان “على اتصاله واستنكاره الحادث الكبير كما رئيس الحكومة والنواب ومَن جاء من مناطق بعيدة للوقوف الى جانبنا اليوم على رأسهم البطريرك الراعي”.
بدوره اعلن النائب وليم طوق: “لمن لا يعرفنا بعد نحن لا نفرّط بدم شهدائنا ولا نساوم على أرضنا وكرامة أهلنا و”ما تغلطوا” لأن دعوتنا لضبط النفس لا تعني أبداً التساهل وقرارنا واضح بأننا لن نرضى بأقل من توقيف مَن غدر بشهدائنا وحرّض على هذه الجريمة”. وقال “بشري لم تتعوّد بتاريخها على الغدر تماماَ كما لم نتعوّد نحن أن نغدر أحداً ودماؤهما باتت الخط الأحمر لرسم حدود أرضنا التاريخية”.
وبدا لافتا البيان الذي اصدرته رابطة ال طوق متضمنا انتقادات حادة للجيش وسأل البيان : “الى متى سنظل ندفع الغالي في بلدٍ يغيب فيه الأمن عن المواطن والقضاء عن إحقاق الحق؟” واعتبر أن “المتسلّحين بفائض القوة للتعدّي على البشر والحجر تطاولوا غدراً على ابننا العزيز هيثم فأردوه قتيلاً على يد قناصٍ محترفٍ متمرّس هم واهمون في تحقيق أهدافهم تبعاً لحماقة رؤوس لا تعي أن هذا الفائض من القوة يهدم الوطن”. كما ذكّر أن “بشرّي عبر كل تاريخها كانت ولا تزال إلى جانب الدولة وخاصةً الجيش اللبناني، ومن المثير للعجب أن هذا الجيش الذي نحترمه ونجلّه في الستينات لم يلعب دور الحكم العادل فقتل بعض شبابنا، وها هو يتكرر الحدث ذاته مع إبننا مالك الذي سقط برصاص الجيش”. وسأل: “لماذا لم يستعمل الجيش اللبناني هذه القوّة والعتاد لضبط الوضع المتأزم في الجرد قبل الحادثة؟ لماذا سُحبت السيارة المصابة من قبل عناصر الجيش؟ وما هي مبرّراته جراء ذلك لا سيما أن هذه السيارة تشكل دليلاً دامغاً على ما حدث؟”
اما إتحاد بلديات الضنية فاعتبر “أن تدخل الجيش قد أنهى الموضوع، وأيا كان المسبب يجب أن ينال جزاءه وعقابه، وإننا نرفض بشدة أن يقول البعض أن هناك مشكلة بين أهل بشري والضنية، خصوصا أن الوضع لم يعد يحتمل هذا النوع من الكلام، ويجب معرفة الفاعل وإعلان الحقيقة للناس مهما كانت، كما نتمنى من كل السياسيين أن يسحبوا هذا الموضوع من البازار السياسي، لأن لبنان لم يعد يحتمل أكثر من ذلك”. واكد ان “وجع أهل بشري هو وجعنا، وحزنهم هو حزننا، ونعتقد أن أهالي بشري يبادلوننا نفس الشعور، وبالطبع إن هذه الحادثة لن تمر مرور الكرام عند أحد، فالجيش هو الضمانة الأولى والأخيرة للأمن والإستقرار في هذا البلد الذي أصبح موبوءا على كل الصعد، ونتمنى أن تكون خاتمة كل الأحزان والفتن التي حدثت بين منطقتين متلازمتين عزيزتين على بعضهما البعض”.
“الحزب” وحواره
بعيدا من ترددات المشهد الشمالي، بدا المشهد السياسي والرئاسي في ركود تام وسط استبعاد أي تطورات جديدة في المدى المنظور. وحده “#حزب الله” مضى في الضرب على معزوفته الجامدة في الدعوات المتكررة الى الحوار. واخر طبعة من هذه الدعوات جاءت على لسان رئيس كتلة “الوفاء للمقاومة” النائب محمد رعد الذي كرر “دعوته للحوار والتفاهم من أجل إنجاز الإستحقاق الرئاسي بأسرع وقت” معتبراً أن “ذلك هو المعبر المتاح وطنياً ودستورياً في ظلّ عدم إمكانية أيّ فريق أنّ يؤمن وصول مرشّحه بمعزل عن تعاون الفريق الآخر”. ولفت الى “اننا عندما ندعو الجانب الآخر للحوار إنّما ندعوه بموجب دستوري فضلاً عن الموجب الوطني والأخلاقي في حين نواجه دائماً بالطعن في النوايا وتحميل دعوتنا ما لا تحمله وذلك تضليلاً للرأي العام وإفتراءً علينا”. وقال: “من لا يريد الحوار ماذا يُريد؟ انه لا يريد رئيساً، بل يريد فراغاً يطول واستقواء بأجنبي يتوهم أن يدعم تعنّته”.
إجراءات للمطار
وفي سياق اخر وبينما يزدحم لبنان ومطاره بالسياح والوافدين الى موسم الاصطياف، رأس رئيس الحكومة نجيب ميقاتي امس اجتماعا في السرايا خصص للبحث في وضع مطار رفيق الحريري الدولي . وتحدث وزير الاشغال العامة والنقل علي حمية عن حركة نحو 36 الف راكب كمعدل وسطي في اليوم وأشار الى انه “تمت دراسة الأمور من محطة الوصول حيث اتخذ قرار من الأمن العام بفرز 12عنصرا للارشاد والتوجيه قبل التدقيق بجوازات السفر من أجل أن تسير العملية بشكل منظم توفيرا للوقت ولأجل التسريع بالتدقيق في جوازات للسفر وحتى لا تستغرق هذه العملية أكثر من ثلث إلى نصف ساعة. وسيقوم الأمن العام بصيانة المستلزمات التقنية والحواسيب في الكونتوارات لكي يقوم باستعمال كل كونتوارات الوصول والمغادرة. أما بالنسبة إلى الجمارك فسيؤمن مسربان للوصول لتخفيف الضغط عن الجمارك وبالنسبة إلى التفتيش فهناك 7 أجهزة سكانر تعمل وسنقوم بصيانة الاجهزة الاخرى ليرتفع العدد إلى 9. أما في ما يتعلق بتكييف المطار فقد اتخذنا اجراءات احترازية وتم تأمين مولد إضافي لعمل المكيفات”.
وأفادت معلومات ان ميقاتي أبلغ الوزراء بنيته تحديد جلسة قريبة لمناقشة مشروع قانون الموازنة على طاولة مجلس الوزراء .