كتبت صحيفة “البناء”: حطّ الرئيس الأميركي جو بايدن في تل أبيب مرتبكاً بعد فشل رهانه على إمكانية الضغط على الثلاثي العربي السعودي المصري الأردني لتمرير مشروع تهجير الفلسطينيين من غزة أولاً ثم الضفة الغربية، الى كل من مصر والأردن، وكان مجلس وزراء خارجية الدول الإسلامية قد أكد رفض التهجير، ودعا المجتمع الدولي الى تحمل مسؤولياته بوقف النار وفك الحصار، وأدان مواقف الدول التي توفر الدعم والحماية لكيان الاحتلال. وحاول بايدن أن يظهر عزم حكومته على دعم جيش الاحتلال في عملية برية في غزة، مضيفاً إليها اتفاقاً مع رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو على تأمين دخول المساعدات الإنسانية إلى غزة المحاصرة، بعدما سقطت الرواية الإسرائيلية عن استهداف المستشفى المعمداني، رغم دعم بايدن وتبنيه لهذه الرواية.
أطلق بايدن صافرة الحرب وعاد إلى واشنطن، حيث تظاهر اليهود المؤيدون للسلام واقتحموا أحد مباني الكونغرس، منددين بموقف بايدن، محاولاً التركيز في تصريحاته على المساعدات الانسانية بعدما بدا أن الشارع الغربي عموماً سحب الغطاء عن الدعم الأميركي لكيان الاحتلال، وتحولت جرائم جيش الاحتلال إلى سبب لنزول التظاهرات في عشرات العواصم والمدن تنديداً بالعدوان الهمجي الذي يقتل الأطفال بتغطية أميركية.
في لبنان تظاهرات حاشدة انطلقت تضامناً مع فلسطين، كان أهمها الحشد الذي دعا إليه حزب الله في الضاحية الجنوبيّة تحدّث خلاله رئيس المجلس التنفيذي لحزب الله السيد هاشم صفي الدين، وكان أبرز ما قاله صفي الدين، إن المقاومة في قلب معركة الدفاع عن غزة، وإن مشروع التهجير في غزة لن يمر، بما يشبه رسم الخطوط الحمراء، متوجهاَ للأميركيين قائلاً: أنتم تحذروننا لكن يجب أن تحذروا أنتم منا، فما لدينا أكثر مما لديكم وما عندنا أقوى مما عندكم.
ميدانياً سجلت العمليات على الحدود الجنوبية أعلى حصاد لها في مواقع الاحتلال المقابلة، وكان اليوم الأعلى في درجة التصعيد، بينما سجلت المقاومة العراقية اول دخول على الخط بإعلان استهدافها قاعدة عين الأسد، حيث القواعد الأميركية.
ولا تزال المجزرة الإسرائيلية في مستشفى المعمداني في غزة وتداعياته الحدث الأبرز الذي يطغى على المشهد الداخلي، بالتوازي مع اشتداد حدّة المواجهة والمعارك العسكرية والإلكترونية والاستخبارية بين فصائل المقاومة اللبنانية والفلسطينية وبين قوات الاحتلال الإسرائيلي على طول الجبهة الجنوبية مع فلسطين المحتلة، ما أدّى الى خسائر فادحة بشرية ومادية في صفوف الاحتلال، وقد اعترف إعلام العدو عبر قناة «كان» بأن «هذا اليوم (أمس) كان أقوى الأيام قتالاً على الحدود الشمالية مع لبنان».
وأشارت مصادر ميدانية لـ»البناء» الى أن حزب الله كثّف عملياته العسكرية النوعية ضد مختلف مواقع الاحتلال غداة ارتكاب العدو المجزرة بحق المدنيين في المعمداني، وشدّدت على أن مستوى العمليات سيتوسّع كل يوم الى ما هو أبعد من الحدود، وقد يتفاجأ العدو بأنواع أخرى من العمليات التي ستؤلمه. وكشفت المصادر أن العدو تكبّد خسائر كبيرة لكنه يمارس التعتيم الإعلامي، كما أنه يتهيب الحرب مع المقاومة في لبنان من خلال التخفيف من تحركاته الحدودية واختباء جنوده وضباطه في الآليات العسكرية.
وأعلنت هيئة البث الإسرائيلي أن جيش الاحتلال بدأ في إنشاء مستشفى ميداني في الجليل ضمن الاستعدادات لاحتمال اندلاع مواجهة مع حزب الله.
