كتبت صحيفة “الديار”: لم يتغير المشهد السياسي مع بدايــة ايلول، وقـد لا يتبدل مع نهايته، واذا كان “المكـــتوب يقرأ من عنوانه”، فلا تبدو الاجواء مشجـــعة على ترقب حصول اي اختراق في الازمة الرئاسية المستعصية على الحل، بغياب الزخم الخارجي المطلوب لتحريك “المياه الراكدة”.
المشهد الديبلوماسي تحرك بالامس من خلال ترحيب السفير الفرنسي الجديد ايرفيه ماغرو، واستطلاع السفير القطري الشيخ سعود بن عبد الرحمن بن فيصل ثاني آل ثاني خلفيات دعوة الرئيس نبيه بري الحواري في عين التينة، حيث سمع كلاما فرنسيا ايجابيا حول طرحه، ووعد بموقف قطري عبر مبعوث يصل قريبا، فيما ارتأى السفير السعودي الوليد البخاري ان يكون حذرا في التعامل مع الدعوة الى الحوار، من خلال ابلاغ البطريرك بشارة الراعي “استغراب” بلاده لتأييده الحوار دون شروط، في موقف يفسر اسباب رفض المعارضة للمبادرة. وهو ما دفع مصادر ديبلوماسية الى ترجيح استمرار المراوحة على الرغم من المحاولات القطرية لوراثة الدور الفرنسي مطلع تشرين المقبل.
في هذا الوقت، تقدم الحوار بين حزب الله والتيار الوطني الحر “خطوة الى الامام” عبر تشكيل لجنة مشتركة لدراسة قانون اللامركزية الموسعة، على ان تنجزه في اقرب وقت ممكن.
ماليا، اعلن حاكم مصرف لبنان بالانابة وسيم منصوري، الذي حظي بترحيب لافت في السعودية، عن منصة جديدة ستحل مكان “صيرفة” يوم الاربعاء، مجددا رفض تمويل الحكومة من “المركزي”، دون ان يعرف بعد كيفية تأمين الدولة للدولارات نهاية شهر ايلول.
في هذا الوقت يهدد “النكد” السياسي بعودة “العتمة” الشاملة الى البلاد مجددا، حيث اكدت وزارة الطاقة عن نقص حاد في الفيول، محملة الحكومة المسؤولية بسبب الاستغناء عن الباخرة التي غادرت الشواطىء اللبنانية.
جنوبا، اختار المتحدث باسم قوات “اليونيفيل” اندريا تننتي العقلانية والواقعية في مقاربة الامور، بعد ازمة مشروع قرار التمديد “لليونيفيل”، مؤكدا ان شيئاً لن يتغير على الارض، وسيبقى التنسيق مع الجيش اللبناني على حاله.
وراثة الدور الفرنسي
رئاسيا، لم تلمس مصادر ديبلوماسية وجود مؤشرات ايجابية لحل قريب للازمة، خصوصا ان الامور ستعود الى “نقطة البداية”، مع سعي قطر “لوراثة” الدور الفرنسي في تشرين المقبل، بعد قناعة واضحة بحتمية فشل زيارة المبعوث الفرنسي جان ايف لودريان الى بيروت. وهو امر اوحى به السفير القطري الجديد خلال زيارته الى “عين التينة” بالامس، متحدثا عن دخول قطري قريب على الخط، لجوجلة موقف اوضح من الحوار. فيما ابلغ الرئيس نبيه بري السفير الفرنسي الجديد انه يسعى الى دمج اقتراحه بالمبادرة الفرنسية، وهو يرحب بحضورالمبعوث الفرنسي جان ايف لودريان الحوار، اذا قيّد له ان يلتئم. وسيُتخذ القرار الفرنسي خلال الساعات القليلة المقبلة، في اجتماع سيعقد في الايليزيه بين الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون ومبعوثه الى بيروت. علما ان باريس وجدت في دعوة بري “نافذة” تساعد على تعبيد الطريق امام مبادرتها، ولم تجد فيها اي محاولة لعرقلة مساعيها، كما فهم بري من “الرسائل” الفرنسية.
متى تفويض الدوحة؟
ووفقا لتلك المصادر، يفترض ان يتم تفويض الدوحة بالمهمة خلال لقاء مرتقب لوزراء خارجية دول “الخماسية”، على هامش اجتماعات الجمعية العمومية للامم المتحدة في نيويورك. واذا كانت الدوحة تعوّل على دورها السابق في انتاج اتفاق “الدوحة في العام 2008 ، الا ان الظروف اليوم تغيرت كثيرا، فالمملكة العربية السعودية تخوض غمار حوارات مفتوحة مع الجانب الايراني، ولن تحتاج الى وسيط كي يبرم اتفاقات عنها في اي من الساحات في المنطقة، ولهذا لن تسمح لقطر بان “تقطف” اي جهد دبيلوماسي على حسابها.
