كتبت صحيفة “النهار”: بدا واقعا شديد الغموض والتعقيد ان تتحول تداعيات الاعتداء الموصوف على الكحالة، وهو الوصف الموضوعي لما جرى مساء الأربعاء على الكوع الشهير للبلدة مهما تشاطر “حزب الله” في تحريف الوقائع، الى “ملف التقصير” الأمني والعسكري والقضائي الذي واكب واعقب الصدام الذي أدى الى سقوط قتيلين من الكحالة ومن المجموعة المسلحة ل”حزب الله”. اذ ان التداعيات السياسية تصاعدت بقوة على وقع توترات مثيرة للمخاوف لم يعد ممكنا تجاهلها ولو اقترنت مواقف القوى والأحزاب بالتشديد على صون السلم الأهلي والاستقرار الأمني اذ ان ذلك لم يحجب الفجوة الكبيرة التي برزت بين القوى السياسية والمدنية المعنية باهالي الكحالة والجيش والقوى الأمنية والقضاء في ظل تصاعد موشرات ما اعتبر “تقصيرا” وتاخيرا في المعالجات والممارسات التي كانت منتظرة في لحظة الحادث. وما زاد الطين بلة ان رجال الأدلة الجنائية قاموا صباح امس بالكشف على مسرح المواجهة والأدلة المتوافرة أي بعد اكثر من 13 ساعة من حصول الصدام بين مجموعة من أهالي الكحالة والمسلحين المواكبين لشاحنة الذخيرة التابعة ل”حزب الله” عقب انقلابها على الطريق العام الدولية. وهو الامر الذي اثار مزيدا من الشكوك والاستغراب ووسع الفجوة وأزمة الثقة بين شريحة واسعة أهلية وسياسية والجهات المسؤولة عسكريا وامنيا وقضائيا.
ولعل الأشد اثارة للاهتمام في يوم رصد تداعيات حادث الكحالة ان برزت فجأة رزمة عقوبات أميركية بريطانية كندية منسقة على حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة بعد عشرة أيام من نهاية ولايته بما يكمل الحصار الغربي عليه ان قضائيا عبر الملاحقات المقامة ضده في دول أوروبية عدة وان في فرض العقوبات الثلاثية الجديدة ضده البارحة. ويبدو واضحا ان استئخار فرض العقوبات الثلاثية ضد سلامة الى ما بعد خروجه من المسؤولية كان يهدف الى عدم تعريض الاستقرار المالي في لبنان لمزيد من الهزات ولكن فرض العقوبات المنسقة عكس تثبيت تسديد الاتهامات لسلامة بالفساد .
ملف اعتداء الكحالة
اذن شهدت الكحالة امس هدوءا حذرا غداة اشتباكات بين اهالي البلدة وعناصر “حزب الله” وتركت الساحة للتحقيقات ولمواقف الاستنكار. وبحسب التحقيقات الأولية التي ارتكزت على كاميرات المراقبة ، لم يتم تحديد هوية من بدأ باطلاق النار بعد وان الشاحنة انقلبت بحادث عرضي وسيحدد مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي فادي عقيقي الذي بدأ التحقيق في حادث الكحالة الجهة المخولة متابعة التحقيق لاحقاً في ضوء النتيجة. وافيد بحسب تقرير الطبيب الشرعي ان فادي بجاني قضى بثلاث طلقات وأحمد علي قصاص بسبع طلقات.
وصدر عن قيادة الجيش أول بيان حول الحادث اكد ان الشاحنة المنقلبة كانت تحمل ذخائر وتم نقل حمولتها إلى أحد المراكز العسكرية . وتصاعدت الاصداء السياسية للحادث اذ أعتبر رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميّل بعد اجتماع للمكتب السياسي الكتائبي في الكحالة أن “السلاح غير الشّرعي يحظى بغطاء من دولة مخطوفة ولهذا السبب لن نتوجّه إلى أركان الدولة لأنّ قرارهم ليس بأيديهم”. وشدد على “أننا سنبقى إلى جانب أهالي الكحالة ولهم الإمرة بشأن ما سيحصل في الأيام المقبلة وأيّ قرار يتّخذونه نحن إلى جانبهم” . كما أشار إلى “أننا نعرف أنّ الجيش يُنفّذ الأوامر وأنّ السلطة السياسية مخطوفة وأنّ هناك معادلة مفروضة على اللبنانيين إسمها “جيش وشعب ومقاومة”. واعتبر أنه “يجب أن تعرف قيادة الجيش أنّ أسلوب حزب الله في التعاطي سيوصل البلد إلى أماكن خطرة وإذا لم يتحمّل الجيش مسؤوليّته ولم يضع حدًّا لكلّ الممارسات يكون بدوره شاهد زور على ما يُمكن أن يصل إليه البلد”.
كما شدد النائب أشرف ريفي على أن “عمليات نقل وتهريب السلاح والنيترات لم تتوقف على مساحة لبنان حيث أنّ لبنان ينسف ليس فقط الاستقرار اللبناني بل القرارات الدولية أيضاً قبل التجديد لقوات اليونيفيل”. وتلا ريفي بيان “الجبهة السيادية” معتبرًا أن “الحكومة سقطت شرعيّتها والسلاح ليس سلاح مقاومة فهو يرتدّ على صدورنا ويقتلنا كلّ يوم وسنناضل لسحب كلّ سلاح غير شرعي من أيدي أصحابه”.
