كتبت صحيفة “البناء”: فيما تستمر المذبحة المفتوحة في غزة ويرتفع عدد الشهداء وتنهار الأبنية السكنية ومؤسسات الخدمة الصحية والتربوية على رؤوس السكان، ومعظمهم من النازحين الذين فقدوا منازلهم أصلاً، يستمرّ جيش الاحتلال في رهانه على تحقيق إنجاز عسكري في حملته البرية، التي تراوح عند أطراف المناطق السكنية حيث يلقى صواريخ المقاومة وعبواتها، ثم يتراجع ويعود إلى القصف البري والبحري والجوي ليعاود الكرة مجدداً ليحصد الفشل مجدداً. وبينما يتباهى قادة جيش الاحتلال ووزير حربه بما يسمّونه فصل شمال غزة عن جنوبها بإنشاء لسان جغرافي بين شرق غزة وجنوبها عبر منطقة زراعية مفتوحة، يقول قادة عسكريون سابقون في جيش الاحتلال إن المقاومة لا تتأثر بهذا الفصل والحصار، لأنها تملك شبكة أنفاق تسمح بالقول إن غزة تحت الأرض بقيت متصلة ومتواصلة، بدليل إطلاق الصواريخ وظهور المواجهات التي تخوضها المقاومة بمرونة وزخم.
على خلفية هذا المشهد العسكري رغم مرور شهر كامل على بدء الحرب، بدأ الأميركي حركة سياسية في المنطقة، وقد تلقى بوضوح رسائل محور المقاومة، لجهة عدم فاعلية تهديداته وحشوده البحرية، وكان ما قاله الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله وحده كافياً لتصل الرسالة حول لا جدوى الرهان على الاستفزاز والتهديد تحت مسمّى الردع، والقول لمن يريد التهدئة إن التهدئة والتصعيد يبدآن من غزة والعدوان عليها.
جاء التحرك الأميركي من خلال جولة وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن خلال زيارته للعراق، وما حمله لرئيس الحكومة العراقي محمد شياع السوداني، من رسائل قالت مصادر عراقية إنه طلب إيصالها الى القيادة الإيرانية، ما استدعى زيارة عاجلة للسوداني الى طهران التقى خلالها الإمام علي الخامنئي. وتقول المصادر إن بلينكن طلب تهدئة فصائل المقاومة العراقية هجماتها على القواعد الأميركية في العراق وسورية. وجاء كلام الإمام الخامنئي في تغريدة تؤكد أن إيران لا تتدخل بعمل فصائل المقاومة، والدعوة لحل القضية التي نتج عنها التأزم وهي ما يجري في غزة من عدوان لا يمكن لأميركا أن تقف معه من موقع المساندة العمياء وتنتظر أن يتفرّج الناس عليها، بينما كان مدير وكالة المخابرات المركزية الأميركية وليام بيرنز يزور الكيان ويلتقي قادته حاملاً تفاصيل مشروع لتهدئة مؤقتة، وصفه الناطق بلسان مجلس الأمن القومي جون كيربي بالتوقفات التكتيكية، قالت مصادر في مؤسسات الإعلام في الكيان إنها تتضمن خط مساعدات إنسانياً وإدخال وقود إلى غزة وطواقم طبية وتجهيزات وسيارات إسعاف، لكنها تتضمن تبادل رهائن وأسرى، سواء الأجانب منهم أو المدنيون من المستوطنين.
في لبنان كان الحزن والحداد مناخاً جامعاً للبنانيين مع بلدة عيناتا التي أصيبت باستشهاد سميرة عبد الحسن أيوب، وحفيداتها ريماس وتالين وايناس، إضافة إلى جرح الوالدة هدى عبد النبي حجازي، فيما كانت المقاومة تطلق صواريخها إلى كريات شمونة رداً على الجريمة، بينما قامت قوات القسام في لبنان بقصف صواريخ وصلت الى أطراف حيفا، رداً على المجازر بحق أبناء غزة، وهو ما قالت مصادر في الكيان إنه جزء من رسالة حزب الله الذي يرسم قواعد الحركة والنار من حدود لبنان الجنوبية.
وبقيت المجزرة التي ارتكبها العدو الإسرائيلي في عيناتا وذهبت ضحيتها ثلاث فتيات وجدتهن في واجهة المشهد الداخلي، والتي تعد تجاوزاً لقواعد الاشتباك الضمنية المعمول بها منذ 8 تشرين الماضي بين جيش الاحتلال وحزب الله، ما يرفع وتيرة التصعيد وتوسيع رقعة المواجهة ومدى وطبيعة العمليات، وفق ما تشير مصادر مطلعة لـ»البناء»، مؤكدة بأن هذا العدوان لن يمر مرور الكرام وما إطلاق المقاومة للصواريخ على كريات شمونة والعمليات العسكرية ضد مواقع الاحتلال إلا الرد الأولي الذي ستتبعه ردود أخرى. وحذرت المصادر من أن «تمادي جيش الاحتلال بعدوانه الى قصف المدنيين سيدفع المقاومة الى توسيع الردّ أكثر من مساء الأحد، الى أهداف مدنية أكثر عمقاً». ولاحظت المصادر أن «جيش الاحتلال تجنب الرد على رد المقاومة بقصف أهداف مدنية لكي لا يستدرج ردة فعل إضافية من المقاومة، ما يعكس التزام جيش الاحتلال بمعادلة الردع التي فرضتها المقاومة».