ولهذا، عندما تنضج الظروف للتسوية، ستتقدم الرياض الصفوف وتبرم مع الايرانيين تسوية تتضمن ملفات اخرى، والى ان تنضج الظروف سيكون الهامش متاحا لحركة ديبلوماسية قطرية، لن تقدم او تؤخر شيئا في المشهد المعقد على الساحة اللبنانية. فالدوحة لن تتحرك جديا، الا بعد ان ينتقل لودريان في نهاية الجاري الى السعودية لتسلم مهامه الجديدة في مؤسسة تطوير العلاقات بين باريس والرياض، بعد ذلك ستعود الى طرح قديم – جديد تفترض انه يشكل تسوية متقدمة على غيره من الاسماء، قائد الجيش العماد جوزاف عون، وهو طرح معقد للغاية وغير قابل للصرف في الظروف الراهنة. اما الجديد هذه المرة، فسيكون ربط هذه التسوية بتعهد”سخي”، بتقديم مشاريع اقتصادية استثمارية تواكب العهد الجديد وحكومة الانقاذ الوطني!.
البخاري في الديمان
في هذا الوقت، زار السفير السعودي لدى لبنان وليد البخاري امس، البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي في الديمان، ووفقا للمعلومات، فان الديبلوماسي السعودي استفسر من الراعي عن اسباب موقفه الاخير يوم الاحد، والذي دعا فيه النواب الى القبول بدعوة الحوار التي اطلقها رئيس مجلس النواب نبيه بري.
ووفقا لمصادر مطلعة، حاول الديبلوماسي استطلاع الخلفيات وراء هذا الموقف المستجد من قبل سيد بكركي، الذي اوضح ان البلاد لم تعد تتحمل المزيد من الفراغ، ولا بد من التمسك باي فكرة يمكن ان تؤدي الى احداث خرق في الازمة، ولن يكون هناك اي ضرر من حشر اصحاب الفكرة في “الزاوية” وكشف حقيقة النوايا، بدل الاكتفاء بالرفض وابقاء الامور على حالها.
وعلم في هذا السياق، ان البخاري اوحى للراعي بان بلاده لا ترى جدية في الطرح، وانما مناورة مهمتها كسر موقف المعارضة وتشتيتها، ولا بد من التمعن اكثر في ظروف الحوار وتفاصيله، مذكرا ان الالتزام باتفاق الطائف ونصوصه الدستورية لا يشترط حصول حوار قبل الذهاب الى جلسة الانتخاب، والمملكة لا تستطيع ان تشجع على اعراف ستكون مقدمة لتعديلات في الطائف!.
لا للشروط؟
من جهتها، اعلنت السفارة السعودية في بيان ان اللقاء كان مناسبة جرى خلالها البحث في آخر المستجدات على الساحة اللبنانية، بخاصة الاستحقاق الرئاسي، وضرورة إنجازه في أسرع وقت ليسهم في إنقاذ لبنان، ويكون جامعاً لكلّ اللبنانيين ويعمل على تمتين العلاقات بمحيطه العربي. بدوره، أشار المسؤول الإعلامي في الصرح البطريركي وليد غياض، إلى أنّ اللقاء المطوّل الذي استمرّ نحو ساعة، بحث في المساعي التي تقوم بها المملكة داخلياً ودولياً، وبخاصة مع الفرنسيين والدفع بانتخاب رئيس بأسرع وقت ممكن . وقال إنّ البخاري أبدى خلال اللقاء كل التمنّي والحرص باسم المملكة على الاستقرار في لبنان وحماية الدستور وحماية اتفاق الطائف، وضرورة أن لا يملي أحد شروطاً على اللبنانيين، مؤكداً أنّ المملكة تحترم إرادة اللبنانيين ومتعاونة مع أيّ قرار يتخذونه.
