كتبت صحيفة “الجمهورية”:
إنضبط المشهد الداخلي على ما انتهى اليه اجتماع وزراء خارجية دول اللجنة الخماسية الذي عقد على هامش اعمال الجمعية العمومية للامم المتحدة في نيويورك، ولم يكن بحجم الآمال التي علّقت عليه، وازدحمت القراءات والتحليلات في محاولة لتلمّس ما دار فيه، والاسباب التي اوجبت انهاءه من دون صدور بيان يعكس على الاقل، الموقف التقليدي للجنة لناحية حَث اللبنانيين على التعجيل بانتخاب رئيس للجمهورية، او يحدد ماهية الحلّ الذي تراه مناسباً لإنهاء ازمة الفراغ الرئاسي، أو يحدد ايضا بصراحة ووضوح ما اذا كانت مهمة جان ايف لودريان ما زالت تحظى بتغطيتها ودعمها.
الحل الرئاسي مؤجّل
انفضاض اجتماع اللجنة على هذا النحو، قرأت فيه مصادر سياسية مسؤولة إشارة سلبيّة تتقاطع مع الرأي القائل انّ «الخماسية» مطوّقة من داخلها بخلافات وتناقضات بين اعضائها، وبعدم اجماعها على رأي واحد ونظرة واحدة للحل في لبنان. وهو واقع، على ما تقول المصادر عينها لـ»الجمهورية» تستنتج منه خلاصة لا لبس فيها بأنّ الحل الخارجي لم يتبلور بعد، وبمعنى اوضح الحلّ الرئاسي في لبنان مؤجّل الى أجل غير مسمّى.
ووفقاً لمتابعين لاعمال «الخماسية»، فإن هذه اللجنة، وبمعزل عما يتردد بأنها طَوت عمليا ونهائيا المبادرة الفرنسية، وكذلك ما سمّي «الخيار الثالث» الذي سعى لودريان الى تسويقه في زيارته الثالثة، وقفزت فوق بيان اجتماع ممثليها في الدوحة في تموز الماضي ونبرته العالية، قد اعادت الكرة الى الملعب اللبناني، بدفعٍ اميركي واضح عبّرت عنه مساعدة وزير الخارجية الاميركية باربارا ليف، وكذلك نائبة وزير الخارجية الاميركية للشؤون السياسية فيكتوريا نولاند التي أكدت لرئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي انّ واشنطن تدعم ايّ حوار بين اللبنانيين.
دلع داخلي ومطبّات
على انّ رمي الكرة من جديد الى الملعب اللبناني لدفع اللاعبين المحليين الى التشارك في بلورة حل رئاسي عبر حوار لبناني لبناني، دونه في الداخل ما يصفه مرجع مسؤول عبر «الجمهورية» بدلع سياسي ومطبّات ونكايات ورؤى متصادمة وموانع شخصيّة تحكم مقاربة بعض الأطراف للملف الرئاسي، وتجعل من بلوغ حلّ رئاسي امراً من سابع المستحيلات. ما يطرح اكثر من علامة استفهام حول مغزى وجدوى رمي الكرة في حقل فشلت فيه محاولات متعددة توالت على مدى احد عشر شهرا، لعقد حوار رئاسي، الا اذا كان التشجيع على الحوار اللبناني – اللبناني الذي عبر عنه الاميركيون سيتقترن بدفع مباشر من قبلهم لاطراف الداخل، او بالاحرى لمن يُصنّفون بأنهم أصدقاء واشنطن في لبنان، للمشاركة في الحوار. وهو امر سيتوضّح حتما خلال الايام القليلة المقبلة».
