كتبت صحيفة “الديار”: طغت الأجواء الرمادية على كلّ الأحداث التي يترقّب اللبنانيون رؤية الفرج في إحداها، علّها تؤدّي الى انفراج في الأزمات التي يعاني منها الواحدة تلو الأخرى. وتركّزت الأنظار أمس على حدثين سياسيين وثالث أمني:
– الأول: الزيارة الثالثة للموفد الشخصي للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الوزير السابق جان إيف لودريان الى لبنان، لاستنباط حلّ ما يؤدي الى كسر الجمود الحاصل في انتخاب رئيس الجمهورية منذ تشرين الثاني الماضي، لا تأمل مصادر سياسية مطّلعة عبر «الديار» أن يتمّ التوصّل اليه خلال اليومين اللذين سيمضيهما في بيروت، في لقاءات ثنائية وزيارات وغداء مع عدد من نوّاب «التغيير». فضلاً عن نيّة قطر الدخول على خط الوساطة لتخلف لودريان الذي ينتقل الى تولّي مهامه الجديدة في العُلا في السعودية بدءاً من تشرين الأول المقبل، رغم انه كان يسعى الى إنجاح مبادرته، والتوصُّل الى انتخاب الرئيس خلال أيلول الجاري.
– الثاني: الحٓراك السياسي في السراي في جلستي ما قبل الظهر وبعده، والتناقض الواضح لدى عدد من الوزراء في اختيار نوع الجلسة. فلم يكتمل النصاب للجلسة التي كان يُفترض أن تُعقد لبحث ملف النزوح السوري، لا سيما موجة النزوح السوري الجديد المخيفة، والتي استُعيض عنها بلقاء تشاوري في مكتب ميقاتي حضره قائد الجيش والمدير العام للأمن العام بالإنابة اللواء البيسري. ويذكر هنا، انه سُجّل خلالها دخول 20 ألف نازح سوري جديد الى لبنان خلال الأشهر الماضية عبر المعابر غير الشرعية الحدودية، والتي تحتاج فوراً الى قرار سياسي الى جانب العمل الأمني على الأرض.
– الثالث: استمرار الاشتباكات المسلّحة منذ الخميس الماضي في مخيم عين الحلوة بين حركة «فتح» و«الإسلاميين»، وتحوّل مدينة صيدا الى مدينة اشباح التي طالتها القذائف والرصاصات. غير أنّ اجتماع اللواء البيسري مع الفصائل الفلسطينية والإسلامية وعددها 23 ، تمكّن في نهاية الأمر الى اتخاذ القرار بوقف إطلاق النار في المخيم، ما جعل الهدوء يُخيّم عليه بعد هذا الإعلان.
جديد لودريان؟
بداية، مع عودة لودريان الى بيروت وماذا يحمل في جعبته من جديد على صعيد مبادرته التي سيناقشها مع المسؤولين اللبنانيين اليوم وغداً، فقد أكّدت مصادر سياسية عليمة لجريدة «الديار» أنّها لا تتوقّع الكثير من هذه الزيارة، ولا أي طروحات جديدة نظراً لما سبقها وما سيليها. فاللقاء بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وولي العهد السعودي محمد بن سلمان، الذي كان من المرتقب أن يعقد في نيودلهي على هامش قمّة العشرين، لم يحصل لأسباب عدّة أعطيت لتبرير عدم انعقاده، مثل إلغاء بن سلمان جميع مواعيده لما بعد القمّة. علماً بأن الملف الرئاسي اللبناني لم يكن على أولويات هذا اللقاء، بل مواضيع اخرى تتعلّق بالطاقة والبيئة وغير ذلك.. فضلاً عن عدم اجتماع ممثلي اللجنة الخماسية في نيويورك، وإن أستعيض عنه بلقاءات باريسية اجراها لودريان صباح أمس، مع مستشار الديوان الملكي نزار العلولا والسفير السعودي لدى لبنان وليد البخاري قبل توجّهه الى بيروت.
أمّا ما يلي مبادرة لودريان فهي مبادرة رئيس المجلس نبيه برّي، التي لاقت حركة الموفد الفرنسي في منتصف الطريق، وشكّلت جسراً لمهمته في بيروت التي قد تكون الأخيرة. فيما أشارت المصادر نفسها الى إمكانية استمرارها.
وكان برّي قد نفى أمس تجميد مبادرته، وقال «على العكس هي قائمة ومستمرّة وتتكامل مع المبادرة الفرنسية، والمبادرات تكملان بعضهما وجوهرهما واحد وهو الحوار والتوافق لانتخاب رئيس الجمهورية». وأضاف: «أنتظر زيارة لودريان، وأتوقّع أن يتمّ دمج مبادرتي مع مبادرته للوصول الى النتيجة الإيجابية المتوخاة عبر الحوار والتوافق».