في المقابل، حملت “كتلة الوفاء للمقاومة” على ما وصفته ب”التوتير المبرمج والظهور الميليشاوي المسلح الذي شهدته بلدة الكحالة وهو نتاج التحريض والتعبئة” وقال ”التيار الوطني الحر” “رحم الله فادي بجاني وكلّ ضحية سقطت نتيجة قصور من حزب الله أو القوى الأمنية ومحاولة استغلال من المزايدين من سياسيين واعلاميين”. وأكد أن “التيار يرفض كلّ انفعال واستغلال للحادثة المؤلمة بهدف توتير الاجواء والتسبب بفتنة يسعى اليها كثيرون في الداخل والخارج”.
اما التطور اللافت الاخر امس فتمثل في توزيع معلومات عن استهداف وزير الدفاع موريس سليم عبر رواية عن “محاولة اغتياله” لم تصمد طويلا اذ ان الوزير نفسه علق على إصابة زجاج سيارته برصاصة بقوله : “التحقيق سيبيّن اذا كان الرصاص الذي أصاب السيارة طائشا أم لا وكان هناك سيارة تطاردنا والرصاصة لم تخترق السيارة والأجهزة الأمنية تقوم بواجباتها”.
واصدر مكتب وزير الدفاع بيانا افاد انه “اثناء انتقال موكب وزير الدفاع الوطني موريس سليم من مكتبه في وزارة الدفاع ولدى وصوله الى منطقة جسر الباشا تعرضت السيارة التي تُقل الوزير سليم لرصاصة بالزجاج الأيسر الأمامي. لم يُصب الوزير بأي أذى ولا أي من العسكريين المرافقين. وتقوم الشرطة العسكرية والأجهزة الأمنية بإجراء التحقيق اللازم والكشف على السيارة ومكان الحادث بالتنسيق مع القضاء العسكري المختص”.
العقوبات على سلامة
ووسط هذه الأجواء برز الإعلان عن فرض عقوبات على حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة من الولايات المتحدة بريطانيا وكندا. وقد فرضت وزارة الخزانة الأميركية قيوداً على إجراء التحويلات المالية على كل من رياض ورجا وندي سلامة وماريان حويك وأنا كازاكوفا. وأضافت الحكومة البريطانية في وقت متزامن سلامة والآخرين إلى نظام عقوباتها العالمي لمكافحة الفساد، “لدورهم في تحويل ما يربو على 300 مليون دولار من المصرف المركزي”.
وأفادت السفارة البريطانية ان “بريطانيا لفتت إلى أن أفعال رياض سلامة استفاد منها هو شخصيا والمقربون منه على حساب الشعب اللبناني، فقد استفاد من عملية الفساد هذه أخوه رجاء سلامة، ومساعدته سابقا ماريان حويك، وآنا كوساكوفا، حيث ملأوا جيوبهم بأموال تعود للشعب اللبناني. وقد فُرض على هؤلاء الأربعة عقوبات تشمل تجميد أرصدتهم وممتلكاتهم ومنع سفرهم”. وأكّدت أن “هذه العقوبات نسقتها المملكة المتحدة مع اثنتين من شركائنا الأساسيين، الولايات المتحدة وكندا. وهي تدل على التزام المملكة المتحدة بمكافحة الفساد في لبنان”.
في السياق، قال وزير شؤون الشرق الأوسط، لورد أحمد، إن “رياض سلامة والمقربين منه سرقوا أموال شعب لبنان وحرموا بلدهم من موارد ضرورية لأجل استقراره الاقتصادي والاجتماعي”. وهذه المرة الأولى التي تطبق فيها المملكة المتحدة عقوبات بموجب النظام العالمي لمكافحة الفساد ضد أشخاص ضالعين بالفساد في لبنان. فمنذ بدء العمل بهذا النظام في نيسان 2021، فرضت المملكة المتحدة عقوبات بموجبه ضد 39 من الأشخاص والكيانات في العالم لمكافحة الفساد في أنحاء العالم.
وأعلنت بريطانيا أن “هذه العقوبات لا صلة لها بمصرف لبنان كمؤسسة، ولا علاقات التراسل المصرفي مع البنوك البريطانية”.
ووفق بريطانيا فانه “تبعا لتحقيق أُجرِي في سويسرا، ارتكب رياض سلامة، بحكم منصبه حاكما لمصرف لبنان، وأخوه رجاء سلامة منذ نيسان 2021 على أقل تقدير “عمليات اختلاس منظمة” في مصرف لبنان لمبلغ “يفوق 300 مليون دولار”، وفق بريطانيا.
من جهتها، قالت وزارة الخارجية الكندية امس إن كندا فرضت عقوبات على ثلاثة لبنانيين بينهم حاكم المصرف المركزي السابق رياض سلامة، وذلك في تحرك منسق مع الولايات المتحدة وبريطانيا لاستهداف فساد مزعوم.
وقالت الوزارة إن هؤلاء الأفراد تم استهدافهم لتورطهم في “أعمال فساد كبيرة تشمل اختلاس أصول عامة لتحقيق مكاسب شخصية وتحويل الربح من الفساد إلى دول أجنبية”.