كتبت صحيفة “البناء”: في بيان رسمي تلاه جون كيربي الناطق بلسان البيت الأبيض ومجلس الأمن القومي الأميركي، أكد الرئيس الأميركي جو بايدن، وأعاد التأكيد بلسان وزير خارجيته أنتوني بلينكن، أن واشنطن لم تعد قادرة على تحمل أكلاف التوحش الإسرائيلي، وأنها سوف تضطر لتغيير سياساتها ما لم تغير «إسرائيل» سلوكها، بما يأخذ بالاعتبار حجم الحرج الذي تسببه السلوكيات الإسرائيلية وما تلقاه من تنديد عالميّ يضع إدارة الرئيس الأميركي في مواجهة حلفاء من جهة، ويتسبّب لها بخسارة جمهور وناخبين من جهة أخرى، كما لخّصت مصادر متابعة للعلاقات الأميركية الإسرائيلية الخلفيّة التي تسببت بكلام توبيخيّ نسبته وسائل الإعلام الأميركية والإسرائيلية للرئيس بايدن في مخاطبته لرئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، خلال محادثة هاتفية بينهما ليل أمس.
وبالاستناد الى المصادر، فإن الموقف الأميركي يتلخص بأربع نقاط: لا نقاش في معركة رفح، وغضب من جريمة اغتيال فريق المطبخ العالميّ، وإصرار على فتح المعابر أمام المساعدات الإنسانية، وتفويض مفتوح لرئيس الموساد ورئيس الشاباك للتوصل الى حل تفاوضيّ حول وقف النار وتبادل الأسرى.
تأتي هذه المحادثة في لحظة حرجة تسببت بها الغارة الإسرائيلية على القنصلية الإيرانية في دمشق، وما فتحته من أبواب للتصعيد الذي لا تريده واشنطن، وهي لا تستطيع أن تخاطب طهران طلباً لتخفيض التصعيد بينما لم تستطع منع الغارة الإسرائيلية التي جلبت التصعيد، فكيف تطلب من الخصم ما عجزت عن ضمانه من الحليف. ووفقاً لوسائل الإعلام الإسرائيلية فإن نتنياهو وعد بايدن بالتلبية السريعة لطلباته، وتحمل رغم عنجهيّته لغة التوبيخ، وكان مهتماً بأن يسمع من بايدن ما يؤكد أن واشنطن لن تتخلى عن «إسرائيل» في هذه اللحظات العصيبة التي تنتظر خلالها ضربة إيرانية.
داخل الكيان لم يحظ الكلام الأميركي بما كان سيحظى به لولا الانشغال بالاستعداد للضربة الإيرانية، حيث الحكومة والجيش في حال استنفار، دعوات للاحتياط ووقف إجازات في الجيش ونقل بطاريات دفاع جوي إلى الشمال والشرق، وإخلاء ملاجئ في تل أبيب وغوش دان، وسائر المدن الكبرى، بينما تسبّب تهافت المستوطنين على سحب الأموال النقديّة من الصرافات الآلية الى نفاد السيولة، وفرغت رفوف السوبرماركات من المواد التموينيّة بسبب التسابق على تخزين هذه المواد، ومولدات الكهرباء نفدت من الأسواق، ما استدعى من الناطق بلسان الجيش أن يخرج في إطلالة استثنائية مخصّصة للدعوة إلى تقنين سحب الأموال وتخزين المواد التموينية، وشدّ الأعصاب وتجاوز حال الهلع.
