كتبت صحيفة “النهار”: مع انضمام لبنان الى الدول العربية والإسلامية التي بدأ فيها اليوم شهر رمضان، لم تختلف الانطباعات والوقائع المتصلة بمصير المواجهات الحربية الشرسة الجارية على حدوده الجنوبية مع إسرائيل، عن تلك المتصلة بحرب غزة ولو بالتفاوت الكبير الذي لا يزال قائما بين الحربين وحجم الخسائر البشرية والمادية الذي خلفته كل منهما. ذلك ان المعطيات الماثلة لدى مختلف الجهات المعنية برصد المشهد الحربي والتحركات الديبلوماسية التي لا تنقطع سعيا الى إحلال هدنة في غزة ولو بعد بدء شهر رمضان اليوم، تميل الى منتهى التشاؤم في إمكانات تحقيق اختراق سلمي بالوسائل الديبلوماسية لتبريد جبهة غزة ومن ثم تلقائيا جبهة الجنوب اللبناني بعدما عكست تحركات الأيام الأخيرة اخفاق الجهود الديبلوماسية في إحلال “هدنة رمضان” التي يبدو ان بلوغها صار اشد تعقيدا من قبل، وتاليا فان واقع النزف المتواصل الذي يشهده الجنوب اللبناني يبدو مرشحا للاستمرار طويلا. حتى ان احد المعنيين تخوف من ان يشكل هذا الإخفاق الديبلوماسي محفزا محرضا لإسرائيل على مزيد من الإجراءات التفريغية لغزة من جهة وتوسيع رقعة الدمار والشلل في مناطق المواجهة في جنوب لبنان، وهو امر لم يعد يحتاج الى اجتهادات وتقديرات ما دامت إسرائيل ماضية بلا هوادة الى اعتماد التصعيد المتدحرج، وكان من آخر مآثرها في جنوب لبنان ارتكاب مجزرة جديدة في خربة سلم أودت بأربعة أفراد من عائلة واحدة وتسببت بجروح محتلفة لتسعة مواطنين اخرين.
ولم يكن أعلان الجيش الإسرائيلي امس أنه “يتمرّن على الإمداد متعدد الأذرع تحت النيران في إطار الاستعداد للمناورة البرية في الجبهة الشمالية” سوى تصعيد لحرب التهويل على لبنان. وأشار في بيان الى انه: “خلال الأسبوع الماضي أقيم تمرين عملياتي شمل تزويد الإمدادات اللوجستية جوا وبرا بقيادة هيئة التكنولوجيات واللوجستيات وبالتعاون مع قيادة المنطقة الشمالية، وسلاح الجو وغيرها من الوحدات التابعة لذراع البر. تدربت القوات خلال التمرين على نقل المعدات، والمياه، والوقود، وأنواع الذخيرة خلال الطوارئ إلى القوات المناوِرة التي تخوض القتال على الجبهة الشمالية. شمل التمرين تحميل معدات حملتها طائرات سلاح الجو وإفراغها ونقل المعدات بواسطة مركبات على الأرض”. وكشف انه “منذ نشوب الحرب تم إنجاز سبع عمليات تزويد بإمدادات لوجستية جوًا من قبل وحدة الإمدادات الجوية التابعة للواء “هماروم”، والتي تم خلالها إدخال حوالى 110 أطنان من الإمدادات لصالح القوات المناوِرة في غزة. أما برًا فتم إنجاز آلاف العمليات اللوجستية الأخرى بواسطة قوافل لوجستية. الجيش جاهز لتنفيذ عمليات مشابهة على الجبهة الشمالية أيضا، بكثافة عالية وتحت النيران إذا لزم الأمر”.
