كتبت صحيفة “النهار”: مع بداية الشهر الثاني لحرب غزة، كما للمواجهات الجارية عبر الحدود اللبنانية الجنوبية مع إسرائيل، بدا لبنان اكثر من أي بلد عربي اخر معنيا بتداعيات هذه الحرب مترصدا مجموعة تطورات متلاحقة لتحديد مسار تطوراته، ان ميدانيا على ارض الجنوب، وان سياسيا وديبلوماسيا لـ”العودة” الى ازماته الداخلية المعلقة والعالقة على رفوف التجميد بدءا بالازمة الكبرى المتصلة بالفراغ الرئاسي. وعلى رغم الغموض الكبير في الأفق الحربي المتصل بحرب غزة والتي ربطت بها المواجهات المتواصلة والمتصاعدة عبر الحدود الجنوبية، فان بعض الأوساط الداخلية الوثيقة الصلة بالاتصالات الديبلوماسية المحمومة التي تشهدها عواصم المنطقة والدول الغربية الأساسية كشفت لـ”النهار” ان الفترة القصيرة الفاصلة عن نهاية الأسبوع الحالي قد تكون كفيلة بايضاح السيناريو المرجح للتطورات في لبنان في ظل حمى ديبلوماسية متصاعدة بعضها الكثير يتسم بالسرية لاحداث نقلة في الحرب الطاحنة الجارية في غزة بما سينعكس حتما على “الجبهة اللبنانية”. وإذ انكشفت امس معالم محاولة متقدمة هذه المرة عبر مفاوضات لاحلال هدنة لثلاثة أيام في غزة للمرة الأولى من اندلاع الحرب الأخيرة واطلاق عدد من الرهائن، لفتت الأوساط نفسها الى انه خلافا لما حاولت بعض الجهات الداخلية التقليل من أهمية الزيارة التي قام بها كبير مستشاري الرئيس الأميركي لشؤون الطاقة آموس هوكشتاين لبيروت اول من امس، فان المعطيات الدقيقة المتوافرة عن زيارته تشير الى انها تركت ترددات مهمة وجدية لجهة ما اعلنه من ان لبنان وإسرائيل لا يرغبان في تصعيد الوضع، كما لجهة اظهار مستوى عال استثنائي من اهتمام الإدارة الأميركية بتجنيب لبنان أي تمدد لحرب غزة اليه بدليل انه حضر خصيصا كموفد شخصي للرئيس الأميركي جو بايدن الى لبنان من اجل هذه الغاية. وتشير هذه الأوساط الى انه غداة زيارة هوكشتاين، يبدو لبنان معنيا بترقب ثلاثة محطات تحمل منسوبا معينا من التأثيرات على الوضع الناشئ في جنوب لبنان حيث لا يمكن التقليل اطلاقا من خطورة انهيار القرار 1701 وملامح التفلت المسلح الخطير الذي ادخل مع “حزب الله” السلاح الفلسطيني من خلال “حماس ” و”الجهاد الإسلامي” بما ينذر بتداعيات شديدة الخطورة ان ميدانيا وان سياسيا في الداخل اللبناني. هذه المحطات تتمثل في القمة العربية الطارئة التي ستعقد السبت في الرياض وما يمكن ان تخلص اليه من قرارات يفترض ان تكتسب طابعا استثنائيا، ومن ثم الكلمة الثانية منذ بدء الاحداث التي سيلقيها الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله السبت أيضا، ومن ثم القمة الإسلامية في الرياض أيضا الاحد المقبل التي ستشهد حدث الزيارة الأولى التي سيقوم بها الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي للمملكة العربية السعودية.
وما ينبغي الإشارة اليه ان الضغوط الديبلوماسية لتجنيب لبنان الانزلاق الى حرب واسعة لم تقف عند التحركات الأخيرة العلنية. وفي هذا السياق كشفت مراسلة “النهار” في باريس رندة تقي الدين ان باريس وجهت أخيرا ومجددا رسائل عدة الى القيادات اللبنانية والى “حزب الله” وحليفه الايراني “تحذرهم من خطورة ما يحدث من اختبار “حزب الله” لاسرائيل عبر جبهة جنوب لبنان. وحذرت باريس مجددا من ان اسرائيل كما فعلت في ردة فعلها على “حماس” بامكانها ان ترد بشدة على الجانب اللبناني”. وتبدي باريس قلقا كبيرا على الوضع اللبناني حيث هناك فراغ في الرئاسة والاقتصاد منهار لا يتحمل حربا اسرائيلية على لبنان ولذا تم توجيه هذه الرسائل الجديدة بإلحاح.