وقبل ساعات من وصول لودريان، استقبل رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل القائم بالاعمال الفرنسي الجديد في لبنان هيرفيه ماغرو ، حيث اطلع من باسيل على المقاربة الكاملة لـ «التيار الوطني الحر» لملف الانتخابات الرئاسية. وذكرت مصادر سياسية مطّلعة على اللقاء لجريدة «الديار» أنّ الاجتماع كان جيّداً عبّر خلاله باسيل عن انفتاحه على أي حوار إيجابي يؤدّي الى انتخاب رئيس للجمهورية. كما تحدّث عن حواره الثنائي مع حزب الله، الذي قد يوصل الى تحقيق إنجاز وطني، في حال وافق الحزب على مطالب باسيل المتعلّقة باللامركزية الإدارية والصندوق الإئتماني وبرنامج الرئيس، مقابل تصويت التيّار لمرشح الثنائي الشيعي سليمان فرنجية في جلسة انتخاب الرئيس.
جلسة النزوح «طارت»!!!
وفيما يتعلّق بالجلسة المخصّصة لبحث المستجدات في ملف النزوح السوري، لا سيما التسلُّل غير الشرعي للنازحين، والتي كان يُفترض أن تُعقد الحادية عشرة من قبل ظهر أمس في السراي الحكومي، فقد أفادت المعلومات أنّها لم تُعقد بسبب تطيير النصاب. فقد حضرها 15 وزيراً بمن فيهم رئيسها ميقاتي، وتغيّب عنها وزراء البيئة ناصر ياسين، السياحة وليد نصّار، الزراعة عباس الحاج حسن، الذين اعتذروا رسمياً عن الحضور بداعي السفر.
وبعد معرفة نصّار بعدم اكتمال نصاب الجلسة أسف في حديث تلفزيوني لذلك، مشيراً الى أنّ «الموجة الثانية للنزوح السوري التي تشهدها الحدود تُشكل خطراً وجودياً على لبنان يضاهي خطة التعافي الاقتصادي». وقال: «لو كنتُ أعلم أنّ النصاب لن يكتمل، لكنت ارجأت سفري الذي كنت قد ابلغت الامانة العامة لمجلس الوزراء به قبل تعيين موعد الجلسة». أمّا وزير الشؤون الاجتماعية هيكتور حَجَّار فكان أكّد حضوره (وهو لا يحضر عادة جلسات مجلس الوزراء)، ليعود فيعدل عن ذلك.
كذلك، فإنّ وزير الصحة فراس الأبيض الذي حضر صباح أمس اجتماع اللجنة التي تتابع دعم أدوية السرطان، غادر السراي الحكومي قبل بدء الجلسة الخاصة بالنزوح، ليعود بعد ذلك ويحضر اللقاء التشاوري، لكي لا يُسجّل عليه أنّه تخلّف عنه. كما لم يحضر وزير الإقتصاد أمين سلام هذه الجلسة وغاب كليّاً عن السمع، بعد أن جرت محاولات عديدة للاتصال به من السراي، ليتبيّن بعد ذلك أنّه كان عائداً لتوّه من واشنطن واستغرق في نومه العميق، في حين كانت الجلسة تحتاج الى وزير واحد لتأمين النصاب المطلوب.
واستغربت المصادر السياسية المطّلعة كيف يُمكن لعدد من الوزراء التغيّب عن جلسة ملحّة من هذا النوع تتعلّق بخطر كياني وجودي مع النزوح غير الشرعي المخيف، الذي يحصل منذ أشهر، بدلاً من أن يحضرها جميع النوّاب لإيجاد حلّ جذري لهذه الكارثة.
واستعيض عن الجلسة بلقاء تشاوري عُقد في مكتب ميقاتي ضمّه والوزراء الحاضرين الى جانب قادة الأجهزة الأمنية. ورشح عن هذا اللقاء، وفق المصادر نفسها، أنّ قائد الجيش العماد جوزاف عون عرض ملفاً شاملاً حمله معه يتعلّق بمكافحة النزوح السوري الجديد، ذكر خلاله أنّ ثمّة 160 معبراً حدودياً غير شرعي، وأنّه يحتاج الى 40 ألف عنصر لضبطها، في حين لا يملك سوى 8 آلاف عنصر فقط.
جلسة الموازنة عقدت
ثم عقد مجلس الوزراء جلسة بعد الظهر بعد اكتمال النصاب بحضور «الوزير الملك» أمين سلام، الذي اعتذر بعد تأخّره نحو ساعة ونصف عن موعد الجلسة، معلّلاً ذلك أنّه حضر مباشرة من المطار الى السراي. على أن تعقد جلسة أخرى لاستكمال مناقشة الموازنة قبل ظهر اليوم.
ولم يغب ملف النزوح السوري عن الجلسة. وبعدها أعلن المكاري، جملة من القرارات التي على الدولة اتخاذها فيما خصّ ملف النزوح السوري تتعلّق بالأجهزة الأمنية والعسكرية والوزارات المعنية، لا سيما الداخلية والعمل والإقتصاد والتجارة والعدل والخارجية والإعلام، لوقف موجة النزوح الأولى والثانية، والحدّ من استمرار تدفّق النازحين الى لبنان عبر المعابر غير الشرعية .