وأشار خبراء في الشؤون العسكرية والاستراتيجية لـ»البناء» الى أن احتمالات توسّع الحرب تتزايد بظل ما يجري من مجازر وحرب إبادة في غزة، مرجحة أن يبادر محور المقاومة الى تسديد ضربات موجعة ضد أهداف إسرائيلية لا سيما الموانئ والمطارات وحقول النفط والغاز وقواعد عسكرية حساسة، وأخرى تستهدف القواعد الأميركية في المنطقة لا سيما في سورية والعراق. ويشير الخبراء الى أن الحشد الدولي الأميركي – الغربي بتواطؤ بعض الأنظمة العربية يشكل مظلة دعم لكيان الاحتلال ويمنحه مزيداً من الوقت لاستمرار الحرب وقتل المدنيين لتنفيذ مشروعه القديم – الجديد أي تفريغ غزة من المدنيين وتهجيرهم الى سيناء، إضافة الى أن حاملات الطائرات والبوارج الحربية الأميركية تشكل عامل اطمئنان لكيان الاحتلال كقوة ردع ضد محور المقاومة، لكن محور المقاومة في المقابل أيضاً يملك أوراق قوة كثيرة على امتداد المنطقة سيُخرجها في الوقت المناسب يمكنها من إيلام «إسرائيل» والولايات المتحدة وأوروبا وتهديد مصالحهم الحيوية في المنطقة وأمن كيان الاحتلال بحال توسّعت الحرب الى حرب شاملة».
وردت المقاومة الإسلامية على الاعتداءات الصهيونية المتكررة على المدنيين اللبنانيين بسلسلة عمليات هاجمت خلالها مواقع وأهدافًا لجيش الاحتلال الصهيوني على امتداد الحدود مع فلسطين المحتلة، موقعة قتلى وجرحى في جنود العدو، ومحققة إصابات مباشرة في المواقع المستهدفة.
وأعلنت المقاومة الإسلامية في بيانات متلاحقة مهاجمة موقع رويسات العلم في تلال كفرشوبا ومزارع شبعا اللبنانية المحتلة (أقصى القطاع الشرقي)، بالقذائف الصاروخية والأسلحة المتنوعة من بينها سلاح 57 ملم، مما أدّى إلى تحقيق إصابات مباشرة في الموقع.
كما هاجمت مواقع: جل العلام، وثكنة زرعيت، وموقع البحري، الواقع مقابل رأس الناقورة (أقصى القطاع الغربي) بالصواريخ الموجّهة والأسلحة المناسبة، واستهدفت مركزاً لتجمع جنود الاحتلال ومنظومة مراقبة واستطلاع في تلة الطحيات الواقعة جنوب مستوطنة المنارة (القطاع الأوسط) بالصواريخ الموجّهة وأوقعت فيها عددًا من الإصابات بين قتيل وجريح.
وفي وقت لاحق عاود مجاهدو المقاومة الإسلامية مهاجمة موقع الطحيات، حيث قامت مجموعة الشهيدين علي حسن حدرج، وعلي رائف فتوني، باستهداف الموقع للمرة الثانية هذا اليوم بالأسلحة المناسبة، إضافة الى موقع المالكية الصهيوني (القطاع الأوسط) بمختلف أنواع الأسلحة الصاروخية والرشاشة، وأصابته بشكل مباشر، موقعة فيه عددًا من جنوده بين قتيل وجريح، إضافة إلى تدمير جزء كبير من تجهيزات الموقع الفنية.
كذلك استهدفت مجموعة أخرى موقع المطلة الصهيوني (القطاع الأوسط) بالأسلحة المناسبة.
وأعلنت وسائل إعلام العدو، استهداف المواقع الصهيونية المذكورة بالصواريخ والأسلحة الرشاشة الثقيلة، مؤكدة أن أكثر من 10 صواريخ مضادة للدروع، أصابت المواقع المستهدفة.
وفي وقت لاحق أعلنت وسائل إعلام العدو مصرع ثلاثة جنود وإصابة 4 آخرين بجروح في الهجوم الذي استهدف موقع تلة الطحيات، فيما لا تزال تتكتم على خسائر العدو في المواقع الأخرى.
ونشر الإعلام الحربي في حزب الله، مقطع فيديو يجمع مشاهد من استهداف الدبابات الإسرائيلية جنوبي لبنان، بصواريخ مضادة للدروع، تحت عنوان كُتب بالعربية والعبرية: «دباباتكم قبوركم».
وأعلن الإعلام الحربي في حزب الله مساء أمس استشهاد اثنين من مجاهديه في الاشتباكات مع الاحتلال الإسرائيلي، هما الشهيد طه عباس عباس (علي الرضا)، والشهيد علي محمد مرمر «مرتضى» من بلدة عيترون جنوب لبنان.
إلى ذلك، نظمت وقفات احتجاجية في عدد من المناطق اللبنانية في ظل حداد وطني وإقفال عام جراء الممارسات الإسرائيلية الوحشية واستنكاراً لمجزرة المستشفى الأهلي المعمداني، كان أبرزها التحرّك المركزي أمام مبنى الإسكوا في بيروت، والتجمع الذي دعا إليه حزب الله «تضامناً مع غزة واستنكاراً للمجازر الصهيونية الوحشية بحق الأطفال والعدوان الإرهابي على المستشفى المعمداني»، في باحة الشورى في حارة حريك، إضافة الى التحرك أمام السفارة الأميركية في عوكر الذي تحول ساحة اشتباك بين المتظاهرين والجيش اللبناني والقوى الأمنية.