في غضون ذلك احتدمت الجبهة الجنوبية على نطاق واسع غداة المجزرة التي أرتكبتها إسرائيل في بلدة خربة سلم وأودت بأربعة شهداء من عائلة واحدة ونحو تسعة جرحى. وأعلن الجيش الإسرائيلي امس إطلاق 35 صاروخًا من جنوب لبنان باتجاه إسرائيل واعتراض عدد منها. وعصرا اشارت وسائل إعلام إسرائيلية الى إطلاق 30 صاروخًا من لبنان باتجاه مزارع شبعا وإطلاق صفارات الإنذار في مناطق عدة في الشمال .
ورد “حزب الله” امس على هذه المجزرة بعدد كثيف جدا من العمليات ضد المواقع الإسرائيلي. وبدأ بقصف مستوطنة ميرون بعشرات صواريخ الكاتيوشا. كما شنّ هجوماً جوياً بمسيرتين انقضاضيتين على مرابض المدفعية في عرعر، كذلك استهدف تجمعاً للجنود الإسرائيليين شرق موقع بركة ريشا .ولاحقا اعلن الحزب استهدافه آلية عسكرية إسرائيلية من نوع “نمير” في موقع المالكية ومن ثم التجهيزات التجسسية في موقع الرادار في مزارع شبعا كما استهدف الحزب ثكنة معاليه غولان بالأسلحة الصاروخية كما استهدف عصرا موقعي السماقة والرمثا في تلال كفرشوبا. واعلن مساء انه عاود استهداف ثكنة معاليه غولان للمرة الثانية بعشرات صواريخ الكاتيوشا .
ومساء امس نعت “الجماعة الإسلامية – قوات الفجر” ثلاثة من مقاتليها سقطوا في غارة إسرائيلية .
مكافحة التمويل
ولعل ما كان لافتا في تداعيات المواجهات الجارية في الجنوب الكشف السبت الماضي عن مهمة قام بها في بيروت نائب مساعد وزير الخزانة الأميركية لشؤون الارهاب والجرائم المالية في آسيا والشرق الأوسط جيسي بايكر حيث التقى مسؤولين ماليين لبنانيين يومي الخميس والجمعة الماضيين، وحضّهم على اتّخاذ إجراءات صارمة ضدّ شركات ماليّة غير قانونيّة تحوّل الأموال الى حركة “حماس”. واثار الكشف عن الخبر استغرابا واسعا لجهة تكتم السلطة اللبنانية وإخفاء خبر مهمة المسؤول الأميركي رغم الدلالات السلبية لاي تستر على هذا التطور. وكان مسؤول في الخزانة الأميركية، طلب عدم الكشف عن هويته، كشف ان بايكر عبّر في لقاءاته عن مخاوف محدّدة لدى الإدارة الأميركية بشأن “حركة أموال حماس عبر لبنان، وأموال حزب الله القادمة من إيران إلى لبنان ثم إلى مناطق إقليمية أخرى”، داعياً إلى “إجراءات استباقية” لمكافحتها. وقال المسؤول إن “الجماعات تحتاج إلى تدفق الأموال لدفع رواتب مقاتليها والقيام بعمليات عسكرية ولا يمكنها تحقيق أهدافها بطريقة أخرى”. وذكر أن “امتثال لبنان للمعايير العالمية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، هو ركيزة أساسية لجذب الاستثمارات من الولايات المتحدة وباقي دول العالم وإخراج البلاد من أزمتها التي طال أمدها”. وأضاف أنّ بايكر “طالب لبنان باتخاذ إجراءات صارمة ضد القطاع الكبير من شركات الخدمات المالية غير المشروعة التي ازدهرت مع انهيار النظام المصرفي الرسمي في البلاد على مدى أربع سنوات من الأزمة الاقتصادية، بما في ذلك الصرافة غير القانونيّة وعمليات تحويل الأموال غير المرخصة”.
