كتبت صحيفة “النهار”: وسط مناخات ضاغطة ومحتقنة ومثيرة للشكوك لا تختلف كثيرا عن تلك التي سبقت وواكبت وأعقبت الجلسات الـ12 الفاشلة التي عقدها مجلس النواب لانتخاب رئيس الجمهورية، والتي صارت نسيا منسيا تاركة البلاد في أشداق الفراغ الرئاسي وتداعياته الشديدة السلبية، تنعقد اليوم وغدا جلستان لمجلس النواب ومجلس الوزراء محورها الأساسي ازمة التمديد لقائد الجيش العماد جوزف عون. ولا مغالاة في القول انه عشية انعقاد الجلسة التشريعية التي “شحنت” بجدول أعمال يحتاج إقراره، في ظروف تشريعية جدية بعيدا من المناورات والألاعيب ونصب الأفخاخ، الى أيام وايام، وجلسة حكومية هبط توقيتها فجأة بسحر ساحر مخترقا مهلة اليومين للجلسة التشريعية، تعاظمت المعطيات الدافعة نحو ترقب مزيد من التطورات المباغتة اذ ان أحدا لا يمكنه الجزم مسبقا بمصير الجلستين أولا، ومن ثم مصير التمديد او ارجاء التسريح لقائد الجيش ما دام الامر يجري على وتيرة مكائد سياسية على ما تكشفت عنه الأمور في الساعات الأخيرة. وإذ بدا بديهيا ان تستنفر مختلف كتل المعارضة بإزاء الخربطة التي اخترقت سيناريو إقرار مشروع قانون للتمديد لقائد الجيش لمدة سنة في مجلس النواب، بدا السباق الحار على اشده بين المشاورات والاتصالات المفتوحة بين كتل “القوات اللبنانية” والكتائب و”تجدد” والتغييريين والمستقلين وكتل أخرى معنية من اجل محاولة استجماع موقف موحد من عدد واسع من مشاريع الاقتراحات المعجلة المكررة المتصلة بالتمديد لقائد الجيش وقادة أجهزة امنية أخرى المحالة مع جدول اعمال الجلسة قبل الوصول الى هذا البند المتوهج في جلسة بعد ظهر الجمعة، وبين المعطيات المتصلة بجلسة الحكومة التي دعا اليها رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ظهر غد لكي يتم خلالها طرح اصدار مرسوم بتأخير تسريح قائد الجيش. ولذا لم يكن مفاجئا ولا مستغربا ان يركز رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع في مؤتمره الصحافي عصر امس على اثارة النظر بعين الريبة الى الجلسة الحكومية وان يطالب الرئيس ميقاتي بان يتجاوز في “الجلسة المريبة” التي دعا اليها مجلس الوزراء في هذا التوقيت طرح بند تأخير التسريح في انتظار ما ستنتهي اليه جلسة مجلس النواب وبعدها يبقى لديه الوقت الكافي لعقد جلسة أخرى لمجلس الوزراء. عكس ذلك حالة “التربص” السياسي والنيابي التي نشأت في اليومين الأخيرين جراء اقحام الحكومة فجأة بعدما كانت الاتصالات افضت إلى قرار المعارضة بمعظمها ولا سيما منها “القوات” والكتائب و”تجدد” وعدد من التغييريين بحضور الجلسة التشريعية في مقابل التمديد لقائد الجيش الامر الذي جعلت التساؤلات تتزايد: هل تكون البلاد امام جلستين متزامنتين للبرلمان والحكومة لإيجاد حل جدي يبعد شبح الشغور عن قيادة الجيش ام ستكون الجلستان فتيلا جديدا لإذكاء الخلافات السياسية والتسبب بالفراغ في رأس هرم القيادة العسكرية؟.
