كتبت صحيفة الجمهورية تقول: مرّت عشرة أيام على الكارثة التي دمّرت مدينة بيروت، والسلطة منقسمة في ما بينها حول مَن يتولّى التحقيق في جريمة المرفأ، إلى أن قررت الحكومة أخيراً تحويل هذه الجريمة إلى المجلس العدلي، في حين إنشغل المسؤولون باستقبال موفدين دوليّين أتوا للبحث في الوضع السياسي العام وإمكان الإختراق في جدار الملف الحكومي للتوصل إلى حكومة حيادية تثق بها غالبية الشعب اللبناني، ومنهم مَن أتى للمساعدة الإنسانية والكشف على الأضرار، وتأمين المواد اللازمة للبناء وإعادة ترميم المنازل المتضررة.
حتى الآن يراهن المنكوبون على بلوغ التحقيق الحقيقة المرجوّة لهذه الجريمة التي أصبحت في عهدة المجلس العدلي، حيث تسلّم المحقق العدلي في انفجار مرفأ بيروت القاضي فادي صوان ادّعاء النائب العام لدى المجلس العدلي القاضي غسان عويدات مع محاضر التحقيقات الاولية، وباشَر في دراستها تمهيداً للبدء بإجراء استجواباته الاثنين المقبل.
وشملت ورقة الطلب التي أعدّها القاضي عويدات، الادعاء على 25 شخصاً في جريمة انفجار مرفأ بيروت بينهم 19 موقوفاً، أبرزهم مدير مرفأ بيروت المهندس حسن قريطم، مدير عام الجمارك بدري ضاهر والمدير العام السابق للجمارك شفيق مرعي، وعلى كل من يُظهره التحقيق فاعلاً أو شريكاً أو متدخلاً أو مقصّراً، بجرائم الإهمال والتقصير والتسبّب بوفاة أكثر من 177 شخصاً، وجرح الآلاف وإصابة عدد كبير من الجرحى بأضرار وأعطال وتشوهات جسدية وحالات عجز دائمة، إضافة إلى تدمير مرفأ بيروت ومنشآته بالكامل، ومنازل المواطنين وممتلكات عامة وخاصة، وطلب استجواب هؤلاء وإصدار مذكرات التوقيف اللازمة بحقهم سنداً لمواد الادعاء ولمعطيات التحقيق.
الخبراء
على انّ التعويل الاساس للمنكوبين من انفجار المرفأ ليس على السلطة ووعدها بكشف الحقائق في غضون ايام معدودة ولم تفعل، بل على ما سيستخلصه الخبراء الفرنسيون والاتراك والروس، والذين سينضم اليهم بعد ظهر غد الأحد فريق من مكتب التحقيقات الفيدرالية “اف بي آي”، من استنتاجات ودلائل من مسرح الكارثة.
وبحسب المعلومات، فإنّ خبراء التحقيق الاجانب يركزون في تحقيقاتهم على مجموعة أمور:
أولاً، مسار سفينة نيترات الامونيوم، وكيف وصلت الى بيروت؟ ولماذا وصلت؟ ومن أوصلها؟ وكذلك لماذا تم إفراغها؟
ثانياً، كيف تم تخزين هذه المواد؟ وهل روعِيت معايير السلامة والحماية التي تتطلّبها مثل هذه المواد الخطيرة؟ وهل تمّ تخزينها وحدها، أم انّ مواد أخرى قد خزّنت معها؟ ومن أوعَز بتخزين هذه المواد؟ ولماذا؟
ثالثاً، فرضية التفجير غير المقصود الناجم عن إهمال وسوء ادارة وتقدير.
رابعاً، فرضية التفجير المقصود بعامل داخلي. ومن هنا يُجري المحققون عمليات تنقيب عن أدلة وقرائن، ولا سيما بعض الآثار لمواد متفجرة غير نيترات الامونيوم. (مصادر مواكبة للتحقيق تشير الى انّ هذا التحقيق يسير بتقنية وسريّة مطلقة، وخبراء التحقيق الاجانب لم يوحوا حتى الآن بأنهم وصلوا الى ما يؤكّد فرضية التفجير المقصود من الداخل).
