كتبت صحيفة “الجمهورية”: مع سريان لغة التصعيد والتهديد والوعيد، تسقط لغة التبريد، ويحوم في اجواء هذا البلد نذير شؤم يُبقي الازمة قائمة بكل بلاويها على لبنان واللبنانيين الى أمد بعيد.
تلك هي الخلاصة التي تقرأ مع البداية الساخنة للشهر الحادي عشر من الفراغ الرئاسي، واذا كانت الدعوات الى الحوار والتلاقي والتوافق على حسم الملف الرئاسي قد علّقت آمال اللبنانيين على مقولة «ايلول بالحلول مبلول»، الا أنّ الصوت العالي ابتلع تلك الحلول، وضبط الواقع اللبناني برمّته على إيقاع مقولة «كل الاحتمالات السلبية واردة في ايلول وما بعده».
غيوم سوداء
واذا كانت الجهود الرامية الى إطلاق حوار رئاسي، بدءاً بالمسعى الذي يقوده الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان باسم اللجنة الخماسية، وصولا الى الدعوة الاخيرة التي اطلقها رئيس مجلس النواب نبيه بري، الى حوار رئاسي لسبعة ايام تليه جلسات متتالية لمجلس النواب لانتخاب رئيس الجمهورية، قد انطوت على تمنيات بتصاعد الدخان الابيض في الاجواء الرئاسية، إلّا أنّ الفرز المتجدّد على ضفتي الملف الرئاسي، وعلى ما تقول مصادر سياسية مسؤولة لـ»الجمهورية» فتح الافق اللبناني على مصراعيه امام تكوّن غيوم سوداء من شأنها ان تسد الافق السياسي الرئاسي اكثر فأكثر، وربما بشكل نهائي».
المبادرة قائمة
ووفق معلومات «الجمهورية»، فإنّ ما استجد على هذا الصعيد، لا سيما لجهة المواقف العالية النبرة التي اطلقها رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، لم يكن مفاجئا للطرف الآخر. بل كان متوقعا وبالحدود التي صدرت فيها تلك المواقف. وخلافاً لما تردّد في اوساط الاطراف التي تسمّي نفسها سيادية عن ان مبادرة بري فاشلة في توقيتها وشكلها ومضمونها، فإنّ المؤيدين لهذه المبادرة اعتبروا انها «عَرّت المعطلين، وكشفت من يريد فعلاً انتخاب رئيس للجمهورية، ومن يريد للبلد ان يبقى مأزوماً، ويُخاصم كل من يدعو الى الحوار والتوافق، على ما جرى في المواقف الاعتراضية على الموقف الأخير للبطريرك الماروني مار بشارة الراعي». (يشار في هذا السياق الى الزيارة اللافتة في توقيتها، التي قام بها السفير السعودي في لبنان وليد البخاري الى البطريرك الراعي في الديمان، حيث جرى بحث الاستحقاق الرئاسي، وضرورة إنجازه في اسرع وقت ممكن ليسهم في انقاذ لبنان، ويكون جامعا لكل اللبنانيين، ويعمل على تمتين العلاقات مع محيطه).
وفي السياق، اكدت مصادر موثوقة لـ«الجمهورية» أن مبادرة بري، وعلى رغم التشنّج الذي أبداه حزب «القوات اللبنانية» وبعض اطراف ما يسمّى الفريق السيادي، ما زالت قائمة والايام القليلة المقبلة ستشهد بالتأكيد الخطوة التالية للرئيس بري، ربطاً بمبادرته».
خطران
وعلى الضفة المقابلة للازمة الرئاسية، يتموضَع همّان آخران يشغلان بال اللبنانيين، يتبدّى الاول في الخطر الكامن في المخيمات الفلسطينية، لا سيما في مخيم عين الحلوة، الذي ابلغت مصادر امنية مسؤولة الى «الجمهورية» ان «المؤشرات غير مطمئنة، حيث ان ذيول التوترات الاخيرة لم تتبدّد بعد في ظل المماطلة الحاصلة على هذا الصعيد، ما يُبقي الوضع في المخيم أشبه بالاصبع على الزناد».
وأما الهمّ الثاني، فيتبدّى في ما سمّته المصادر عينها «زحف النازحين السوريين في اتجاه لبنان». وهو الامر الذي يُفاقم من مخاطر هذه القنبلة الموقوتة التي تهدد كيان لبنان».
واكدت المصادر انه لا بد من اتخاذ اجراءات صارمة من قبل لبنان وسوريا لمنع هذا النزوح الخطير، مشيرة في هذا السياق الى بيانات الجيش الاخيرة التي اشارت الى احباط آلاف محاولات التسلل لسوريين في اتجاه لبنان. وقالت: اذا كانت آلاف المحاولات قد احبطت، فكم هو عدد المحاولات التي نجحت؟ لا نستبعد ان تكون بالآلاف ايضاً».
