كتبت صحيفة “النهار”: لم يكن التدهور الميداني الآخذ في التفاقم والاتساع في الجنوب وعلى امتداد الحدود مع إسرائيل يحتاج الى اطلاق تهديدات إضافية لوزير الدفاع الإسرائيلي بـ”صيف ساخن”، اذ ان وتيرة تبادل المواجهات والغارات والقصف بين الجيش الإسرائيلي و”حزب الله” شهدت في الساعات الأربع والعشرين الفائتة مستوى قياسيا جديدا من العنف والحدة بما رفع تاليا وتيرة المخاوف من انفجار ميداني واسع الى الذروة. وسواء صحت التوقعات المتصلة بجولات الجهود الديبلوماسية لوقف النار في غزة بحيث عادت الرهانات على تعويم جهود إحلال هدنة هناك تنسحب تلقائيا على الجنوب اللبناني، تبرز مخاوف من نيات إسرائيلية تحديدا لعدم الربط اطلاقا بين أي تهدئة محتملة في غزة وتهدئة مترابطة معها في الجنوب حتى لو كان معظم المراقبين يتعاملون مع التهديدات الإسرائيلية للبنان من منطلق كونها دعائية وظرفية الى حين بلورة التطورات في غزة أولا. ولكن المخاوف تكتسب جديتها في ظل التدمير المنهجي الذي يطاول البلدات والقرى الحدودية بحيث بدا واضحا ان أسوأ السيناريوات المطروحة هو إطالة امد حرب الاستنزاف والتدمير ولو عجزت إسرائيل عن تنفيذ تهديداتها بعملية كبيرة لا تزال مستبعدة الى حدود كبيرة لأسباب ميدانية واستراتيجية وديبلوماسية عديدة.
في مناخ التصعيد الميداني المتواصل هذا اطلق وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت أثناء تفقده الحدود مع لبنان امس تهديدات جديدة فقال : “يبدو أن الصيف المقبل سيكون ساخنًا” ، ولفت إلى أن “العمليات في الجبهة الشمالية لم تكتمل. .. ما حدث في غزة سيتكرر في شكل جنوني في لبنان” . وعن إعادة سكان الشمال إلى بيوتهم، قال: “مصرون على إعادة سكان شمال إسرائيل إلى بيوتهم بأمان وإعادة بناء ما تهدم”.
في غضون ذلك كان الطيران الحربي الاسرائيلي ينفذ سلسلة غارات استهدفت أطراف بلدة عيتا الشعب والمنطقة الحرجية الواقعة بين عيتا الشعب ورامية. كما سجّلت غارة على الأطراف بين حولا ومركبا فيما استهدفت المدفعية الاسرائيلية أطراف الناقورة وكفرشوبا وحلتا وكفرحمام وبلدة يارون. واستهدفت الطائرات الإسرائيلية تل نحاس في أطراف بلدة كفركلا. وأغار الطيران على تلة الغزلان في عرمتى في جبل الريحان، وعلى بلدة الخيام. وأدّت الغارات الى اشتعال النار في الاحراج المتاخمة للخط الازرق قرب بلدتي رامية وعيتا الشعب. وقال الجيش الإسرائيلي انه شنّ “هجمات واسعة النطاق” في لبنان، بلغت 18 غارة على جبل بلاط وأطراف بلدتي رامية وبيت ليف في القطاع الأوسط . واعلن بعد الظهر أنه شن هجوماً واسع النطاق على أكثر من 20 هدفاً لـ”حزب الله” . واستهدفت غارة منزلا في الحارة الجنوبية الغربية لبلدة الخيام ما ادى الى سقوط 3 شهداء وعدد من الاصابات، فضلا عن تدميره بشكل كامل، حيث عملت فرق الاسعاف على رفع الانقاض. ولاحقا شن الطيران الحربي الإسرائيلي غارة أخرى على العديسة وأفادت معلومات ان إصابات سجلت في منزل دمرته الغارة فيما أفادت تقارير لاحقة ان عنصرين من “حزب الله” سقطا في الغارة.
وفي المقابل كثف “حزب الله “عملياته، فاعلن استهداف مبنى يستخدمه جنود اسرائيليون في مستعمرة المطلة وآخر في مستعمرة المنارة ومبنيين في مستعمرة شلومي. كما اعلن بعد الظهر انه “بعد رصد ومتابعة لحركة جنود العدو الإسرائيلي في موقع المالكية وعند دخولهم الى احدى دشمه استهدفناها بالصواريخ الموجهة وأصبناها إصابة مباشرة. وبالتزامن مع ذلك، دكينا الموقع بقذائف المدفعية واوقعنا أفراد حاميته بين قتيل وجريح. كما استهدفنا تجهيزاته التجسسية ودمرناها”.
وكان الحزب اعلن تنفيذ “هجوم جوي بمسيّرات انقضاضيه على مقر قيادة اللواء الغربي المستحدث في يعرا وأصابه بدقة”. واعلن ايضا استهدافه بصاروخ بركان مقر قيادة الفرقة 91 في ثكنة برانيت الإسرائيلية.
واشارت وسائل إعلام إسرائيلية الى ان “حزب الله” استهدف قاعدة بيرانيت في الجليل الغربي بصاروخ بركان بعد وقت قصير من مغادرة وزير الدفاع يوآف غالانت”. وعصرا، اعلن الحزب استهدافه موقع السماقة في تلال كفر شوبا اللبنانية المحتلة . وكانت وسائل إعلام إسرائيلية قد اشارت في وقت سابق الى حادثة على الحدود الشمالية أدت إلى مقتل جندي احتياط وعدد من الإصابات وافادت وسائل إعلام إسرائيلية بأن حزب الله أطلق أكثر من 50 صاروخاً مضادا للدروع على شمال إسرائيل امس.