ويطلّ الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في كلمة له خلال إحياء يوم القدس العالمي، ومن المتوقع وفق ما علمت «البناء» أن يتطرّق السيد نصرالله الى أهمية المناسبة بعد عملية طوفان الأقصى والحرب الدائرة ضد العدو المطوَّق بجبهات عدة، كما سيحدّد السيد نصرالله باسم محور المقاومة مسار المواجهة في المرحلة الجديدة في الحرب بعد العدوان الإسرائيلي على القنصليّة الايرانيّة في دمشق، وأن يفصح عن معادلات جديدة تتلاقى مع ما أعلنه الإمام السيد علي الخامنئي في خطابه الذي هدّد فيه كيان الاحتلال الصهيونيّ بأنه سيدفع الثمن. كما سيتلاقى مع ما سيعلنه قادة محور المقاومة في العراق واليمن وفلسطين. وسيردّ السيد نصرالله على التهديدات التي يطلقها المسؤولون الإسرائيليون ضد لبنان ويعيد صياغة قواعد وخطوط الاشتباك على الجبهة الجنوبية وأهميتها في شلّ منطقة شمال فلسطين المحتلة والضغط على حكومة الاحتلال وتخفيف الضغط عن غزة، واستعداد المقاومة في لبنان لأي سيناريو كتوسّع الحرب على لبنان أو في المنطقة. كما سيؤكد السيد نصرالله بأن العدوان الأخير على القنصلية الإيرانية في دمشق هو تطوّر خطير ولن يمرّ من دون عقاب. كما سيلقي الضوء على أهمية الضباط الإيرانيين الشهداء في دعم حركات المقاومة في المنطقة لا سيما في فلسطين، خصوصاً العميد الشهيد محمد رضا زاهدي.
وفي سياق ذلك، رأى نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم أن «إسرائيل» هي التي تجرّ المنطقة إلى الحروب وإلى المشاكل، مؤكدًا استعداد المقاومة بشكل كامل لأيِّ تطوّرات يمكن أن تحصل.
وقال الشيخ قاسم خلال كلمة في الاحتفال التأبيني للشهيد على طريق القدس أحمد جواد شحيمي (أبي حسين) في بيروت: «نحن لا نجرّ لبنان إلى الحرب، بالعكس «إسرائيل» هي التي تجرّ المنطقة إلى الحروب وإلى المشاكل، أميركا هي التي تجرّ المنطقة إلى الحروب والمشاكل، نحن في موقع الدفاع وفي موقع المواجهة وفي موقع منع هذا الاستكبار وهذا الاحتلال من أن يحققا أهدافهما».
وتابع قاسم: «كلنا سمعنا أنَّه بعد 4 أيام من أحداث 7 تشرين، كان لدى نتنياهو والحكومة تصميم على الهجوم على لبنان، يومها كما تذكر الروايات التي أصبحت معلنة أنَّ بايدن هو الذي طلب منهم أن لا يدخلوا في هذه المعركة الآن، إذًا كانت لديهم نية للمبادرة بالحرب، ولكنهم عندما رأوا هذا التصميم وهذه المواجهة كَفُّوا لأنَّهم يعلمون الثمن الذين سيدفعونه».
وأضاف الشيخ قاسم: «صحيح أنَّ هذه التضحيات كبيرة، لكن لا بُدَّ أن ألفت نظركم إلى أنَّ «إسرائيل» تُعتّم تمامًا على خسائرها العسكرية والبشرية من أجل أن تكمل بطريقة معيَّنة ومن أجل أن تثبِّط عزائم الطرف الآخر، ولكن خسائر العدوّ كبيرة جدًا، إخواننا صوَّروا الكثير من الأفلام التي بيّنت حجم الخسائر عندهم ولكنهم لا يعلنون عنها، وهذا لا يهمّنا أصلًا». وأشار قاسم إلى أن هناك سقفاً «للمواجهة مع العدوّ الإسرائيلي رسمناه بإرادتنا وقناعتنا، وهو سقف يتناسب مع متطلبات المواجهة والمعركة في هذه المرحلة، وهذا السقف مرتبط بمدى العدوان».
وحذّر قاسم من «أنْ توسَّع العدوّ توسّعنا وإن لم يتوسّع بقي هذا السقف على وضعه، ولا تراجع بالنسبة لنا عن هذه المواجهة إلى أن يتم الحل بإيقاف العدوان على غزَّة. وهذه القاعدة قاعدة حاكمة وقائمة في الوقت الذي نكون فيه مستعدّين بشكل كامل لأيِّ تطوّرات يمكن أن تحصل حتّى لا يباغتنا العدوّ، لكن لا تراجع عن هذا السقف».
