كتبت صحيفة “النهار: تشابكت أولويات المتابعات اللبنانية في الساعات الأخيرة في ظل اندفاعة ديبلوماسية متعددة الوجوه على خطوط دولية وأميركية وايرانية بدت بمثابة ظاهرة لافتة في تزامن محطاتها. ولكن وفيما كان كبير مستشاري الرئيس الأميركي لشؤون امن الطاقة آموس هوكشتاين يدهش اللبنانيين بجولته السياحية التي طغت على لقاءاته السياسية بما انطوت عليه من رمزيات ودلالات لا تخفى على الراصدين والمتابعين خصوصا في زيارته السياحية الخاطفة لبعلبك، عادت الأنظار لترصد تطورات الساعات الأخيرة في نيويورك حيث كان يفترض ان يصدر امس قرار مجلس الامن الدولي بالتمديد مدة سنة إضافية للقوة الدولية العاملة في الجنوب اليونيفيل. ولكن الجلسة ارجئت مرة أولى قبيل موعد انعقادها الذي كان محددا في العاشرة قبل ظهر امس بتوقيت نيويورك من دون تحديد الموعد الجديد، علما ان اليوم الخميس يشكل المهلة النهائية لصدور القرار. ولم تتضح الأسباب الذي املت التأجيل فيما كشفت مصادر لبنانية معنية ومتابعة لـ”النهار” ان خلافات كانت لا تزال قائمة بين بعض الدول حيال الصيغة التي طرحها الجانب الفرنسي والتي حافظت عمليا على كل المحتوى المتشدد في منح اليونيفيل حرية الحركة واستقلاليتها في مقابل ادراج بعض التعابير المنمقة التي ترضي الجانب الرسمي اللبناني. وقد اعيد تحديد موعد الجلسة في الثالثة بعد ظهر امس بتوقيت نيويورك أي العاشرة ليلا بتوقيت بيروت. وسرعان ما طارت الجلسة الثانية أيضا وذكر ان الموعد الثالث صار في الخامسة بعد ظهر اليوم الخميس بتوقيت بيروت وذلك منعا لسقوط القرار بالتصويت لا سيما في ظل الشرخ القائم بين أعضاء مجلس الامن على مشروع القرار الذي قدمته فرنسا واخذت فيه بالمقترحات اللبنانية.
عدد من الدول يتقدمها الولايات المتحدة والامارات العربية المتحدة والبانيا اعترضت على التعديلات التي ادخلتها فرنسا على مشروع لقرار في نسخته الزرقاء من دون التشاور مع الدول الاعضاء لاسيما لجهة تقييد حركة اليونيفيل بالتنسيق المسبق مع الحكومة اللبنانية. وعلم ان قرار التأجيل جاء بعد ان بعثت الامارات برسالة صباح امس الى مجلس الأمن تقول بمعارضتها التعديلات التي ادخلت على مسودة مشروع القرار مطالبة بالعودة الى صيغة القرار كما صدر العام الماضي .
الانقسام داخل مجلس الامن واقع لاسيما بين الولايات المتحدة والامارات العربية المتحدة والبانيا من جهة في مقابل البرازيل وروسيا واليابان وسويسرا، وهذا الانقسام يهدد بإسقاط القرار بالتصويت اذا لم يتم الاتفاق المسبق على صيغته.
ومعلوم ان مشروع القرار بعد صدوره بالنسخة الزرقاء blue print لن يتغير الا اذا حصل تصويت على اقتراح تقدمه احدى الدول بتعديل شفهي oral amendment اذا تم التصويت عليه بالاكثرية وقبل هذا التعديل الشفهي يدرج عندئذ في صلب القرار الخطي والا يبقى بصيغته المقدمة من فرنسا.
فالدول المعترضة تعتبر ان قوات حفظ السلام في كل انحاء العالم تمتلك حرية التحرك من دون اي تنسيق وهي تعترض على هذا التنسيق مع الدولة اللبنانية مع العلم ان القرار يتضمن في فقرة حرية التحرك وفي فقرة اخرى ينص على التنسيق مع الجيش اللبناني.
وقالت اوساط لبنانية ان لبنان قام بواجبه وليتحمل كل طرف مسؤوليته في ما سيصدر عن مجلس الامن لاحقاً.
وكانت متحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية أبلغت قناة “الحرة” الأميركية إن “رفض حزب الله لتفويض اليونيفيل هو الأحدث ضمن سلسلة من الأحداث التي تثبت أن حزب الله مهتم بمصالحه ومصالح راعيته إيران أكثر من اهتمامه بسلامة ورفاهية الشعب اللبناني”. وشددت على أن “الولايات المتحدة تبقى ملتزمة بمهمة اليونيفيل وبسلامة وأمن قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة”. وأشارت إلى أن “استقلالية اليونيفيل وحرية حركتها هما عنصران حاسمان للغاية في قدرتها على إنجاز مهمتها، وهذا أمر منصوص عليه في اتفاقية وضع القوات بين اليونيفيل ولبنان، والمعمول بها منذ عام 1995”.وقالت المتحدثة إنه “في حين أن اللغة المضافة في تفويض عام 2022 لم تمنح اليونيفيل أي سلطات إضافية، إلا أنها أكدت التزام المجتمع الدولي بحرية حركة اليونيفيل ووصولها إلى المناطق الرئيسية المثيرة للقلق وهو الأمر الذي لا يزال حاسما للتخفيف من عدم الاستقرار على طول الخط الأزرق”. وجددت “دعوة السلطات اللبنانية إلى ضمان حرية حركة اليونيفيل ووصولها ومحاسبة المسؤولين عن عرقلة تنفيذ ولايتها وتهديد سلامة قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة”.