المفتي والبطريرك
وعشية بدء شهر رمضان توجه مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان من اللبنانيين قائلاً: “لبنان في دائرة الخطر، والسبب الأول هو الشغور الرئاسي، فانتخاب رئيس للجمهورية، هو الخطوة الأولى نحو بناء الدولة، والطريق الصحيح القويم، في تفعيل عمل مؤسسات الدولة المترهلة”. وقال: “مهما اختلفت الرؤى السياسية. علينا بالتوافق والتعاون للاستقرار والاستمرار في وطننا، الذي هو بحاجة إلينا جميعا لحسن إدارة البلد بهمة أبنائه، إن الأولوية المطلقة اليوم، هي إجراء انتخاب رئيس للجمهورية، ولا يمكن أن نخرج من أزماتنا إلا بإنجاز هذا الاستحقاق، لنحافظ على وحدتنا الوطنية، فلبنان لا يعيش إلا بجناحيه، المسلم والمسيحي، ولا نرضى إلا بالمساواة التي نص عليها اتفاق الطائف، ولا يساس لبنان بمنطق الرابح والخاسر، أو القوي على الضعيف، بل كلنا أقوياء بكلمة الحق، ومنتصرين لوطننا ولشعبنا”.
بدوره دان البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي مجددا المجازر الإسرائيلية في غزة وقال : “نرفض صمت دول العالم خوفًا على مصالحهم، مضحّين بشعب محروم من أرضه، ومن حقّه بدولة خاصّة به وفقًا لقرار 181 لمنظمّة الأمم المتّحدة المصوّت عليه في 29 تشرين الثاني 1947 بشأن قسمة فلسطين إلى دولتين: عبريّة وعربيّة وتحديد حدودهما. إنّا نشجب بشدّة حرب الإبادة الجارية في غزّة ونطالب العالم بإيقافها. ونحن في لبنان نبتغي عدم الإنزلاق في هذه الحرب العمياء والحقود، وحماية الجنوب والمواطنين، والذهاب على الفور إلى انتخاب رئيس للجمهوريّة من أجل إنتظام المجلس النيابيّ والحكومة وسائر المؤسّسات الدستوريّة. من هذا المنطلق ننظر بكثير من الإيجابيّة إلى مبادرة “تكتّل الإعتدال الوطني”، وإلى مساعي “لجنة السفراء الخماسيّة” راجين للإثنين النجاح، وشاكرين لهم على الجهود والتضحيات.
بري وكتلة “الاعتدال”
اما في المشهد السياسي الداخلي فتميزت زيارة “كتلة الاعتدال الوطني” السبت لعين التينة بحرص الكتلة على تبديد الانطباعات السلبية التي تحدثت عن فشل وإخفاق مبادرتها بل تعمدت تعميم أجواء إيجابية في وقت استمرت التساؤلات والشكوك الأساسية حيال مصير هذه المبادرة في ظل امتناع “حزب الله” عن إبلاغ الكتلة، اسوة بكل الكتل الأخرى، موقفه من مبادرتها بما يبقي الشك كبيرا جدا حيال إمكانات تحقيقها اختراقا إيجابيا عمليا. وقال رئيس مجلس النواب نبيه بري عن لقائه بكتلة الإعتدال “اللقاء كان إيجابياً وانا اللي بحط آلية للمبادرة وما في رئيس غير رئيس المجلس”.
وقال النائب وليد البعريني عن اللقاء: ” الذين كانوا يعولون بأن المبادرة قد نسفت نبشرهم ونطمئنهم أنه بالعكس تماماً المبادرة الآن قد أخذت دفعاً قوياً والجولة الثانية قد لا تكون اعلامية صحيح ولكن سنثبت للرأي العام في الداخل والخارج وكذلك الرأي العام الإعلامي، أن المبادرة بإذن الله ناجحة وسنكمل بها”.
ورداً على سؤال حول الاسس التي ترتكز عليها المبادرة والياتها وموقف “حزب الله” منها، اجاب البعريني: “لقد وضعنا الآلية ولا ننكر أن للحزب رأيا أساسيا ونحن بإنتظار جوابه، والآلية التي رسمناها مع الرئيس بري آلية ايجابية جداً، وسوف نوضحها من خلال عملنا وتواصلنا مع كافة الكتل التى زرناها وسوف نعود لزيارتها”.