خامساً، فرضية التفجير المقصود بعامل خارجي، بصاروخ او ما شابه. ومن هنا، تتحدث المصادر عن استعانة فريق المحققين الاجانب بصور جوية لمسرح الجريمة، قبل الانفجار، وأثناءه، وبعده. ولم يكشف التحقيق حتى الآن ما اذا كان قد وصل الى خيوط تؤكد هذه الفرضية او تنفيها، علماً انّ هناك حديثاً عن تقرير شبه نهائي، أعدّته دوائر عسكرية ومخابراتية أوروبية، بالاستناد الى صوَر جوّية ثابتة ومتحرّكة لموقع الانفجار، تستبعد فرضية العامل الخارجية بنسبة تزيد عن 90 في المئة.
زحمة موفدين
يأتي ذلك، في وقت يشهد لبنان زحمة موفدين دوليين إليه. وبرزت في هذا السياق زيارة مساعد وزير الخارجية الاميركية للشؤون السياسية السفير دايفيد هيل، الذي أجرى محادثات مع كبار المسؤولين اضافة الى الرئيس سعد الحريري، مؤكداً “وقوف الولايات المتحدة الأميركية الى جانب لبنان واللبنانيين في المحنة التي يواجهونها”، ولافتاً الى انّ “واشنطن لن تتدخل في الشأن اللبناني الداخلي بل ستتعاون مع السلطات اللبنانية ومع الأصدقاء والحلفاء في المنطقة لمساعدة لبنان وشعبه، الذي يجب الاصغاء إليه والسهر على تحقيق تطلعاته”، وشدّد في الوقت نفسه على أهمية تحقيق الإصلاحات في البلاد والمضي في مكافحة الفساد، معتبراً انّ ذلك يفتح الباب أمام تحرير أموال مؤتمر “سيدر” والتعاون مع صندوق النقد الدولي، لأنّ ذلك ما يحتاجه لبنان حالياً.
الترسيم
وكان لافتاً للانتباه انّ ملف ترسيم الحدود، جرى التداول فيه حصراً بين هيل ورئيس المجلس النيابي نبيه بري، حيث أكد المسؤول الاميركي للرئيس بري “على التقدم الحاصل على مسار ترسيم الحدود البحرية، وانه فرصة يحتاجها لبنان كما المنطقة”. وفي هذا الاطار الايجابي تحدثت معلومات عن زيارة قريبة للمسؤول الاميركي عن ملف الترسيم دايفيد شينكر الى بيروت.
وفي الجانب الآخر من النقاش شرح الرئيس بري للسفير هيل “رؤيته للاصلاح المنشود وما سبق أن عرضه في جلسة مجلس النواب أمس الاول”، مشدداً على “ضرورة الاسراع بتشكيل حكومة تضطلع بمسؤولية الاعمار والاصلاح، وان تتقدّم بنهج مختلف عن سابقاتها لتكتسب ثقة الشعب اللبناني” .
بيت الوسط
وبعد لقاء هيل بالرئيس الحريري، أشارت أوساط بيت الوسط الى انّ التركيز في الاجتماع كان على الحاجة الى اعادة إعمار ما دمّره الانفجار في بيروت بسرعة قصوى، وإقامة برنامج طوارىء لمواجهة آثاره والاصلاحات المطلوبة لوقف الانهيار تمهيداً لإخراج لبنان من الازمة الاقتصادية. كذلك تمّ التركيز على مدى استعداد الولايات المتحدة الاميركية والمجتمع الدولي للمساعدة والمساهمة مالياً واقتصادياً في هذين المجهودين الضرورين. ولفتت الاوساط الى “انّ الاجتماع كان ايجابياً، واتفق على مواصلة المشاورات حول هذين الموضوعين لتأمين فرَص النجاح للمساعي الدولية الجارية حالياً”.
وصول الحاملة الفرنسية
وكذلك، برزت زيارة وزيرة الجيوش الفرنسية السيدة فلورانس بارلي التي أجرت محادثات مع كبار المسؤولين، مؤكدة انّ “على اللبنانيين تشكيل حكومة قادرة على اتخاذ قرارات شجاعة”.
الى ذلك، أعلنت قيادة الجيش – مديرية التوجيه، في بيان، انّ “حاملة الطوافات الفرنسية “PHA Tonnerre” وصلت إلى مرفأ بيروت أمس، وعلى متنها وحدة من فوج الهندسة في الجيش الفرنسي مصطحبة معها الآليات الهندسية والعتاد اللازم للمشاركة في عملية رفع الأنقاض وإزالة الركام من مرفأ بيروت”.