على الصعيد الرسمي، تقدّم لبنان بشكوى إلى مجلس الامن الدولي حول جريمة قتل “إسرائيل” لأطفال ومدنيين. وعلى أثر تقديم الشكوى، اعتبر وزير الخارجية والمغتربين في حكومة تصريف الأعمال عبدالله بوحبيب “أنها جريمة حرب تعكس بوضوح سياسة “إسرائيل” باستهداف العائلات والأطفال والمسعفين والصحافيين عمداً”.
بدوره، اعتبر وزير الدفاع الوطني في حكومة تصريف الأعمال موريس سليم أن “تمسك لبنان بالقرار ١٧٠١ وحرصه على تطبيق مفاعيله بواسطة الجيش اللبناني المنتشر على الحدود، وبالتعاون مع القوات الدولية اليونيفيل، لا يعنيان بالضرورة أن الاعتداءات الإسرائيلية وقتل الآمنين في منازلهم وعلى الطرقات، يمكن أن تستمر بلا حساب لان فيها استهدافاً للسيادة الوطنية اللبنانية من جهة، وانتهاكاً للقرارات الدولية من جهة أخرى، فضلاً عن أنها تشكل تهديداً مباشراً للسلام الذي تعهدت الدول المشاركة في اليونيفيل بأن تحفظه تطبيقاً لقرارات مجلس الأمن ذات الصلة”.
وحذّر الناطق الرسمي باسم “اليونيفيل” أندريا تيننتي من أن “احتمال خروج التصعيد عن نطاق السيطرة واضح، ويجب إيقافه”.
على صعيد آخر، تسلّم رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي دعوة من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود لحضور القمة العربية الطارئة “لبحث العدوان الإسرائيلي على قطاع غزّة والتطورات في الأراضي الفلسطينية المحتلة يوم السبت المقبل في الحادي عشر من الشهر الحالي في الرياض”.
وإذ توقع خبراء عسكريون توسيع المقاومة في لبنان نطاق العمليات وإطلاق الصواريخ، واصلت المقاومة عملياتها العسكرية ضد مواقع العدو الحدودية وفي عمق الشريط المحتل، وأعلنت في بيان، استهداف التجهيزات الفنية في موقع الراهب بالأسلحة المناسبة وتمّ تدميرها. كما أعلنت استهداف موقعي المالكية وجل الدير بالأسلحة الصاروخية وحققت فيهما إصابات مباشرة”.
وأفيد عن إطلاق صليات صواريخ باتجاه الأراضي المحتلة في القطاع الغربي ومحاولات اعتراض من القبة الحديدية.
في المقابل أغار طيران جيش الاحتلال الإسرائيلي على المنطقة الواقعة بين بلدتي الضهيرة وعلما الشعب. وقصف بالمدفعية منطقة جل العلام واللبونة، كما أطراف بلدة عيتا الشعب.
إلى ذلك، لفت خبراء عسكريون لـ”البناء” الى احتمال وقوع مواجهة بين حزب الله والأميركيين، مذكرة بتركيز السيد حسن نصرالله في خطابه الأخير على الدور الأميركي في الحرب على غزة ورسائل التهديد التي وجّهها الى واشنطن بأنها ستدفع ثمناً في مصالحها وقواعدها في المنطقة لا سيما في سورية والعراق والخليج وكذلك الأمر بوارجها وحاملات طائراتها ومدمراتها في البحر المتوسط التي أعدّت المقاومة لها عدتها، كما أعلن السيد نصرالله، ما يعني أنه بحال وسّع الحزب عملياته العسكرية على الجبهة الجنوبية قد تقوم البوارج بضرب أهداف للحزب في لبنان، ستدفع الحزب للردّ بقصف هذه البوارج ربما بمسيّرات متفجرة أو صواريخ أرض بحر او “طوربيدات” بحرية، وسيتكثف القصف من العراق وسورية على جميع القواعد والمصالح الأميركية في المنطقة بشكل يشل الحركة الأميركية ومصالحها في الشرق الأوسط والخليج.