“القوات” والعلاقة مع الراعي؟
في هذا الوقت، وفيما اثنى رئيس الحزب “التقدمي الاشتراكي” تيمور جنبلاط على مواقف البطريرك الراعي حول الحوار، لا يزال التوتر سيد الموقف في “معراب” ازاء ما تراه “القوات اللبنانية” انقلابا في مواقف البطريرك الراعي، وبعد ساعات على تغريدة نائب البترون غياث يزبك المنتقدة لمواقفه، دخل نائب رئيس مجلس الوزراء السابق عضو تكتل “الجمهورية القوية” النائب غسان حاصباني على الخط، وغرد عبر منصة “إكس” قائلا : وضع البطريرك الراعي مقتضيات للحوار البناء “إذا حصل” على حد تعبيره، للأسف غير متوافرة في دعوة رئيس مجلس النواب الأخيرة، وتساءل هل سيحدث حوار بالمواصفات التي وضعها صاحب الغبطة، ام سيكون لقاء خارج الدستور لفرض المشاريع والأفكار ومن دون نتائج إيجابية؟
عتب في الديمان!
ووفقا لمصادر مقربة من بكركي، لم تكن هذه التغريدة كافية لتخفيف العتب في الديمان، على الحملة الممنهجة على سيد بكركي الذي لا يقبل ان يتعامل معه البعض وفقا لما يستهويه في السياسة، فالبطريرك لديه وجهة نظر واقعية لمحاولة اخراج البلاد من ازمتها، ولا يمكن الاخذ بما يناسب البعض من بكركي، ويهاجمها حين تعطي رأيها الحر. ووفقا للمعلومات، طلب نواب في “الجمهورية القوية” موعدا لزيارة الديمان لمحاولة اصلاح الاهتزاز في العلاقة، على خلفية الخلاف حول الدعوة الى الحوار.
“عقلانية” قيادة “اليونيفيل”
في هذا الوقت، نسف الناطق الرسميّ باسم قوّات “اليونيفيل” اندريا تننتي عمليا ما ورد في نص مشروع التمديد للقوات الدولية في الجنوب، وفي موقف يتماهى مع ما قاله الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله بان القرار سيكون “حبرا على ورق”، قال تننتي أن شيئاً لن يتغيّر في عمل قوّات الطوارىء الدولية على الأرض بعد التمديد لمهمّتهم، مؤكدا “ان الشراكة مع الجيش اللبناني سوف تبقى، والتنسيق الذي بدأ عام 2006 لن يتغير وسوف يبقى”.
واشار تننتي الى أن مجلس الأمن مدّد مهمّة اليونيفيل، ولكنهم سيعملون وفق المبادىء نفسها للقرار 1701 قائلاً: لم يتغير شيء، لا زلنا نكمل تعاوننا وتنسيقنا مع الحكومة اللبنانية ومع الجيش اللبناني، ولا أعتقد أن مهمتنا قد تغيرت في الجنوب، اللغة التي استخدمت عام 2006 هي نفسها التي استُخدمت هذا العام في التمديد.
وعن المستوعبات والخيمة على الحدود اللبنانية، رأى تننتي أن الأمر مقلق لنا وللقرار 1701 ، واضاف “الخيم هي انتهاك ونحن نعمل على إزالتها” ، مشيراً الى “أن الأمر الأساسي هو القيام بمراقبة الخط الأزرق والحد من التوتر والتصعيد كما نفعل في كفرشوبا”.
التسلل عبر الحدود شمالا؟
في هذا الوقت، لا تزال موجة النزوح الجديدة من سوريا تثير القلق على اكثر من صعيد سياسي وامني، خصوصا انها لا تزال مستمرة على وتيرة عالية، وقد اعلنت قيادة الجيش انه في إطار مكافحة تهريب الأشخاص والتسلل غير الشرعي عبر الحدود البريّة، أحبطت وحدات من الجيش، بتواريخ مختلفة خلال الأسبوع المنصرم، محاولة تسلل نحو 1100 سوري عند الحدود اللبنانية السورية، وقد حضرت هذه التطورات خلال لقاء وزير الدفاع في حكومة تصريف الاعمال موريس سليم في مكتبه في اليرزة مع قائد الجيش العماد جوزاف عون، كما جرى خلال اللقاء الحديث عن دور الجيش في قطاع جنوب الليطاني في ارساء الاستقرار والطمأنينة في المنطقة.
ووفقا لمصادر مطلعة فان اغلب عمليات التسلل تحصل عبر 40 معبرا في الشمال، تستخدمها مافيات للتهريب والعبور غير الشرعي، وهي تكلف مئة دولار بدل العبور فقط، دون احتساب بدل النقل الى الحدود من الاراضي السورية التي تصل الى نحو 300 دولار اضافي.