شلل داخلي
وسط هذه الأجواء يراوح الوضع الداخلي في حالة من الشلل التام والتجميد للملفات الأساسية فيما باتت معظم المؤشرات تثير الخشية من تداعيات الانقسامات الجديدة – القديمة حول واقع الجنوب ومحاذير اسقاط القرار 1701 على إعادة فتح الملفات الداخلية. وامس رأى عضو “تكتل الجمهورية القوية” النائب غياث يزبك انه “تمت الإطاحة بالقرار 1701 بإعتراف الأمين العام للأمم المتحدة الذي أشار في تقريره الأخير إلى ان هذا القرار لم يُحترَم لا من قبل حزب الله ولا من قبل إسرائيل”، لافتا الى ان “الأميركي ولأنه براغماتي يتواصل مع “الحزب” عندما يريد بحث أي أمر له علاقة بمصلحته أو مصلحة إسرائيل”. وعلى صعيد ملف قيادة الجيش قال يزبك ان اقتراح كتلته لقانون التمديد لقائد الجيش “ليس من باب التكتكة السياسية إنما من باب رفض وصول المؤسسة العسكرية إلى مرحلة تصريف الأعمال وهذا القائد نعرفه ومجرَّب”. ولفت الى ان “حزب الله يرفض التمديد لقائد الجيش لكنه لم يعلن موقفه بعد، في وقت يحاول التيار الوطني الحر الانتقام من قائد الجيش لأنه خرج عن طاعة الرئيس ميشال عون وايضا لإخراجه من معادلة رئاسة الجمهورية” كاشفا ان طرح النائب جبران باسيل لم يكن مقبولاً من قبل البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي.
ولم تحل هذه الأجواء دون مضي لجنة المال والموازنة في استكمال مناقشة فصول موازنة 2024 . وبنتيجة اجتماعها امس رفضت اللجنة استحداث مواد ضريبية جديدة في متن الموازنة نظراً لشلل الوضع الاقتصادي والانهيار النقدي، وأقرت بعض التعديلات المتعلقة بمعالجة تداعيات تدهور سعر الصرف. كما ألغت تفويض الحكومة تعديل الضرائب دون العودة للمجلس النيابي لمخالفته الدستور. واعتبر رئيس اللجنة النائب ابراهيم كنعان أن “مشروع موازنة 2024 خارج السياق والواقع وإن أي اصلاح يتطلب رؤية مبنية على تحليل موضوعي للقطاعين العام والخاص في كافة قطاعات الأعمال، وليس صياغة نصوص القوانين بمصطلحات مجردة ومنطق حسابي ومحتوى فارغ “. أضاف :”التصحيح الذي نجريه على مواد الموازنة على الصعيدين البنيوي والضريبي أساسي وجوهري فعلى أي تشريع ضريبي أن يأخذ في الاعتبار جوهر المتطلبات الاقتصادية، وأن يتوجّه الى الآفاق الاقتصادية للنمو والتوظيف والاحتفاظ برأس المال البشري”.
الجنوب
اما على الصعيد الميداني في الجنوب فتجدد إطلاق صواريخ مساء امس من الجنوب باتجاه المستوطنات الإسرائيلية فيما عمد الجيش الإسرائيلي الى رمي قنابل مضيئة بمحيط كفركلا . وشن الطيران الإسرائيلي غارات على المنطقة الواقعة بين طيرحرفا والجبين وعلى اطراف ياطر الغربية والشرقية ومنطقة السدانة واطراف بلاط .
وأفادت وسائل إعلام إسرائيلية عن تفعيل الدفاعات الجوية بعد رصد طائرة من دون طيار فوق الجليل الأعلى اخترقت الأجواء من لبنان .
وكانت مدفعية الجيش الاسرائيلي اطلقت قذائف على أحراج السنديان في المنطقة الواقعة بين بليدة ومزرعة حلتا والسلامية في قضاء حاصبيا .كما تعرضت اطراف الناقورة ومنطقة اللبونة لقصف مدفعي اسرائيلي. اوسقطت صواريخ في زرعيت وشتولا وسجل قصف مدفعي إسرائيلي طال خراج بلدة رميش. وافيد عن إستهداف منزل وسط بلدة حولا بقذيفتين في وقت سقطت قذيفة في وسط البلدة من دون ان تنفجر . وسقطت قذائف مدفعيّة وقنابل مضيئة على أطراف بلدة راشيا الفخار- العرقوب وعلى أحراج بلدة حلتا وخراج بلدة كفرشوبا وسط تحليق لطيران الإستطلاع الإسرائيلي. وتعرضت بلدتا ميس الجبل و بليدا لقصف اسرائيلي كما قصفت بالقذائف الفوسفورية أطراف بلدة عيتا الشعب.
واعلن “حزب الله” استهداف قوة مشاة اسرائيلية في محيط قاعدة شوميرا وأوقع فيها إصابات مؤكدة”. كما اعلن انه “ردًا على العدوان الصهيوني الآثم الذي استهدف سيارة إسعاف تابعة لكشافة الرسالة الإسلامية هاجم مجاهدو المقاومة الإسلامية بالأسلحة المباشرة قوة مشاة إسرائيلية قرب ثكنة دوفيف وأوقعوا فيها إصابات مؤكدة بين قتيل وجريح”. واعلن الناطق العسكري الإسرائيلي عن إصابة جنديين في إطلاق صاروخ مضاد للدروع على منطقة دوفيف قرب الحدود مع لبنان.