كتبت صحيفة “النهار”: تجاوزت تداعيات الوقوف عند مشارف الحرب والبقاء على حالة عالقة بين “معادلة المشاغلة” الميدانية و”الاحتمالات والخيارات المفتوحة” اطار ردود الفعل الداخلية والخارجية المتصلة بالخشية من انزلاق لبنان الى حرب لتنفتح في كواليس داخلية وخارجية على الغارب، ولو بشكل غير علني بالكامل، مسألة الفراغ الدستوري والمؤسساتي في لبنان في مرحلة هي الأخطر في تاريخه الحديث اقله منذ بدء عصر الطائف. ذلك انه على رغم احتلال الحدث الميداني الجنوبي الأولوية الأساسية في الاهتمامات الرسمية والسياسية ناهيك عن العسكرية والأمنية مذ صار حدثا متواصلا يرخي بظلاله وتداعياته الميدانية والأمنية وآثاره في كل الاتجاهات على الداخل اللبناني، تحركت في الفترة الأخيرة الازمة المعتملة بقوة في الواقع الداخلي أساسا وهي ازمة “المواقع المارونية” الكبيرة في الدولة انطلاقا من مجموعة معطيات ووقائع يمكن تحديدها بالاتي:
أولا : اندفعت قضية الخطر الذي يرتبه “الفراغ الثالث” في الموقع الماروني الثالث الكبير أي قيادة الجيش بعد رئاسة الجمهورية وحاكمية مصرف لبنان وذلك مع حيثيات استثنائية خاصة بالموقع العسكري القيادي في اخطر ظروف يجتازها لبنان واحرج أوضاع تجتازها المؤسسة العسكرية. وإذ جاءت معالم المناهضة التي تتالف حولها مكونات وقوى لاحباط التمديد لقائد الجيش العماد جوزف عون باعتبار التمديد افضل الحلول التي تمليها الظروف الخطيرة وفي ظل تعقيدات تعيين قائد جديد للجيش، فجر موقف البطريركية المارونية بعد عودة البطريرك مار بشارة بطرس الراعي مسألة التمديد لقائد الجيش بجعلها خطا احمر جديدا من مواقف بكركي وأضاف اليها مسالة الفراغات المتعاقبة في المواقع المارونية التي دفعت الى ذروة ستكون لها اثارها الوشيكة جدا على مجمل الواقع.
ثانيا: ولعل هنا الأهم والأخطر ان رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي بدأ يثير في الكواليس الخارجية والداخلية النقطة الأشد خطورة في غياب الموقع الماروني الأول أي رئاسة الجمهورية، وهو غياب الركن المسيحي الأول عن مجريات عربية وإقليمية ودولية شديدة الأهمية وتقترب من مرحلة شبيهة بمؤتمر دولي للسلام يفترض ان يكون لبنان في كامل جهوزيته الدستورية والميثاقية والسياسية لملاقاتها وملاقاة كل تداعيات ما يجري راهنا. ويبدو ان اللقاءات التي اجراها ويجريها ميقاتي في الخارج تطرقت بقوة الى واقع الفراغ الرئاسي في لبنان ولم تقتصر على تداعيات حرب غزة عليه من منطلق ان انتخاب الرئيس العتيد هو امر ملزم ولازم وضروري قبل أي شيء لحماية لبنان وتحصينه. بذلك قد يكون ميقاتي، امام تحرك داخلي بعد مشاركته في القمة العربية الطارئة في الرياض السبت المقبل خصوصا تجاه القيادات المارونية والمسيحية من اجل محاولة شرح الافاق البالغة الخطورة التي يواجهها لبنان ما لم يتوافق اهل البيت الماروني والمسيحي والوطني عموما على الدفع نحو انهاء الشغور الرئاسي.
في أي حال فان البطريرك الماروني عاود امس خلال افتتاح الدورة العاديّة لمجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان اثارة موضوع قيادة الجيش فقال: “يبقى الأمل في الجيش اللبنانيّ المؤتمن مع القوّات الدوليّة على الأمن في الجنوب والحدود وسائر المناطق اللبنانيّة. فمن أجل الإستقرار في البلاد، يجب تحصين الجيش والوقوف إلى جانبه وعدم المسّ بقيادته حتى إنتخاب رئيس للجمهوريّة. فالمؤسّسة العسكريّة اليوم هي أمام استحقاق مصيريّ يهدّد أمن البلاد. وليس من مصلحة الدولة اليوم إجراء أي تعديلات في القيادة. بل المطلوب بإلحاح انتخاب رئيس للجمهوريّة، فتسلم جميع المؤسّسات”. كما دعا المسؤولين في الدولة اللبنانية الى العمل على “تحييد لبنان عن ويلات هذه الحرب، هذه الحرب المدمِّرة، وعلى القيام بدوره السياسي والديبلوماسي الداعم للقضية الفلسطينية، وهو أجدى وذلك بالتمسّك بتطبيق قرار مجلس الأمن 1701”.
تحذير أميركي متجدد
وفي غضون ذلك برز تجديد واشنطن التحذير من خطورة توسع الحرب الى لبنان بما ينذر بدمار “لا يمكن تصوره”. واعلن البيت الأبيض ان “تأثير توسّع النزاع إلى لبنان سيكون دماراً لا يمكن تصوّره ولا نريد حدوث ذلك”.