كما قرر مجلس الوزراء ارسال وزير الخارجية عبدالله بو حبيب على رأس وفد تقني عسكري الى سوريا للتنسيق مع السلطات السورية حول ملف النزوح السوري، بعد ان «اشترط» بو حبيب على ميقاتي عدم وجود اي وزير في الوفد الذي سيترأسه، في الوقت الذي كان تقرر في الجلسة الصباحية ارسال وزير المهجرين عصام شرف الدين الى سوريا على رأس وفد يضم 7 وزراء.
إشتداد الإشتباكات في عين الحلوة
وعلى محور مخيم عين الحلوة، فقد استمرّت الإشتباكات المسلّحة فيه بين «فتح» والمجموعات «الاسلامية» لليوم الخامس على التوالي. وأدّت الى مقتل شخص وجرح عدد من الأشخاص، ما رفع عدد القتلى الى سبعة والجرحى الى أكثر من مئة منذ اندلاعها، إذ اشتدّت وتيرتها فجر أمس بعد هدوء نسبي طوال الليل كانت تخرقه رشقات الرصاص والقاء القنابل بين الحين والآخر لتعود وتشتد صباحاً، لا سيما على محوري حطين جبل الحليب ورأس الاحمر – الطيري وعلى طول الشارع الفوقاني. واستخدمت فيها الاسلحة الرشاشة والقذائف الصاروخية، فيما طاول رصاص القنص الاحياء والمناطق المجاورة في مدينة صيدا، ما جعل التنقّل أمراً خطيراً، كما وجرى إغلاق مدخل صيدا الجنوبي من منطقة الحسبة، وتحويل السير إلى الطريق البحرية بعدما طاوله رصاص القنص.
وأتى هذا التصعيد في ظل اقفال الدوائر والادرات الرسمية ومصلحة المياه والمدارس والجامعات في المدينة، التي تشهد شللاً تامّاً بسبب التطورات الأمنية داخل المخيم.
هذا، وعقد المدير العام للأمن العام بالإنابة اللواء الياس البيسري إجتماعاً طارئاً في مقرّ المديرية، مع الفصائل الفلسطينية والاسلامية، لبحث الوضع الأمني في المخيم قبل أن يمتدّ ويتوسّع الى خارجه، جرى خلاله التوصّل الى وقف إطلاق النار، ومتابعة تسليم المطلوبين بإغتيال اللواء العرموشي ورفاقه، وكذلك عبد الرحمن فرهود للسلطات اللبنانية، وفق آلية تم التوافق عليها». وساد الهدوء في المخيم بعد اتخاذ هذا القرار.
وكان أسف حزب الله لـ «الاقتتال الدائر منذ أيام في مخيم عين الحلوة»، وقال: «نحن نؤكد، بشكل صريح، لا مجاملة فيه لأحد، أننا ضدّ هذا الاقتتال ونرفضه بالمطلق، ونعتبر أنّ المستفيد الوحيد منه هو العدو الصهيوني، والمتضرر الأكبر منه هو الشعب الفلسطيني وقضيته المركزية». ودعا الى «وقف إطلاق النار بشكل فوري والالتزام بكلّ مندرجات وآليات الحلّ التي يتم التوافق عليها، في إطار العمل الوطني الفلسطيني، بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية اللبنانية والقوى الفاعلة والمؤثرة».
وصدر عن المكتب الإعلامي لحركة «حماس» في لبنان، توضيح رفض فيه «الفيديو» الصادر عن احد الاعلاميين، ويتهم فيه حركة حماس والإخوة في حركة الجهاد الإسلامي وحزب الله بدعم الجماعات المسلحة في مخيم عين الحلوة، ضمن معركة «السيطرة على القرار الفلسطيني» في المخيمات الفلسطينية في لبنان».، مشيراً الى أنّها «إدعاءات باطلة ومزيّفة، ومحاولات قديمة جديدة ضمن المحاولات اليائسة لتشويه صورة حركة حماس والمقاومة الفلسطينية».
جلسات نيابية
ومن المتوقّع أن يشهد المجلس النيابي اليوم الثلاثاء وغداً الأربعاء حركة نيابية من خلال انعقاد 4 جلسات للجان لمناقشة عدد من اقتراح القوانين.
لتحقيق دولي
وفي خبر قضائي لافت، دعا مفوّض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك أمس إلى تحقيق دولي في انفجار مرفأ بيروت في 4 آب 2020، مندّداً بغياب المساءلة في هذه القضية.
وقال تورك متحدّثاً أمام مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان: «بعد ثلاثة أعوام من انفجار مرفأ بيروت لم تحصل أي مساءلة»، مضيفًا: «لذلك، قد يكون حان وقت تشكيل بعثة دولية لتقصّي الحقائق للنظر في الانتهاكات لحقوق الإنسان المرتبطة بهذه المأساة».