وأشار السفير الإيراني مجتبى أماني خلال حفل إفطار أقامته السفارة الإيرانية بمناسبة «يوم القدس العالمي» في مقرّ السفارة في بئر حسن الى أن «تخبّط هذا الكيان الغاصب أمام فشله في تحقيق أي إنجازات ميدانية والقضاء على جذوة المقاومة، يدفعه إلى ارتكاب الحماقات التي لن تجلب له سوى المزيد من الوهن والخراب. من جملة هذه الإفلاسات اعتداءاته السافرة قبل أيام على مقرّ دبلوماسي للقنصلية الإيرانية في العاصمة دمشق الأمر الذي أسفر عن استشهاد كوكبة وضاءة من قياديي ومستشاري حرس الثورة الإسلامية. هذه الأعمال المتهوّرة لن تبقى بالتأكيد دون رد، وكما وعد قائد الثورة الإمام السيد علي الخامنئي دام ظله فإن الصهاينة سيندمون على جريمتهم وسيعاقب هذا الكيان الخبيث على يد رجالنا الشجعان وسيندم على هذه الجريمة وأمثالها من الجرائم».
ولفت الى أن «فلسطين والقدس ستكون محور الوحدة وتمييز الحق عن الباطل. كما نشاهد في الميدان التضامن مع هذه القضية من كل لبنان والعراق واليمن والمقاومة البطوليّة في داخل الأراضي المحتلة من حماس والجهاد وباقي الفصائل التي تؤمن بالمقاومة. مضيفاً أن فلسطين لن تعود إلا بالجهاد والمقاومة، وأي طريق آخر لن يُعيد أي أرض محتلة. فالمفاوضات والقرارات الدوليّة منذ احتلال فلسطين لم تكن إلا تسويفًا وخداعًا وسرابًا.
الى ذلك، نفذت المقاومة الإسلامية، سلسلة عمليات نوعيّة دعمًا للشعب الفلسطيني الصامد في قطاع غزة وإسنادًا لمقاومته الباسلة والشريفة، حيث استهدف مجاهدو المقاومة مقر كتيبة ليمان المستحدث وتموضعًا لجنود العدو خلف موقع جل العلام في القطاع الغربي. واستهدفت المقاومة أيضًا فريقًا فنيًا «إسرائيليًا» أثناء قيامه بصيانة التجهيزات الفنيّة والتجسسيّة في موقع بياض بليدا بالأسلحة المناسبة، كما استهدفت موقعَي رويسات العلم ورويسة القرن.
وحذرت أوساط دبلوماسية أوروبية من تزايد خطر انزلاق الوضع في الجنوب الى حرب شاملة بعد ارتفاع حدة العمليات العسكرية من الطرفين، مشيرة لـ»البناء» الى أن استهداف «إسرائيل» لمركز دبلوماسي ايراني في دمشق عمل خطير يتجاوز الخطوط الحمر وسيتسبب بتصعيد متبادل على مستوى المنطقة.
وحذر الناطق الرسمي باسم قوات «اليونيفيل» في لبنان أندريا تينينتي من أن «الوضع في جنوب لبنان بات مقلقاً وخطيراً للغاية»، وأضاف أن تبادل إطلاق النار الذي بدأ قبل أشهر كان ضمن حدود خمسة إلى ستة كيلومترات قرب الخط الأزرق، لكنه توسع إلى مناطق في العمق اللبناني ووصل بعض الاستهدافات إلى بعلبك والهرمل شمال شرقي البلاد بمسافة تبعد 130 كيلومتراً من الخط الأزرق. وعن تطور الأمور واحتمال ذهابها إلى ما هو أخطر، يشدد تيننتي في حديث صحافي على أن لا أحد يستطيع التنبؤ بأخطار تلك الاستهدافات ومستقبل تلك الجبهة، إذ إن أي خطأ في الحساب يمكن أن يشعل نزاعاً أوسع، وقال «نعمل مع الأطراف لمحاولة تهدئة الوضع منذ عدة أشهر والأهم منع انزلاق الجبهة نحو حرب خطيرة».