وتسلّم الرئيس ميقاتي امس دعوة من الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز لحضور القمة العربية الطارئة “لبحث العدوان الاسرائيلي على قطاع غزّة والتطورات في الاراضي الفلسطينية المحتلة يوم السبت المقبل في الحادي عشر من الشهر الحالي في الرياض.
اما في الواقع الميداني جنوبا فتقدّم لبنان امس بشكوى الى مجلس الامن الدولي حول جريمة قتل اسرائيل لاطفال ومدنيين. وعلى أثر تقديم الشكوى، اعتبر وزير الخارجية والمغتربين عبدالله بوحبيب “أنها جريمة حرب تعكس بوضوح سياسة اسرائيل بإستهداف العائلات والاطفال والمسعفين والصحافيين عمداً”.
وفي هذا السياق اوضح الناطق الرسمي بإسم “اليونيفيل” أندريا تيننتي ان “اليونيفيل شهدت بالأمس إطلاق نار كثيفا عبر الخط الأزرق”. وأضاف “سمعنا تقارير مأسوية عن مقتل أربعة مدنيين، ثلاث فتيات وامرأة، في محيط عيترون في جنوب لبنان. إن احتمال خروج التصعيد عن نطاق السيطرة واضح، ويجب إيقافه. كما أن موت أي مدني هو مأساة، ولا أحد يريد أن يرى المزيد من الناس يجرحون أو يقتلون”. وذكّر “جميع الأطراف المعنية بأن الهجمات ضد المدنيين تشكل انتهاكاً للقانون الدولي وقد ترقى إلى مستوى جرائم حرب”، خاتما “نحض الجميع على وقف إطلاق النار الآن، لمنع تعرّض المزيد من الناس للأذى”.
ولبت إدارات المدارس والثانويات في بيروت والمناطق امس نداء وزير التربية والتعليم العالي عباس الحلبي للوقوف دقيقة صمت حداداً على أرواح الشهيدات اللواتي قضَينَ اول من امس في قصف إسرائيلي همجي استهدف سيارتهنَّ في عيناثا وهنّ الشهيدات ريماس (14 سنة) وتالين (12 سنة) وليان (10 سنوات) اللواتي قتلن في سيارة تقودها والدتهن هدى عبد النبي حجازي زوجة محمود شور بين عيترون وعيناتا، وتوفيت التلميذات الثلاث وجدتهن سميرة عبد الحسين أيوب. ووصل والد الشهيدات محمد شور امس الى لبنان من ساحل العاج وسيقام لهن اليوم مأتم حاشد .
تصعيد حتى حيفا
وامس سجل تطور جديد في التصعيد الميداني تجاوزت معه الصواريخ المنطلقة من جنوب لبنان خط المواجهة مع إسرائيل حتى حدود حيفا. وقد اشتدت حدة الاشتباكات بعد الظهر بين حزب الله” والجيش الإسرائيلي، ودخلت “كتائب القسام في لبنان” على الخط حيث أعلنت أنها قصفت “نهاريا وجنوب حيفا بـ16 صاروخاً ردًّا على مجازر الاحتلال الاسرائيلي وعدوانه على أهلنا في قطاع غزة”. من جهته، أعلن الجيش الإسرائيلي “إطلاق 30 صاروخاً من لبنان باتجاه شمالي إسرائيل والجيش يردّ بالمدفعية على مصادر النيران”. وافادت وسائل إعلام إسرائيلية ان الدفاعات الجوية حاولت إسقاط مسيّرتين عند الحدود الشمالية.
واعلن “حزب الله” انه “استهدف موقعي المالكية وجل الدير بالأسلحة الصاروخية وحققوا فيهما إصابات مباشرة” كما اعلن انه استهدف “التجهيزات الفنية في موقع الراهب بالأسلحة المناسبة وتم تدميرها”. واستهدف قصف مدفعي إسرائيلي أطراف بلدة مروحين في خلّة العجوز كما استهدف جبل بلاط والمنطقة الواقعة بين بيت ليف ورامية واطراف بلدة مروحين في القطاع الغربي من جنوب لبنان.وأفادت وسائل إعلام إسرائيلية بأن صفارات الإنذار تدوي في نهاريا وفي “كريوت” وهي أبعد من نهاريا جنوباً، واتساع رقعة القصف في الشمال للمرة الأولى، مشيرة إلى مخاوف من تسلل طائرات مسيّرة من لبنان تجاه الجليل الغربي.
واعلنت إذاعة الجيش الإسرائيلي بأن حزب الله قصف شمال حيفا للمرة الأولى منذ 2006 واتساع رقعة القصف في الشمال.
وفي السياق اعلنت وزارة الخارجية البريطانية أنّها سحبت موقّتاً بعض موظّفي السفارة البريطانية من لبنان. ونصحت البريطانيين بعدم السفر إلى لبنان بسبب الحرب بين إسرائيل وحماس في قطاع غزة وتبادل إطلاق النار على الحدود بين إسرائيل ولبنان. كما حضّت البريطانيين في لبنان على المغادرة، في وقت لا تزال فيه الرحلات التجارية متاحة.