كتبت صحيفة “البناء”: غادر الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله الساحة بحضوره الذي كان العلامة الفارقة لثلاثة عقود مضت، كان خلالها صانع الحروب والسياسات وأحد أكبر اللاعبين في الإقليم، ومضى سيد المقاومة شهيداً على طريق القدس، مؤكداً أن مثله لا تليق به غير الشهادة، ولا شهادة أسمى من الشهادة على طريق القدس، في حرب افتتحها لأجل فلسطين التي كانت بوصلته وعشقه وافتداها بروحه ودمه، بعدما خذل العالم حق فلسطين بالحياة وحق شعبها بأرضه ووطنه، وخذلها العرب وتخلّوا عنها وتركوها وحيدة لقدر الاستيطان والتهويد والقتل المفتوح والتدمير، فشحذ السيد همم المقاومين في المنطقة في محور مقاوم أخذ على عاتقه نصرة فلسطين ومقاومتها، مستنداً إلى دعم إيران وسورية ومشاركة اليمن والعراق. وقد نجح المحور في خلق استعصاء للحرب التي شنّها كيان الاحتلال على غزة ومقاومتها وشعبها، وأوصله إلى طريق مسدود، حتى قررت واشنطن توفير أسباب القوة للاحتلال بما يتيح توجيه ضربة للمقاومة في لبنان تتيح فرص السعي لتغيير موازين القوى، فكانت الحزمة القاتلة التي بدأت بتفخيخ أجهزة البيجر والاتصال وانتهت بحملة قصف تدميريّة في الجنوب والبقاع والضاحية ورافقتها حملة اغتيالات لقادة وكوادر المقاومة توّجها اغتيال السيد بغارة نفذتها أول أمس طائرات الـ “إف 35” مستخدمة قنابل ثقيلة تستخدم للمرة الأولى ملقية 85 طناً من المتفجرات، وصلت الى أعماق الأرض، فاستشهد السيد والذين كانوا معه قادة وكوادر وحراساً، ونعاه حزب الله أمس، معاهداً على مواصلة طريقه، بينما قالت مصادر متابعة لمسيرة حزب الله إن قادته منصرفون على النهوض بالبنية وترميم الأضرار التي لحقت بها، وانتخاب أمين عام يخلف السيد نصرالله في خط المقاومة ويقود الحرب حتى النصر الذي وعد به نصرالله.
غياب السيد نصرالله وقع صدمة قاسية على دول المقاومة وقواها، وقد أُعلن الحداد في كل من بيروت ودمشق وبغداد وصنعاء وطهران، بينما صدرت بيانات نعي القائد الشهيد من القادة الذين عاصروه وأصابهم استشهاده بالذهول، وبينما عاهدته حركتا حماس والجهاد الإسلامي على مواصلة طريق المقاومة حتى النصر، كان الإمام علي الخامنئي قد نعاه مؤكداً أن النصر سيتحقق على يد المقاومة، كما نعاه كل من المرجع السيد علي السيستاني، الرئيس السوري بشار الأسد، رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني، زعيم حركة أنصار الله اليمنية السيد عبد الملك الحوثي، رئيس مجلس النواب نبيه برّي ورئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي أسعد حردان، بينما ندّدت موسكو بالاغتيال.
فيما يسود الترقب لما بعد اغتيال الأمين العامّ لحزب الله، السيد حسن نصرالله، وتهافت التصريحات الإسرائيليّة التصعيديّة، ومن جملتها تلك التّي تُهدّد باجتياحٍ بريّ إسرائيليّ محتمل للبنان. تواصل قوات الاحتلال الإسرائيليّ عدوانها الواسع على لبنان، بشنّها غاراتٍ عنيفة على عدّة بلدات وقرى في الجنوب والبقاع والضاحيّة الجنوبيّة لبيروت، ومرتكبةً المجازر بحقّ المدنيين في هذه المناطق.
بالتزامن مع اغتيال السيد الشهيد حسن نصرالله أو بعد اغتياله، استمرّت الغارات الإسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت، يعلن معها جيش العدو الإسرائيلي عن تنفيذ عمليات دقيقة ومحددة وعمليات اغتيال. وصدر عن حزب الله البيان الآتي بشأن مراسم تشييع أمينه العام الشهيد السيّد حسن نصرالله: “تُجري القيادة اتصالات مكثفة ومشاورات على أعلى المستويات مع العراق وإيران، حيث من المقرر أن يُقام تشييع تاريخيّ في بيروت. كما ستُقام صلاة الغائب في إيران. بعد ذلك، سيتمّ نقل الجثمان الطاهر على متن طائرة رئاسيّة إلى كربلاء، ليُوارى الثرى في الصحن الشريف بجوار جده الإمام الحسين”.
من جهة أخرى، كشف مصدران لـ”رويترز” أنّه تمّ انتشال جثة السيد نصر الله من الموقع الذي استهدفه العدوّ الإسرائيليّ يوم الجمعة الماضية في الضاحية الجنوبية لبيروت. وأضاف المصدر أنّ “جثة نصرالله لا تظهر عليها آثار جروح، ويبدو أنّ سبب الوفاة هو شدّة الانفجار”.