هروب من الحوار
في هذه الاجواء، تحولت الانظار تلقائياً من اجتماع نيويورك الذي لم يخطُ ولو خطوة واحدة الى الامام، الى المبادرة التي اطلقها رئيس مجلس النواب نبيه بري لحوار السبعة ايام، والتي تشكل الارضية التي يمكن ان يبنى عليها حل رئاسي. على انّ ما يلفت الانتباه في هذا السياق، هو محاولة استهداف هذه المبادرة بطروحات مناقضة لها، واشتراطات تعطيلية تتوخى «حواراً بلا رأس، حزبي لا نيابي»، على نحو ما ذهب اليه التيار الوطني الحر بدعوته المتجددة الى حوار محصور بموضوع الإنتخابات الرئاسية وبرنامج العهد ومواصفات الرئيس وبفترة زمنية ومكان محددين، وان يكون غير تقليدي ومن دون رئيس ومرؤوس بل بإدارة محايدة ويأخذ شكل مشاورات وتباحث ثنائي وثلاثي ومتعدّد الأطراف، بين رؤساء الأحزاب اصحاب القرار، للوصول الى انتخاب رئيس إصلاحي على اساس البرنامج الاصلاحي المتّفق عليه، على ان يَلي ختام الحوار عقد جلسة انتخابية مفتوحة بمحضر واحد يتم فيها امّا انتخاب الشخص المتّفق عليه او التنافس ديموقراطياً بين المرشحين المطروحين».
واذا كانت «القوات اللبنانية» وبعض حلفائها في المقلب السيادي قد عبّرت عن رفضها الواضح للحوار، فإن موقف التيار، وعلى ما تقول مصادر سياسية مؤيدة لمبادرة بري لـ«الجمهورية»، يشكّل التحاقا واضحا بضفة الرافضين، وتغطية للهروب من حوار السبعة ايام بالتشاطر الذي لا يستهدف فقط نسف مبادرة رئيس المجلس بقدر ما يستهدف نسف الحوار من اساسه عبر تكبير الحجر واقتراح حوار حزبي بين رؤساء الأحزاب، ومعلوم انّ تكبير الحجر لا يصيب.
أرضية الحوار جاهزة
اما في موازاة هذه الاجواء غير المشجعة، فإنّ الصورة المقابلة لها تعكس تركيزا على المسار الذي حدده رئيس المجلس، والمعلومات الموثوقة لـ«الجمهورية» تؤكد ان أرضية الحوار قائمة في مبادرة بري، الذي يقترب من تحديد موعد لعقد حوار السبعة ايام. فهو في الاساس لم يعلن مبادرته ليعود ويدفنها كما يرغب المعارضون. وبالتالي، هو ينتظر لاتخاذ القرار النهائي، عودة لودريان في زيارة رابعة الى بيروت قبل نهاية الشهر الجاري، مع الاشارة في هذا المجال الى ان اجتماع اللجنة الخماسية بالصورة التي انتهى اليها أثار في بعض الاوساط المواكبة لمهمته، شكوكاً حول إمكان عودته من جديد.
آلية الحوار وبرنامجه
أمّا آلية الحوار وجدول اعماله، فقد حددهما بري كما يلي:
اولا – الحوار سيجري في مجلس النواب. وعلى طاولة الحوار ذاتها التي شهدت حوارات سابقة، في الطابق الثالث من مبنى البرلمان. وهذه الطاولة باتت جاهزة لأن يجلس المتحاورون حولها.
ثانيا – رئيس مجلس النواب نبيه بري سيترأس شخصيا الحوار، ويديره.
ثالثا – المشاركون في الحوار هم رؤساء الكتل النيابية او من يمثل هذه الكتل او من تنتدبه التوجهات النيابية الاخرى ونوّاب الحراك.
رابعا – جدول اعمال الحوار محدد ببند وحيد: رئيس الجمهورية فقط لا غير ونقطة على السّطر، على ما يقول الرئيس بري. واما باقي الامور المرتبطة ببرنامج العهد الجديد واولويات الولاية الرئاسية الجديدة، فهذا أمر من اختصاص الحكومة وليس مجلس النواب.