وزير المهجرين
الى ذلك، وحول موضوع النزوح المستجد، قال وزير المهجرين عصام شرف الدين لـ«الجمهورية»: نحن كحكومة لبنانية متلكئون عن إيجاد الحل الجذري وهذا الحل يكون بذهاب وفد رسمي الى سوريا مرة ومرتين وثلاث مرات، واجراء بروتوكول وتوقيع بنود عودة وحماية للحدود وضبطها. اما الاجراءات التي حصلت الاسبوع الماضي فهي اجراءات امنية لأنه كان هناك نزوح جديد لا مبرر له، وهو نزوح خطير ومخيف لا يمكن التساهل به والّا سيدخل اكثر من مليون نازح جديد، من هنا كان اللقاء مع الرئيس نجيب ميقاتي وامين عام المجلس الاعلى للدفاع ومدير عام الامن العام بالانابة واقترحتُ ضبط الحدود، وفك الشبكات التي تتاجر بالهجرة والتهريب، وابلاغ كل لبناني يؤوي نازحا جديدا غير شرعي بأنه سيتعرض لعقوبات.
وحول الجهة التي تتحمل المسؤولية قال شرف الدين: المسؤولية تقع على الشبكات المنظمة، وقبل كل شيء نحتاج الى قرار سياسي جدي وتنسيق بين الحكومتين اللبنانية والسورية وتواصل مباشر على اعلى المستويات.
وختم شرف الدين قائلاً: الجيش يقوم بواجباته لكن لا بد من اتخاذ قرار جذري.
إنزعاج الصيارفة من إجراءات المركزي
من جهة ثانية، بَدا جلياً منذ تسلّم الدكتور وسيم منصوري حاكمية مصرف لبنان بالانابة، انّ نقلة نوعية تَبدّت في الاداء، ومقاربة الملفات المالية والنقدية في البلد، وكذلك في الضوابط المشددة التي فرضها منصوري، لحفظ ما تبقى من احتياط.
وقد سجل في هذا الاطار، انزعاج واضح للصيارفة من الاجراءات المشددة التي فرضها مصرف لبنان المركزي على عملية الحصول على الدولار من السوق.
واذا كان المصرف المركزي لا يحصل الا على كميّات ضئيلة نسبياً من الدولار لتأمين رواتب موظفي القطاع العام واحتياجات المؤسسات الامنية والعسكرية وحالات طارئة، فإنه لا يقبل الحصول على دولار الّا بكشف مساره ومصدره وهويات اصحابه، كما يمنع الحصول على دولار من قوى حزبية.
لبنان على الخريطة المالية
في هذه الاثناء، شارك الدكتور منصوري في مؤتمر المصارف العربية المنعقد في الرياض، وألقى كلمة في حفل الافتتاح تحدثَ فيها عن الاصلاحات التي يطالب بها المصرف اللبناني لإعادة لبنان الى السكّة المالية الطبيعية، واكد ان خطواته تصبّ في اطار حَثّ القوى السياسية على اطلاق عجلة الاصلاحات عبر تشريعات ضرورية لاعادة الثقة بالاقتصاد اللبناني.
واللافت كان الاهتمام العربي بأداء منصوري، الذي حظي باستقبال سعودي مميّز وحفاوة عبّر عنها محافظ المصرف المركزي السعودي الذي عقد والحاكم بالإنابة لقاء لم تُعرف تفاصيله، وقد يكون شهد طلب منصوري دعماً مالياً للمؤسسات الامنية والعسكرية اللبنانية.
كما جاءت لقاءات منصوري مع مسؤولي صندوق النقد العربي وحكّام المصارف العرب لتعكس بأن لبنان موضوع على الجدول العربي، وظهر ذلك في استعداد مسؤولين ماليين عرب لزيارة لبنان في الاسابيع المقبلة وعقد مؤتمرات مالية عربية في بيروت لاحقاً.
وعلم انّ منصوري يبقى في السعودية ليومين اضافيين بعد انتهاء المؤتمر المصرفي العربي لعقد لقاءات مع شخصيات استثمارية عربية.
وكان منصوري قد أطلّ عبر وسائل إعلام سعودية واعلن أن إعادة أموال المودعين ليست أمرا مستحيلا، لذلك سيُصار الى وضع إطار قانوني لها في أسرع وقت، مركّزاً على قراره بترك لبنان سوق الكاش والإنسجام مع المسار المالي الدولي.