وكشف مسؤولون أميركيّون، أنّ إدارة الرّئيس الأميركي جو بايدن بعثت رسائل إلى كلّ من طهران و”حزب الله”، عبر شركاء إقليميّين من ضنمهم تركيا، مفادها أنّ الولايات المتحدة الأميركية عازمة على التّدخّل عسكريًّا، إذا شنّا هجمات ضدّ “إسرائيل”؛ بحسب ما ذكرت صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركيّة.
وأوضح المسؤولون أنّ واشنطن أبلغت تلك الرسائل بشكل واضح، مؤكّدةً أنّها مستعدّة للتّدخّل عسكريًّا ضدّ كلّ من “حزب الله” وإيران وضربهما، إذا هاجما “إسرائيل”.
في المقابل أشار رئيس المجلس التنفيذي في “حزب الله” السيد هاشم صفي الدين أن “أميركا ليست قدراً لا يقاوم، وهي ليست إرادة لا تُهزم، فأميركا التي تمتلك كل السلاح في العالم المتطور والتكنولوجيا، بإمكانها أن تقتل الأطفال وتدمر البيوت وتحاصر بلداناً بأكملها وتعاقب كما تشاء، ولكنها بسلاحها وكل أساطيلها لا يمكن أن تهزم إرادة سلّمت نفسها لله رب العالمين، وجرّبت وجاهدت وقاومت وانتصرت وكسرت الإرادة الأميركية والإرادة الإسرائيلية”.
ورأى صفي الدين خلال كلمة له في الجنوب أن “ما يحصل في غزة هو مآسٍ كبيرة، وبطولات وتصدٍ لكل هذا المشروع الأميركي والإسرائيلي، ونحن على ثقة كاملة وتامة أن المقاومة في غزة قويّة ومقتدرة وباسلة، وأن الشعب في غزة قويّ ومجاهد ومعطاء وصابر ومحتسب، وأن كل مكر أميركا ومن معها وكل ضغط “إسرائيل” بالقذائف الأميركية والقتل والمجازر، لن يفيد ولن ينفع، ففي نهاية المطاف هم سيتعبون، لا سيما وأنهم يراهنون على أنه سيأتي يوم يقول مجاهدو حماس والجهاد الإسلامي وكل المقاومين أننا تعبنا، ولكن هذا اليوم لن يأتي أبداً، لأن مجاهدي المقاومة الفلسطينية من حماس والجهاد وكل المقاومين الأبطال، مجرّبون وأشاوس وقادرون على القتال كما شاهدناهم على شاشات التلفزة بكل قوة وقدرة وعزم وإرادة، ويقفون بوجه الدبابات ويدمّرونها، وبالتالي، هؤلاء يستحيل أن يستسلموا، فسيثبتون وسينتصرون، والذي سيتعب في نهاية المطاف هو الأميركي والإسرائيلي، وسينهزمون ويتراجعون”.
على صعيد آخر، أطلق البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي سلسلة مواقف بارزة، خلال افتتاح الدورة العاديّة السادسة والخمسين لمجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان، وقال: “يبقى الأمل في الجيش اللبنانيّ المؤتمن مع القوّات الدوليّة على الأمن في الجنوب والحدود وسائر المناطق اللبنانيّة. فمن أجل الاستقرار في البلاد، يجب تحصين الجيش والوقوف إلى جانبه وعدم المسّ بقيادته حتى انتخاب رئيس للجمهوريّة. فالمؤسّسة العسكريّة اليوم هي أمام استحقاق مصيريّ يهدّد أمن البلاد. وليس من مصلحة الدولة اليوم إجراء أي تعديلات في القيادة. بل المطلوب بإلحاح انتخاب رئيس للجمهوريّة، فتسلم جميع المؤسّسات”. كما دعا المسؤولين في الدولة اللبنانية إلى العمل على “تحييد لبنان عن ويلات هذه الحرب، هذه الحرب المدمِّرة، وعلى القيام بدوره السياسي والديبلوماسي الداعم للقضية الفلسطينية، وهو أجدى. وذلك في التمسّك بتطبيق قرار مجلس الأمن 1701 الذي يأمر “إسرائيل” وحزب الله بالوقف الفوري لكل الهجمات والعمليات العسكريّة من الجانبين”.
في غضون ذلك، وبعد أكثر من عام على طلب الحكومة اللبنانية “داتا” النازحين السوريين في لبنان، أعلن وزير الخارجية والمغتربين في حكومة تصريف الأعمال عبدالله بوحبيب، خلال لقائه المنسق الخاص للأمم المتحدة عمران ريزا، وممثل مفوضية شؤون اللاجئين في لبنان ايفو فريغسن أننا “نتطلع الى التقدّم التقني الحاصل في تسليم المفوضية داتا النازحين للأمن العام، كخطوة في الاتجاه الصحيح للتشجيع على عودة النازحين، وتعزيز الثقة والتعاون مع المفوضية”.