وقد دعا امس الرئيس ميقاتي الى جلسة لمجلس الوزراء تعقد الساعة ظهر الجمعة في السرايا فيما ذكر ان وزير الدفاع موريس سليم، الذي لا يحضر الجلسة، وقع ترقية الضباط اعتبارا من 1/1/2024 وذلك للدفعة الأولى من العام 2024 من الرتب كافة. وقد أحيلت إلى الأمانة العامة لمجلس الوزراء وفقاً للأصول. كما وقّع وزير الدفاع جداول القيد للضباط من رتبة ملازم اول الى رتبة عميد واعيدت الى قيادة الجيش لإجراء المقتضى .
المواقف من الجلستين
وشهدت الساعات الفاصلة عن الجلسة التشريعية حرارة سياسية وإعلامية لافتة اذ تكثفت الاتصالات والمشاورات بين كتل المعارضة كما بينها وبين رئاسة مجلس النواب . وفي ندوته الصحافية عصرا شدد جعجع على “أهمية دور الجيش خاصة بعد 7 تشرين الأول”، لافتاً الى أننا “نستغرب لماذا البعض يريد تغيير قائد الجيش الآن ولا دولة تغير قائد جيشها في مثل هذه الأوقات”. ولفت الى أن “دور الجيش محوري وحساس جداً، فلنتخيّل أن الأمن مضروب وسط الأزمة الاقتصادية مثل ما حصل في دول أميركا اللاتينية خلال الانقلابات”. ورأى أن “الأهمية في ملف قيادة الجيش تكمن في أن الجيش اللبناني ليس مؤسسة مثل غيرها فعلى الرغم من كل ما حصل في 17 تشرين قام بكل ما يلزم للمحافظة على الأمن”. واعتبر أن “محور الممانعة يعتمد على قمع الناس، ومثال على ذلك ما حصل في سوريا وإيران خلال الثورة، وكلنا نعلم ما حصل سابقاً خلال فترة الوصاية السورية في لبنان، وهذا المحور منذ ثورة الاستقلال في الـ2005 “ما شال عينه عن قيادة الجيش”. وأضاف “حكومة تصريف الأعمال تابعة لمحور الممانعة وستتلاعب بقيادة الجيش كما يحلو لها وتريد تحويل القيادة إلى بوليس سرّي لذلك نحن مهتمون بقيادة الجيش”، مشدداً على أننا “مصرّون على التمديد للعماد جوزف عون لأننا نعلم أنه على الرغم من الانهيار في الدولة استطاع تأمين الحد الأدنى لتسيير شؤون الجيش اللبناني”. ولفت إلى “هناك مؤامرة ضد التجديد لقائد الجيش يقودها رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل مصيبة الجمهورية”. وطالب الرئيس ميقاتي بعدم طرح بند تأجيل التسريح وانتظار جلسة مجلس النواب وشدد على ان “الوحيد الذي يستطيع إيقاف هذه المؤامرة هو الرئيس نجيب ميقاتي”.
وكانت “القوات اللبنانية” ردت على رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل معتبرة ان “الكلام عن أنّ أحد السفراء ضغط على “القوات” من أجل السير بالتمديد لا يخرج عن الكذب الذي يتنفّسه النائب باسيل، وهو الأدرى لو أنّ “القوات” تنصاع لضغوط السفراء لما كانت اقترعت للعماد ميشال عون، وعندما راحت “القوات” تستعرض منذ أشهر الأسباب الوطنية العليا الموجبة للتمديد لم يكن هذا الموضوع مطروحًا لدى الدوائر الديبلوماسيّة بعد”.