وبدورها أكدت إسرائيل امس أن “فرصة الهجوم الإسرائيلي على لبنان الأقرب منذ عام 2006”.
وقال السفير الإسرائيلي في الأمم المتحدة جلعاد أردان، في تصريحات لإذاعة الجيش الإسرائيلي، قبيل التصويت على استمرار ولاية قوة “اليونيفيل” في جنوب لبنان، إنه “لا يؤمن بقوة الأمم المتحدة لمنع ذلك الهجوم” مؤكدا في الوقت ذاته، أن “هناك آليات يمكنها تحسين الوضع” دون أن يذكرها.
وتشهد الحدود الإسرائيلية اللبنانية تصاعد التوترات بشكل كبير، بعدما قدمت تل أبيب الشهر الماضي، شكوى رسمية ضد لبنان إلى مجلس الأمن الدولي، مطالبة بإلزام بيروت بـ”تحرك فوري لمنع إقامة حزب الله بنى تحتية عسكرية على الحدود”، في إشارة للخيمة في منطقة مزارع شبعا المحتلة.
في المقابل، قدم لبنان، في 11 تموز الماضي، شكوى رسمية لدى الأمم المتحدة ضد إسرائيل على خلفية “تكريس” احتلالها الجزء اللبناني من بلدة الغجر الحدودية.
هوكشتاين في بيروت
اما في ما يتصل بزيارة هوكشتاين للبنان فبدا لافتا حرصه على ابراز جانب صون الاستقرار الداخلي والحدودي في ان واحد وذلك من خلال الرمزية الواضحة التي ظهرت في صورته “السياحية” مع السفيرة الأميركية دوروثي شيا في احد مقاهي الروشة البحرية ومن ثم في زيارته المثيرة لقلعة بعلبك برفقة شيا أيضا.
وفي المضمون السياسي والنفطي أفادت مصادر مطلعة “النهار” ان هوكشتاين اجرى عمليا جولة افق شاملة مع كل من رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي وان الطابع الغالب على زيارته يبدو متصلا بملف النفط ومعاينة عملية التنقيب. وتطرق هوكشتاين الى ملف الحدود البرية بين لبنان وإسرائيل بشكل عام من دون طرح تفصيلي اذ شدد على ضرورة التوصل الى حل لنقاط التوتر على الحدود ووجوب الحفاظ على الهدؤ والاستقرار ولكنه لم يتجاوز ذلك الى الابعد .
وأبلغ هوكشتاين من التقاهم حرص واشنطن على استمرار الهدوء في الجنوب ومواكبة عملية الترسيم البحري من الالف الى الياء وان مهمته المفتوحة ولم تنته عند الانتهاء من ترسيم البحر مؤكدا ان الرعاية الاميركية ستتواصل الى مرحلة الاستخراج .
وفي المعلومات ان الرئيس بري ناقش جملة من النقاط على شكل سلة في ملف تثبيت الحدود مع اسرائيل تبدأ من نقطة b1 في الناقورة وصولا الى شمال بلدة الغجر السورية .وابلغ هوكشتاين ان النقاط المتنازع عليها 13 وليست 7 على ان يتم تثبيتها وفق “الحدود الاصلية” وليس على اساس الخط الأزرق .
وزار المبعوث الأميركي بري الذي استقبله في مقر الرئاسة الثانية والوفد المرافق في حضور السفيرة الاميركية دوروثي شيا لمدة ساعة غادر بعدها هوكشتاين مكتفياً بالقول اللقاء مع رئيس مجلس النواب نبيه بري “كان ممتازا وبناء”. بعدها انتقل هوكشتاين الى السرايا والتقى الرئيس ميقاتي وشارك في اللقاء شيا، المستشار الديبلوماسي لرئيس الحكومة السفير بطرس عساكر ومنسّق الحكومة لدى قوات الطوارئ الدولية”اليونيفيل” العميد منير شحادة.
وقبل جولته، نشر هوكشتاين صورته والسفيرة شيا في مقهى في منطقة الروشة وكتب عبر “اكس”: “من الرائع العودة إلى بيروت. قهوة سريعة ومنقوشة في الفلمنكي مع المنظر الجميل المطل على الروشة مع السفيرة الموهوبة دوروثي شيا”. وبعد الظهر وصل هوكشتاين وشيا، إلى مدينة بعلبك عبر مروحية عسكرية قرابة الساعة 4.10 عصراً، حيث أمضيا نحو ساعة داخل معابد قلعة بعلبك الأثرية، وسط إجراءات أمنية مشددة من قبل الجيش.
ومساء التقى هوكشتاين وشيا وزير الطاقة وليد فياض . ومن ثم كشفت السفارة الأميركية ان هوكشتاين “عقد عشاء عمل مثمرا مع قائد الجيش اللبناني العماد جوزف عون وشددت على “إن تفاني الجنود ذوي الكفاءة العالية أمر بالغ الأهمية لأمن لبنان واستقراره. ملتزمون بمواصلة الشراكة الأمنية بين الولايات المتحدة ولبنان” .