وبعد نعي حزب الله أمينه العام يوم السبت، استهدفت غارة إسرائيلية مبنى في منطقة الشياح في الضاحية الجنوبية لبيروت، والهدف كان القيادي في الحزب، الشيخ نبيل قاووق. وقد نعى الحزب قاووق قائلاً إنه نال وسام الشهادة الإلهيّة الرفيع: “لقد تولى الشيخ الشهيد العديد من المسؤوليات التنظيمية في وحدات حزب الله المختلفة جديراً بالأمانة التي حملها، عالماً رسالياً ومجاهداً كبيراً وكان موجوداً بشكل دائم في ساحات الجهاد قريباً من المجاهدين في الخطوط الأمامية وقضى عمره الشريف في ميادين الجهاد والعطاء والتضحية”.
كذلك نعى حزب الله الشهيد القائد علي كركي، الرجل الثالث عسكرياً في الحزب، وقائد الجبهة الجنوبية منذ 8 تشرين الأول 2023.
واستشهد 18 شخصاً على الأقلّ جرّاء غاراتٍ إسرائيليّة على بلداتٍ في شرق لبنان وجنوبه أمس. كما وأفادت تقارير لبنانيّة عن استشهاد 11 شخصًا جراء غارةٍ إسرائيليّة استهدفت منزلًا في بلدة العين في البقاع الشماليّ شرقي لبنان. كما استشهد 19 في منطقة بزبّود في البقاع، فضلًا عن 5 في حلبتا و7 في الهرمل. وقالت التقارير إنّه تمّ انتشال جثامين 6 من الشهداء جرّاء الغارة، بينما لا تزال أعمال الإنقاذ مستمرة لانتشال جثامين الخمسة الآخرين. من جهته، أعلن الدفاع المدنيّ استشهاد 7 مسعفين في غارتين إسرائيليتين على بلدتي قبريخا وطيردبا جنوبي لبنان. وشن العدو غارات جويّة جديدة على الضاحية الجنوبية لبيروت ومناطق أخرى في لبنان، كما أُفيد عن تجدّد الغارات الإسرائيليّة على مواقع في مدينة صور والبقاع ومناطق أخرى جنوبي لبنان. وأفيد عن استشهاد محمد دحروج مسؤول في الجماعة الإسلامية مع زوجته الدكتورة ديانا الدسوقي وابنها بهاء مغامس في غارة جب جنين.
وقالت وزارة الصحة اللّبنانيّة إنّ 4 شهداء و4 جرحى سقطوا نتيجة اعتداءات العدو الإسرائيليّ على جب جنين ويحمر في البقاع الغربيّ. وأفيد عن “مجزرة جديدة في غارة على منازل في حي البساتين في بعلبك، ومناشدات للدفاع المدني والصليب الأحمر من أجل التوجه إلى المنطقة وإسعاف المصابين”.
وأعلن مركز عمليّات طوارئ الصّحة العامّة التّابع لوزارة الصّحة العامّة، في بيان، أنّ “اعتداء العدو الإسرائيلي على عين الدلب، أدّى في حصيلة أوّليّة إلى استشهاد 24 شخصًا وإصابة 29 شخصًا بجروح”.
كما قصفت المدفعيّة الإسرائيليّة، بلدتي كفرشوبا وكفركلا جنوبي لبنان. فيما أغار سلاح الجوّ الإسرائيليّ، وبالتزامن، على بلدات عدّة في منطقة بعلبك وتحديدًا تمنين والنبي شيت، شرقي لبنان. وأعلن جيش العدو في وقتٍ مبكر، أنّه قصف عشرات الأهداف التابعة لحزب الله في لبنان في السّاعات الماضية، ومن بينها “قاذفات موجّهة نحو “إسرائيل”.
في المقابل سقطت 7 صواريخ أطلقت من لبنان في طبريا في الجليل الأسفل شمالي الأراضي المحتلة. وقالت صحيفة العدو “يديعوت أحرونوت” إن صفارات الإنذار دوّت في طبريا والجليل الأسفل وجنوب الجولان قبل سقوط الصواريخ بقليل. وفي سياقٍ متصل، أصدرت السّلطات الإسرائيليّة تعليمات لسكّان الجليل الأعلى وصفد وشمال الجولان للبقاء قرب الملاجئ والمناطق المحمية، تحسبًا لإطلاق صواريخ من لبنان، وفق صحيفة يديعوت أحرونوت.
وقال حزب الله إنه استهدف قوة إسرائيلية لدى دخولها إلى موقع راميا بقذائف المدفعية وإنه حقق إصابات مباشرة جراء ذلك. كما وقال حزب الله إنه قصف مدينة صفد المحتلة بصلية صاروخية إسنادًا لغزة ودفاعًا عن لبنان. وشنّ الحزب هجومًا جويًّا بسرب من المسيرات الانقضاضية على معسكر ألياتكيم، مُستهدفةً أماكن تموضع واستقرار ضباطها وجنودها وأصابت أهدافها بِدقة.