خامسا – في امكان المتحاورين ان يجروا حوارات ونقاشات ثنائية جانبية فيما بينهم خلال انعقاد طاولة الحوار.
سادسا – الحوار محدد بسبعة ايام، اذ ليس بالضرورة ان تكون سبعة ايام متتالية، بل ربما تكون متقطعة، بمعنى انّ في امكان المتحاورين ان يتحاوروا مثلاً لثلاثة ايام، ثم يتوقفون يوماً او يومين للتشاور فيما بينهم، وايام التشاور هذه لا تحتسب من الايام السبعة. وبمعنى اوضح يمكن ان نجري حوارا لسبعة ايام خلال اسبوع او عشرة ايام او اسبوعين او اكثر، حتى نتوصل الى نتيجة.
سابعا – اذا أمكن للمتحاورين ان يتوافقوا في اليوم الاول للحوار، يُسارع رئيس المجلس الى توجيه الدعوة فورا الى جلسة انتخاب لرئيس الجمهورية، مع التزام كلّ الاطراف بتوفير نصاب انعقاد جلسة الانتخاب، ونصاب انتخاب رئيس الجمهورية، وبالتالي عدم مغادرة القاعة العامة لمجلس النواب بما يؤدي الى فرط النصاب على غرار ما كان يحصل في جلسات الانتخاب الفاشلة.
ثامنا – تُفتتح جلسة الانتخاب حين تَوَفّر نصاب الثلثين من اعضاء مجلس النواب، وتدور دورة الانتخاب الاولى وفق احكام المادة 49 من الدستور، فإن نال احد المرشحين اكثرية الثلثين، ينتهي الامر وتنتهي الازمة ويصبح لدينا رئيس للجمهورية ونحتفل بانتخابه.
تاسعا – إن تعذّر انتخاب الرئيس في دورة الانتخاب الاولى، يُصار فورا الى اجراء دورة ثانية وبعدها ثالثة ورابعة، حتى ينال احد المرشحين اكثرية الفور.
مستقبلكم ليس واعداً
الى ذلك، أبلغَ مصدر ديبلوماسي غربي الى «الجمهورية» قوله انه لم يفاجأ في ما انتهى اليه اجتماع اللجنة الخماسية، وعبّر في الوقت ذاته عن تشاؤم في امكان بلوغ حل لأزمة لبنان، وقال ما حرفيته: «نحن نراقب مسار الاتصالات والجهود التي تجري تحت عنوان إيجاد حل لأزمة الرئاسة في لبنان، ولكنّنا من مسار الامور كما نراها في داخل لبنان وخارجه، نخشى ان نقول انّ مستقبل لبنان ليس واعدا، واحتمالات ان يشهد الوضع فيه تدحرجاً نحو مصاعب اكبر، قائمة اكثر من اي وقت مضى. ونحن نصارحكم في هذا المجال بأنّ بلدكم ليس مُدرجاً في أجندة التسويات في المنطقة، وان كان بعضها يجري فيها، وقد لا يُدرج في المدى المنظور، ولذلك امامكم فرصة حوار لإنقاذ بلدكم، ونحن نعتقد ان مبادرة رئيس مجلس النواب تحقق هذا الهدف».
النازحون
الى ذلك، وفي موازاة موقف التيار الوطني الحر شبه الاعتراضي على مبادرة بري، برز موقف اللقاء الديموقراطي الذي اكد بعد اجتماعه برئاسة رئيسه النائب تيمور جنبلاط «ضرورة الحوار الجاد لإنجاز انتخاب رئيس جديد للجمهورية لا يشكل تحدياً لأحد، ووَقف الهدر الحاصل للوقت والفرص، خصوصاً أن لا بديل للحوار سوى إطالة أمد الشغور، فيما البلاد لا تحتمل المزيد». وكذلك برزَ موقف «حزب الله» الذي عبّر عنه الشيخ نبيل قاووق حيث قال: مبادرة الرئيس بري شكّلت فرصة حقيقية لإنقاذ البلد وإنقاذ الإستحقاق الرئاسي وهم يتفاخرون بالعمل على إفشالها»، معتبراً أنّ «إفشال المبادرات الخارجية والداخلية ليس إنجازاً يا «جماعة التحدي والمواجهة» إنما إدانة وخطيئة وطنية».