تحركات لبنانية
في المشهد الداخلي حضرت تطورات الجنوب وملف النزوح في لقاء رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي النائب تيمور جنبلاط على رأس وفد من نواب اللقاء الديمقراطي مع رئيس مجلس النواب نبيه بري واكد الوفد “ضرورة حصول وقف فوري ودائم لإطلاق النار وتطبيق القرار الدولي 1701، لإعادة الاستقرار إلى الجنوب ومنع الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة”. كما عرض الوفد الورقة التي أعدها الحزب التقدمي الإشتراكي في ما يتعلق بملف النازحين السوريين في لبنان “حيث كان تأكيد على أن تتم معالجة هذا الملف برؤية وطنية واحدة ضمن مؤسسات الدولة وبما تقتضيه ضرورة التعامل مع هذه القضية بعيداً عن التحريض والاستغلال، وضمن ما يحفظ هيبة الدولة وكرامة المواطن اللبناني”.
كذلك طرح ملف الجنوب في نيويورك بين الوفد النيابي المعارض الذي يقوم بجولة جديدة بين واشنطن ونيويورك ونائبة الأمين العام للأمم المتحدة روزماري ديكارلو، وأوضح عضو الوفد النائب غسان حاصباني ان الوفد “أوصل رسالة واضحة بالنسبة إلى تطبيق القرار 1701 وأهميّة تطبيقه اليوم، في ظلّ خطر الحرب الواسعة على لبنان، إضافة إلى موضوع النازحين السوريّين ودور الأمم المتحدة بعدم تشجيع النزوح الأكبر إلى لبنان وتأدية دورها بحسب المعاهدات والاتفاقات الموقّعه معها وعدم الخروج عن السيادة اللبنانيّة، بما فيها أوّلاً تخفيف الدعم للنازحين السوريين الموجودين بطريقة غير شرعية على الأراضي اللبنانية، خصوصا أن لبنان في المعاهدات والاتفاقات التي وقّعها مع الأمم المتّحدة هو بلد عبور وليس بلد لجوء”. أضاف “لا يمكن لأيّ شخص نزح إلى لبنان البقاء فيه أكثر من سنة، إذا لم يكن وضعه قانونيّاً. ولذا، يجب أن يرحّل إلى بلد آخر أو إلى بلده، إذا كان هناك من إمكانيّة، وكانت الساحة آمنة”.
القرار 1559
وسط هذه الأجواء برزت الملاحظات التي أوردها الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس في التقرير نصف السنوي الذي قدمه الى مجلس الأمن في جلسته امس حول تنفيذ القرار 1559 ( 2004 ) اذ أعرب عن “القلق إزاء عدم احراز تقدم في تنفيذ احكام القرار” ولفت الى انه يواصل “تشجيع الجهات الفاعلة اللبنانية المعنية على إعادة تنشيط الجهود الرامية الى اجراء حوار وطني جامع بغية معالجة القضايا العالقة”. وأشار الى ان “اشتداد تبادل اطلاق النار عبر الخط الأزرق خلال الفترة المشمولة بالتقرير بين حزب الله والميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية الأخرى وجيش الدفاع الإسرائيلي يثير قلقا بالغا . وان احتفاظ حزب الله بقدرات عسكرية كبيرة ومتطورة خارج سيطرة حكومة لبنان واستخدامه لها ما زالا يشكلان مصدر قلق بالغ ..” ولفت الى ان ” الدعوات الصادرة عن شرائح عدة من السكان اللبنانيين من اجل التنفيذ الكامل للقرار 1559 ورفضها حيازة السلاح خارج نطاق سلطة الدولة تشير الى ان احتفاظ حزب الله بالسلاح لا يزال مسألة مثيرة للانقسام داخل المجتمع اللبناني “. وقال “أنا أواصل حث الحكومة والجيش في لبنان على اتخاذ كل التدابير اللازمة لمنع حزب الله والجماعات الأخرى من الحصول على الأسلحة ومن بناء قدرات شبه عسكرية خارج نطاق سلطة الدولة في انتهاك للقرارين 1559 و 1701 “. كما اعتبر ان استمرار مشاركة حزب الله في النزاع الدائر في سوريا “لا يشكل انتهاكا لسياسة النأي بالنفس ولمبادئ اعلان بعبدا لعام ٢٠١٢ فحسب بل ينطوي أيضا على خطر اقحام لبنان في النزاعات الإقليمية وعلى تقويض استقرار لبنان والمنطقة “. ودان بشدة “جميع انتهاكات سيادة لبنان وسلامته الإقليمية” . واعتبر ان “الضربات التي يشنها جيش الدفاع الإسرائيلي في الأراضي اللبنانية تقوض الأمن وتزيد من حدة التوترات “. ولفت أيضا الى ازمة الفراغ الرئاسي واعتبر انه ” لا يمكن معالجة الازمة المتعددة الجوانب في البلد الا بانتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة كاملة الصلاحيات وتنفيذ إصلاحات شاملة ” ودعا القادة اللبنانيين “الى تغليب المصلحة الوطنية والعمل معا للخروج من المأزق السياسي الذي طال أمده لما فيه مصلحة جميع الطوائف والناس في لبنان ” وناشد النواب اللبنانيين ” الاضطلاع بواجبهم الدستوري في انتخاب رئيس جديد دونما مزيد من التأخير في انتخابات رئاسية حرة نزيهة وفقا للقواعد الدستورية اللبنانية الموضوعة دون تدخل او نفوذ أجنبيين تمشيا مع القرار 1559 “.