وسياسياً، وصل وزير الخارجية الفرنسية جان نويل بارو مساء أمس إلى لبنان، وفق ما أعلنت وزارته. ويعتزم وزير الخارجية “التباحث مع السلطات المحلية وتقديم الدعم الفرنسي، وخصوصاً الإنساني”.
ويستهل وزير الخارجية الفرنسي لقاءاته الرسمية من بكركي بلقاء مع البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي في التاسعة صباحاً ثم يعقد اجتماعات متتالية، حيث يلتقي في العاشرة صباحاً رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، ومن ثم قائد الجيش جوزيف عون ورئيس المجلس النيابي نبيه بري.
وسيعقد بارو ظهر اليوم اجتماعاً مع منسق الأمم المتحدة في لبنان وقوات الطوارئ اليونيفيل، على أن يختتم الزيارة بمؤتمر صحافي.
وأشار وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي، الى انه “تحدّث مع نظيره الفرنسي بشأن الوضع في لبنان واتفقا على ضرورة وقف إراقة الدماء”، لافتاً إلى أننا “اتفقنا على ضرورة تمكين الدعم الإنساني وإنجاز حل دبلوماسي ينهي الصراع”.
كما ناقش وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في اتصال مع وزير الخارجية الفرنسي أهمية جهود تجنب تصعيد الصراع في لبنان”، لافتاً الى أنهما “ناقشا دفع العملية السياسية في لبنان لتنفيذ قرار مجلس الأمن 1701”.
وأمل الرئيس نجيب ميقاتي بأن نصل إلى وقف إطلاق النار”. وأكّد: “اطّلعنا على الإحصاءات المتعلقة بمراكز الإيواء وأعداد النازحين وحاجاتهم وقد يصل عدد النازحين إلى نحو مليون شخص”. وأضاف ميقاتي: “نقوم بكلّ ما يلزم ضمن إمكاناتنا ولا يمكن إلا أن نتشكّر كل من ساعد وفتح منزله ولكن العدد كبير جدّاً”، متابعاً “موضوع النفايات التي تتراكم في بعض المناطق يجب حلّه وكذلك موضوع المدارس ومراكز الإيواء واتفقنا أن تتابع وزارتا التربية والشؤون هذا الأمر”. وأشار إلى أنّه “بحثنا في دعوة للمحافظين للاجتماع في السراي مع الوزراء المختصين من أجل البحث في الحاجات ونقوم بتسهيل دخول الهبات شرط معرفة المانح”، مؤكداً “نُطالب الدول المانحة بالمساعدة في هذه المرحلة الصعبة التي نمرّ بها وسنجتمع مع الهيئات المانحة الثلاثاء المقبل”. وعن آخر المستجدات الداخلية، أوضح ميقاتي: “بحثنا في موضوع الأمن وأُطمئن أنّ قوى الأمن تتابع ذلك مع الأخذ بالاعتبار أمن مراكز الإيواء وسنتّخذ الإجراءات اللازمة في ما يخصّ الموجودين على الطرقات”، مشيراً إلى أنّه “طلبنا من وزارة الاقتصاد التشدّد في حماية المستهلك وملاحقة كلّ من يستغلّ الوضع لرفع الأسعار”. وقال: “لا خيار لدينا سوى الدبلوماسية ومهما طالت الحرب سنعود إلى الـ1701 ولذلك فلنوفّر الدماء ولنذهب إلى الاتفاق والجيش اللبناني حاضر لهذا الأمر”، معتبراً أنّ “الوضع اليوم صعب ويجب أن نكون يداً واحدة لتمرير هذه المرحلة و”انشالله الله ينقذ هالبلد وتمرق هالمرحلة على خير””. تابع ميقاتي: “لبنان لا يزال يؤمن بالشرعية الدولية والأمم المتحدة، بينما غيرنا لا يؤمن إلا بشريعة الغاب والقوّة”.
وتلقى رئيس الحكومة اتصالاً هاتفياً من رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني، الذي جدد “موقف العراق الثابت والمبدئي بدعم لبنان والوقوف معه، واستمرار العراق بتقديم كل المساعدات التي يحتاج إليها الشعب اللبناني الشقيق”، مشدداً على “ضرورة تنسيق الجهود العربية والإسلامية من أجل إيقاف الاعتداءات الصهيونية المستمرة التي تهدد أمن المنطقة واستقرارها”. كما قدّم السوداني، خلال الاتصال “تعازيّ العراق، حكومة وشعباً، باستشهاد الأمين العام لحزب الله اللبناني السيد حسن نصر الله ورفاقه”.
وشجبت سورية عملية اغتيال كيان العدو للأمين العام لحزب الله حسن نصرالله معلنًا الحداد لمدّة ثلاثة أيام. وكان بيان سابق للخارجية السّوريّة وصف اغتيال إسرائيل للأمين العام لحزب الله حسن نصرالله بأنه “عدوان دنيء”، وذلك بعد ساعات من إعلان الحزب استشهاده بغارة جويّة إسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت.
وأعلن الاتحاد الأوروبي، أننا “خصّصنا 10 ملايين يورو لدعم المتضررين في لبنان من الأعمال العدائية بين حزب الله و”إسرائيل”.