وأشارت القيادة الى انّ “حاملة الطوافات المذكورة محمّلة أيضاً بمواد طبية وغذائية ومواد بناء وآليتين مخصّصتين كهبة للدفاع المدني، وذلك من ضمن المساعدات التي ترسلها الدول الشقيقة والصديقة إلى لبنان بعد الانفجار الكارثي الذي وقع في المرفأ”.
ظريف
وعلى خط الموفدين ايضاً، برزت زيارة وزير الخارخية الايراني محمد جواد ظريف، الذي أبدى استعداد ايران لمساعدة لبنان في شتى المجالات، مؤكداً على “الموقف الثابت والدائم لإيران التي تعتقد انّ لبنان هو المؤهّل ليأخذ القرارات المصيرية بشأن مستقبله والخيارات التي يريدها في المرحلة المقبلة”. وقال: “انّ لبنان هو الطرف الوحيد المخوّل له ان يقرر في هذا المجال، ولا ينبغي لأيّ طرف أجنبي ان يستغلّ الوضع المأساوي الذي يعانيه طرف ما من أجل فرض إملاءاته عليه”.
مشاورات تسبق الاستشارات
سياسياً، حتى الآن لم يبرز أيّ مؤشّر يوحي بأنّ استشارات التكليف ستجري الاسبوع المقبل، وذلك لعدم توفّر التوافق على شخصية لرئاسة الحكومة الجديدة.
اللافت للانتباه هو انّ “المطبخ الداخلي” شبه معطّل، ما خَلا مشاورات تجري بين بعض المستويات السياسية المعنية بطبخة التكليف، من دون ان يكون لها أي أثر تقريري على مستوى حَسم اسم الشخصية التي ستشكّل الحكومة.
تليين مواقف
وعلمت “الجمهورية” انّ حركة المشاورات الخارجية التي تجري بوتيرة سريعة وبحماسة فرنسية لافتة، ويحاول فيها “الطبّاخ الخارجي” إنضاج الطبخة واستجماع عناصرها الفرنسيّة والاميركية والسعودية وكذلك الايرانية، تتواكَب في الداخل مع حركة مكثّفة بعيداً عن الاضواء لـ”تليين المواقف”، تقوم بها “جهات مسؤولة” تزكّي تسمية الرئيس سعد الحريري لرئاسة الحكومة، في اتجاه “بيت الوسط”، وكذلك في اتجاه جهات سياسية يشوب موقفها لبس أو غموض حيال هذه التسمية.
هل تحصل مفاجأة؟
على انّ الصورة الجامدة حالياً على خط الاستشارات الملزمة، قد تكون قابلة لأن تتبدّل خلال اليومين، اذا ما حدثت على خط المشاورات الخارجية مفاجأة إيجابية بالاعلان عن “تفاهم ما على شخصية ما”، يسحب نفسه تلقائياً على الداخل اللبناني، بما يُطلق الاستشارات النيابية الملزمة لتكليف رئيس الحكومة، في موعد لا يتعدى منتصف الاسبوع المقبل، الّا اذا تعذّر بلوغ هذا التفاهم. ومعنى ذلك انّ موعد الاستشارات سيتعرّض لتأخير إضافي، ربما لا يكون سقفه الاسبوع المقبل فقط.
الأسماء محدودة
وبحسب معلومات “الجمهورية”، فإنّ الاشارات الخارجية التي ترد الى المستويات السياسية في لبنان، تشير الى انّ النقاش الجاري يتمحور حول أمرين:
الأول، مساعدة اللبنانيين على تجاوز المحنة التي يمرّون فيها، وكذلك مساعدتهم على إنجاز الملف الحكومي، وتشكيل حكومة جديدة تحظى بأوسع توافق لبناني عليها، في أسرع وقت ممكن، تتولى مهمة احتواء آثار الانفجار الرهيب الذي حصل في مرفأ بيروت، وتوفير المعالجات اللازمة للأزمة الاقتصادية والمالية في هذا البلد، وإجراء الاصلاحات العميقة التي تتطلّبها مختلف القطاعات والمرافق في الدولة، وفي مقدمها مكافحة الفساد، بما يلبّي تطلعات ومطالبات مختلف فئات الشعب اللبناني.
الثاني، مساعدة اللبنانيين، على أن تكون على رأس الحكومة الجديدة، شخصية توافقية، لها حضورها وثقلها.