على الصعيد السياسي، انعقد مجلس الوزراء برئاسة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي في السراي الحكومي، وقال ميقاتي في مستهل الجلسة: «أجرينا نقاشاً مستفيضاً حيال ما يحصل في الجنوب وطلبنا المساعدة السريعة، خصوصاً أن هناك حوالى 100 الف نازح من قرى الجنوب و331 شهيداً وحوالى 1000 جريح، والكارثة الكبرى هي في الأضرار الحاصلة في القطاع الزراعي… وأنا أرى وجوب أن نعلن منطقة الجنوب منكوبة زراعياً، خصوصاً أن هذه المشكلة ستنسحب على السنوات المقبلة. الأمر ذاته ينسحب على القطاع التربوي، حيث هناك حوالى 75 مدرسة مغلقة نهائياً، ناهيك عن ملف إعادة إعمار ما تهدم وأولوية البحث عن مصادر التمويل».
وأكد ميقاتي أن «السلام الحقيقي الذي ننشده هو (سلام العدالة الإنسانية) ونرفع الصوت إلى المجتمع الدولي منددين بالاعتداءات ومطالبين بردع العدو ووقف الحرب وإحلال السلام وإبعاد الحرب عن المنطقة. وأحب أن أؤكد من خلال مجلس الوزراء ان للبنان أصدقاء في كل دول العالم يعملون بصدق للضغط على العدو الإسرائيلي لوقف عدوانه على لبنان. كما نثمن الاتصالات والزيارات التي تقوم بها مراجع دولية صديقة ومحبة للبنان، سعياً للإسهام بايجاد مخارج حل للأزمة الرئاسية، ونؤكد ان انتخاب رئيس للجمهورية هو مطلب الجميع، وهو في أولويات خياراتنا التي تعزز الثقة بلبنان كدولة ووطن. مسؤوليتنا جميعاً ان نهتم بأحوالنا، بمقدار اهتمام الدول بنا. إن التلاقي والتحاور هما أقصر طريق لإنقاذ وطننا من خطر الفراغ والأزمات المفتوحة على أخطار كثيرة».
وقال ميقاتي: «فوجئنا صباح اليوم بملامح أزمة ديبلوماسية مع قبرص، حيث هاجمت بعض الصحف القبرصية لبنان على خلفية ملف النازحين الذين يصلون الى قبرص بطريقة غير شرعية عبر المياه اللبنانية. لقد أجريت الاتصالات اللازمة مع السلطات القبرصية وأكدت الحرص على افضل العلاقات مع قبرص ولا نقبل أن نصدر أزمة النازحين اليها. وشددت خلال الاتصالات على أننا، في ملف النازحين، أمام واقع يجب على العالم تفهمه. النازحون يدخلون الى لبنان خلسة ولا أحد من الدول يساعدنا في ضبط الحدود، فإذا قررنا ترحيل السوري الى بلاده نواجه بمسألة حقوق الإنسان، وبالنسبة للحدود البحرية فنحن نعمل على ضبطها قدر استطاعتنا».
وأعلن وزير العمل مصطفى بيرم بعد الجلسة، رفع الحد الأدنى للأجور في القطاع الخاص إلى 18 مليون ليرة لبنانية، لافتًا إلى انه تمّ إقرار مرسوم زيادة المنح المدرسيّة. أيضاً، أعلن وزير التربية في حكومة تصريف الأعمال عباس الحلبي أن مجلس الوزراء وافق على مرسوم الاستعاضة عن الشهادة المتوسطة بامتحان وطني موحّد تجريه المدارس الرسمية والخاصة، مشيرًا إلى أحكام خاصة لتلامذة الجنوب.