على انّ اللافت في موقف التيار الذي عبّر عنه في بيان هيئته السياسية التي اجتمعت برئاسة النائب جبران باسيل، أمس، تناوله ملف النازحين واتهام الحكومة بالتخاذل، والاجهزة العسكرية والأمنية بالتقاعس في كثير من الأحيان عن ضبط الحدود على المعابر المعروفة والتي لا يجري ضبطها عمدًا»، معتبرة «أن التذرّع بالحاجة الى مزيد من الجنود لضبط المعابر هو حجة ساقطة وسيترتّب عليها نتائج خطيرة خصوصاً أنه يُستَشَف منها توجيه رسائل لأهداف سياسية».
جولة جوية
ما ذهبَ اليه التيار يتناقض مع ما كشفته الجولة الجوية التي قام بها اعضاء من لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب في اجواء الحدود. والتي بيّنت، كما تقول مصادر نيابية لـ«الجمهورية» حدوداً مفتوحة، ونقصا حادا في عوامل ضبطها.
ولفتت المصادر الى ان قوى الجيش المنتشرة في المنطقة تعمل بأقصى طاقتها وتقوم بأقصى ما يمكن لها ان تقوم بها برغم النقص المريع في احتياجاتها، حيث ان الحدود واسعة بطول نحو 110 كيلومترات تحتاج لضبطها ما لا يقل عن 12 الف جندي، وفق تقديرات الجيش، فيما العديد الحالي للجيش لا يزيد عن 1200 عنصر.
وتلفت المصادر الى ان ما تبيّن في هذه الجولة النيابية الاستكشافية، يعكس اولا ان منافذ التهريب والتسلل من هذه المساحة الحدودية الواسعة لا تحصى. وثانيا، ان تهريب السوريين تديره مافيات او مجموعات مُسترزقة من النازحين، والخطير في الامر ان العنصر الشاب هو الطاغي على المتسللين وآخرهم قبل ايام قليلة حيث تم توقيف ما يزيد عن 200 متسلل سوري تترواح اعمارهم بين 18 و27 سنة.
على ان ما يثير الاشمئزاز في هذا المجال هو انّ المهربين يحظون بحمايات سياسية، وتأكد ذلك من خلال المداخلات التي تكثر في اللحظة التي يتم توقيف اي من هؤلاء المهربين، حيث تتوالى الاتصالات والمراجعات من قبل نواب وغير نواب، تتوسط الاجهزة الامنية لإطلاق سراحهم.
وعلمت «الجمهورية» ان لجنة الشؤون الخارجية النيابية ستعقد اجتماعا قريبا سيدعى اليه وزير العدل والجيش، والامن العام وقوى الامن الداخلي وامن الدولة، للبحث في كيفية معالحجة الاشكالات التي تعترض ضبط الحدود.
وقال رئيس اللجنة النائب فادي علامة لـ«الجمهورية»: ما شهدناه أمر لا يمكن السكوت عليه، حيث لا بد من معالجة سريعة له. وهذا يوجِب اولاً تقديم الدعم اللازم للجيش، وساء من الداخل اللبناني او من قبل المجتمع الدولي، والّا فإن الحدود ستكون فالتة أكثر وأكثر، ومن الصعب ضبطها، اذا ما بقي الحال على ما هو عليه. وهذا لا يؤثر فقط على لبنان، بل انّ من شأن استمرار هذا الامر أن يجعل لبنان محطة لهجرة غير شرعية من دون ضوابط من لبنان الى سائر الدول.