بدوره شدد رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميّل على “انه هذه الظروف لا مجال لتعيين قائد جديد للجيش لانه بالعرف هذا الأمر من صلاحيات رئيس الجمهورية كما ان لا خيار آخر غير تأجيل تسريحه والموضوع مبدئي لا علاقة له بالاشخاص”. وأكد أن تأجيل تسريح قائد الجيش “هو الخيار الوحيد المتاح أمامنا ولا خيار آخر وكل الخيارات الأخرى غير دستورية وهروب من المسؤولية والجهة الصالحة لتأجيل التسريح هي مجلس الوزراء عبر وزير الدفاع الذي إذا تلكّأ يمكن للمجلس ان يقوم عنه بهذه المهمة”. وقال الجميّل “ان الطريق الأسرع والدستورية لحل ملف قيادة الجيش هي عبر مجلس الوزراء وهو المسار الذي تبنيناه منذ اليوم الاول ونتمنى ان يحصل التمديد بالحكومة كي تسير الامور بالسكة الصحيحة والاطر الدستورية”. أضاف: “اذا لم يحصل التمديد صباح الجمعة داخل الحكومة سنكون أمام خيار خطير اي الفراغ في قيادة الجيش وعندها لكل حادث حديث وسننتقل الى خيارات أخرى وتكون كل الاحتمالات مفتوحة أمامنا حفاظا على هذه المؤسسة وطالما ان رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ملتزم بانعقاد مجلس الوزراء سنعطي المجال وبناء على ذلك لكل حادث حديث وسنتابع التطورات مع كل فرقاء المعارضة “.
بخاري في بكركي
واخذ موضوع التمديد حيزا بارزا من لقاء البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي والسفير السعودي وليد بخاري في بكركي . وكشف المسؤول الإعلامي في بكركي وليد غياض أن بخاري “نقل دعم المملكة لمواقف الراعي وخصوصاً تلك التي يعبّر عنها في العظات”. وأشار إلى أن “بخاري قال إن المملكة واللجنة الخماسيّة قلقتان من الفراغ في سدّة قيادة الجيش، وتأملان أن يقوم النواب بواجباتهم لمنع هذا الفراغ”. كما أفاد غياض بأن “الراعي تحدث عن ضرورة التمديد لقائد الجيش العماد جوزف عون من باب الموقف الوطني ومن باب الحرص على موقع الرئاسة” لافتا إلى أن “الراعي يشعر بمؤامرة تُحاك في موضوع التمديد لقائد الجيش ولديه شكوك وهو بانتظار اتضاح النوايا، وحذار تفسير الموضوع وتصويره وكأنه صراع ماروني-ماروني ويدعو لعدم التلطي خلف هذا التصوير ويعرف أن اللعبة السياسية لم تعد شريفة”.
الوضع الميداني
في غضون ذلك استمرّ التصعيد الميداني على الجبهة الجنوبية حيث يرصد المراقبون العسكريون تصعيدا إسرائيليا متعمدا في استهداف مناطق وسط البلدات الحدودية الجنوبية وعدم اقتصار القصف على أطرافها كالسابق . وعصر امس نفذ الطيران الحربي الاسرائيلي غارة استهدفت منزلا في بلدة ياطر أدت الى تدميره ومقتل شخصين وجرح آخر كانوا في سيارة واحدة قرب المنزل المستهدف. ولاحقا نعى “حزب الله” كلا من صالح مصطفى وعلي موسى .
وكان المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي اعلن ان الجيش الاسرائيلي هاجم خلية لـ”حزب الله “بالإضافة إلى ذلك هاجمت طائرة مقاتلة بنية تحتية ومبنى عسكريًا تابعًا للحزب.كما شن الطيران الاسرائيلي غارة على بلدة محيبيب حيث سقطت قذيفة بين المنازل من دون وقوع اصابات. واستهدف القصف مارون الراس وعيترون وجبل الباط وحامول واللبونة في منطقة الناقورة ومروحين واطراف بلدة البستان. في المقابل، اصدر “حزب الله” سلسلة بيانات بالعمليات التي نفذتها ضد المواقع الاسرائيلية فاستهدف تجمعاً للجنود في محيط موقع الضهيرة وثكنة شوميرا وتجمعا للجنود في موقع المنارة وموقع المالكية بصاروخ بركان والموقع البحري، وموقع راميا .