العودة الى العتمة؟
في هذا الوقت، بشّرت وزارة الطاقة اللبنانيين باحتمال عودة البلاد الى العتمة ، من خلال كتاب رسميّ اعلنت الغاء عقد الشراء الموقع مع شركة”كورال”، المتعلق بشراء شحنة الغاز اويل، وذلك اثر عدم وجود امكانية فتح الاعتماد المطلوب لتغطية ثمن الشحنة. ونبهت الوزارة بأن وضعية المخزون قد تصل الى مستوى حرج مع شهر تشرين الاول المقبل، ما يؤدي الى احتمال انقطاع التيار الكهربائي بشكل كبير وشامل. علما أن الناقلة البحرية “اردمور” قد غادرت المياه اللبنانية دون ان ترتب على الدولة اي غرامات او تكاليف عالية!.
منصة جديدة بدل “صيرفة”
اقتصاديا، أعلن حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري، أنّ المصرف يعتزم توفير منصة تبادل جديدة عبر “بلومبرغ” يوم الأربعاء المقبل بناء على طلب مصرف لبنان، وسيكون ذلك مدرجاً على جلسة مجلس الوزراء ، وأوضح أنّ هذه المنصة ستسهّل التداول وقلب الليرات إلى دولار، ما يعني أنّه يصبح بإمكان الدولة دفع كلّ التزاماتها بالليرة ولجوء من يريد قبضها إلى هذه المنصة. وأكد منصوري أنّ قرار المصرف المركزي عدم تمويل الدولة اللبنانية بالليرة أو بالدولار هو “نهائي لا رجوع عنه”، مشيراً إلى أنّ ذلك مقبول حتى من الحكومة اللبنانية، والجميع يعلم أنّه لم يعد بالإمكان الاستمرار في السياسات السابقة.
ما هي الحلول؟
ووفقا لمصادر مالية، فان الحلول ثلاثة لا غير، وهي حتى الآن غير واضحة تماما، فعملية تبديل الليرة بالدولار توقفت، والازمة ستطل برأسها بعد شهر ايلول لتغطية الرواتب وتكلفتها 85 مليون دولار، وكذلك 35 مليون دولار للأدوية المستعصية، ونفقات اخرى بنحو 65 مليون دولار، اما الحلول فهي ستكون اما عبر شراء “المركزي” الدولار من السوق، واذا كان متوافرا فلا ازمة، او لجوء “المركزي” الى شراء الدولار من السوق في ظل وجود شح ما يعني ارتفاع سعره. والحل الثالث هو التوقف عن التمويل نهائيا، وعلى الدولة البحث عن مخارج لا تبدو انها واضحة حتى الآن. علما ان عودة انتظام مصلحة تسجيل السيارات تضخ اموالا طائلة، ومنها على سبيل المثال 45 مليار ليرة يوميا في الدكوانة فقط!
اعادة اموال المودعين
من جهة اخرى، اعتبر منصوري أنّ التأخير في إقرار القوانين الإصلاحية يعرّض لبنان لمخاطر عزله عن النظام المالي الدولي. وأكد أنّ إعادة الأموال للمودعين ليست مستحيلة. يُشار إلى أنّ منصوري يزور حالياً الرياض على رأس وفد يضمّ سفير لبنان لدى المملكة فوزي كبارة والمدير العام للاقتصاد والتجارة محمد أبو حيدر، تلبية لدعوة رسمية لحضور فعاليات المؤتمر المصرفي العربي، حيث حظي المصرف المركزي على دعم من الشخصيات الرفيعة التي شاركت في هذا المؤتمر، في ظل ادارته الجديدة، كما تم التأكيد على دعم المصارف اللبنانية. ووفقا للمعلومات، اتسمت لقاءات منصوري في المملكة بالايجابية.
كنعان: لا توقيع على بياض
في غضون ذلك، وبينما لا معطيات مؤكدة حيال انعقاد مجلس الوزراء هذا الاسبوع، للبدء بدرس مشروع موازنة 2024، التأمت جلسة “لجنة المال والموازنة” برئاسة النائب ابراهيم كنعان ، وحضور وزير المال في حكومة تصريف الاعمال يوسف الخليل، لمتابعة المستجدات حول اقتراح قانون إطار لإعادة التوازن للانتظام المالي في لبنان، واقتراح القانون الرامي إلى معالجة أوضاع المصارف في لبنان. وقال كنعان بعد الاجتماع: لن نوقع شيكاً على بياض للحكومة ولن نحمل ضميرنا بالموافقة على قانون اطار غير مضمون بمعالجة الفجوة المالية وردّ الودائع للناس.