وأكد رئيس المجلس التنفيذي في حزب الله السيد هاشم صفي الدين، في الوقفة التضامنية مع غزة التي دعا اليها الحزب، في باحة الشورى في حارة حريك، «ان الكيان الصهيوني قائم في الأساس على المجازر وقتل الأبرياء من دون رادع، فكيف إذا كان مدعومًا بالأميركي والغربي». وقال: «نقف هنا لنعلن استنكارنا وغضبنا الشديد لما ارتكبه الصهاينة من مجازر متتالية، وآخرها مجزرة مستشفى المعمداني»، مشيراً الى أن «السبب في إراقة دماء الشعوب هو الولايات المتحدة الأميركية ومعها الغرب». وأعلن ان «في كل دقيقة، كان العدو يرتكب مجازر إبادة بحق عائلات بأكملها في قطاع غزة، من دون أن يتحرّك الضمير العربي».
وقال صفي الدين: «القصف الذي استهدف أمس مستشفى يؤكد أنّ الاستهداف هو بقرار وتصميم مُسبق»، موضحاً «ان إدارة المستشفى والمسؤولين قاموا بكل جهد من أجل تأمين المستشفى الذي يُمنع بحسب كلّ القوانين أن يُستهدف». وقال: «وقاحة الصهاينة أمس ظهرت، بمحاولة التنصّل بشكل فاضح من المسؤولية وتحميل الفصائل الفلسطينية مسؤولية ما حصل».
واندلعت مواجهات في محيط السفارة الأميركية في عوكر بين المتظاهرين والقوى الأمنية على أثر التظاهرة التي نُظمت تضامناً مع الشعب الفلسطيني واستنكاراً لمجزرة المستشفى «المعمداني» في غزة. وحاول المحتجون اجتياز السياج الشائك ورموا الحجارة باتّجاه القوى الأمنيّة، التي ردّت بإطلاق القنابل المسيلة للدموع وخراطيم المياه لإبعاد المحتجين. وكان الجيش أقام سلسلة حواجز في الضبية قرب الـ»ABC» وعلى كافة المداخل المؤديّة إلى عوكر. وسجلت حالات اختناق كثيرة في صفوف المتظاهرين جراء إلقاء القوى الأمنية أعداداً كبيرة من القنابل المسيّلة للدموع في محيط السفارة.
وليس بعيداً، حثت السفارة الأميركية في بيروت عبر حسابها على تويتر موطنيها «على عدم السفر إلى لبنان». وقالت عبر حسابها على منصة «اكس»: نوصي المواطنين الأميركيين في لبنان باتخاذ الترتيبات المناسبة لمغادرة البلاد. تظل الخيارات التجارية متاحة حاليًا. نوصي مواطني الولايات المتحدة الذين يختارون عدم المغادرة بإعداد خطط طوارئ لحالات الطوارئ»، ما دعت السفارة «المواطنين الأميركيين في بيروت تجنّب منطقة عوكر اليوم (أمس) نظرًا لاحتمال وقوع المزيد من التظاهرات. ولا تزال أبواب السفارة مفتوحة للعمل. ونحن نعطي الأولوية لتقديم الخدمات القنصلية للمواطنين الأميركيين في لبنان».
بدورها، نصحت السفارة الفرنسية في لبنان «الذين يرغبون زيارة لبنان بالذهاب إلى هذا البلد إلا لأسباب ملحة».
ونصحت السفارة السعودية في بيروت مواطنيها في لبنان بالمغادرة بشكل فوري. ولفتت الى ان «سفارة المملكة العربية السعودية لدى جمهورية لبنان تتابع عن كثب تطورات الأحداث الجارية في منطقة جنوب لبنان، حيث تدعو كافة المواطنين التقيّد بقرار منع السفر ومغادرة الأراضي اللبنانية بشكل فوري لمن هو متواجد في لبنان حالياً».
ودعت سفارة مملكة البحرين لدى الجمهورية العربية السورية «جميع المواطنين البحرينيين الكرام بضرورة الالتزام بالبيانات الصادرة عن الوزارة مسبقًا حول عدم السفر نهائيًا إلى لبنان».
أعلنت وزارة الخارجية البريطانية أنها تنصح مواطنيها بعدم السفر إلى لبنان على الإطلاق بسبب المخاطر المرتبطة بالصراع الدائر بين «إسرائيل» والفلسطينيين.
كما شجعت المواطنين البريطانيين الموجودين في لبنان على مغادرة البلاد الآن «بينما لا تزال خيارات (الرحلات) التجارية متاحة».
وكان وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال عبدالله بو حبيب، أكد في كلمة له خلال الاجتماع الاستثنائي لمنظمة التعاون الإسلامي في جدّة، على ضرورة «توقف الاستفزازات الإسرائيلية على حدودنا الجنوبية كما يجب أن ينتهي العدوان على غزة».
وشدد بو حبيب، أن «على المجتمع الدولي اليوم مسؤولية كبرى، أن يوقف المعايير المزدوجة والدعم الأعمى للمحتل. إن الحصار المفروض على غزة، والذي يؤثر على أكثر من مليوني فلسطيني، يشكل جريمة صارخة ضد الإنسانية».
وأشار الى أن «لبنان، هذا البلد المحبّ للسلام، يوجه تحذيراً صارخاً اليوم: استمرار العدوان على غزة يمكن أن يشعل نيراناً قد تلتهم المنطقة بأكملها».