أسماء… ولا حسم
وبحسب تلك الاشارات، فإنه حتى الآن لم يحسم اسم تلك الشخصية، فالنقاش الجاري حول هذا الامر محصور بعدد محدود جداً من الأسماء، ولكن لا يمكن إدراجها كلّها في خانة الجدية.
الّا انّ ما تلفت اليه تلك الاشارات، وآخرها ورد قبل وقت قصير جداً، هو انّ اسم الرئيس سعد الحريري ما زال يتصدّر هذه الاسماء – كأفضلية – بوَصفه الشخصية الأكثر ملاءمة من سائر المرشحين المفترضين لتشكيل حكومة في هذه المرحلة، أيّاً كان شكل الحكومة: حكومة وحدة وطنية تتمثل فيها كل الاطراف، او حكومة وحدة وطنية بأوسع تمثيل فيها، او حكومة مختلطة تكنوسياسية، أو حكومة اختصاصيين، او اي حكومة يتم التوافق على شكلها ومضمونها بين القوى السياسية اللبنانية، بالاستفادة من التجارب الحكومية السابقة، بحيث يُستفاد من السلبيات ونقاط الفشل والإخفاق، وتُبنى على الايجابيات المقاربات الجديّة للأزمة اللبنانية، بالحلول والعلاجات المطلوبة، وفي مقدمها الاصلاحات التي صارت أمراً حتمياً، وفرضَتها تطورات الازمة في لبنان، القاعدة الاساس للعمل ونقطة الارتكاز لأي حكومة مقبلة.
الطبّاخ الخارجي مستعجل
والبارز في تلك الاشارات، كما تؤكد لـ”الجمهورية” مصادر سياسية معنية بها، هو انّ المشاورات الخارجية ليست محكومة لزمن مفتوح، بل انّ الطبّاخين الخارجيين للحكومة، ووفق ما تبلّغت جهات لبنانية رفيعة المستوى، يُسابقون الوقت من جهتهم، ويغلّبون المنحى الايجابي على تلك المشاورات، وربطاً بهذه الايجابية، فهم يجزمون بأنّ مهمتهم ستخلص في وقت ليس ببعيد الى حسم اسم شخصية تحظى بتوافق اللبنانيين عليها، والمسألة مسألة ايام قليلة، خصوصاً انّ أجندة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون وفريق عمله محصورة حالياً ببند أساسي هو لبنان، وانه وضع كل ثقله وهيبته في هذا الملف، لِحسمه قبل زيارته الى بيروت مطلع ايلول المقبل، ذلك انّ عدم حسم التكليف على الاقل، قبل هذه الزيارة، سيشكّل ضربة معنوية كبرى للرئيس الفرنسي وهيبته، ومن شأن ذلك، إذا حصل، أن يدفع بالملف الحكومي برمّته الى تعقيد كبير لن يكون من السهل إعادة التقاطه وفَكفكة عقده، وهذا معناه المزيد من الانتظار، وفترة طويلة من تصريف الاعمال في ظل حكومة مستقيلة، والنتيجة الاكيدة لهذا الاخفاق، المزيد من السلبيات في الازمة الاقتصادية والمالية التي يعانيها لبنان”.
الداخل ينتظر
واذا كان الداخل السياسي بشكل عام ينتظر تصاعد الدخان الابيض من “مطبخ الخارجي” وحَسم اسم “الرئيس المكلّف”، والذي يعدّ اشارة الانطلاق في الاستشارات الملزمة بطريقة انسيابية تتجاوز أي تحفّظ قد يُبديه اي طرف على اسم الشخصية المتوافق عليها، الّا انّ هذا الداخل منقسم على نفسه، وليس مجتمعاً على اسم واحد، بل يبدو انّ لكل طرف مرشحه:
– تيار “المستقبل”، يتصرّف حيال الاستحقاق الحكومي من منطلق “العايز والمِستغني”، إذ انه لم يُبد ممانعة في عودة الرئيس سعد الحريري الى رئاسة الحكومة، كما لم يُبد موافقة صريحة على ذلك، كما لم يرشّح أحداً غير الحريري. وبالتأكيد انه لن يرشّح احداً غير رئيسه، التزاماً بما أعلنه الحريري قبل فترة قصيرة من انه لن يغطي أحداً قريباً منه لرئاسة الحكومة. وكتأكيدٍ على ترشيحه للحريري، قرنَ حركة المشاورات الجارية في الداخل والخارج بالاعلان عن انّ عودة الحريري الى رئاسة الحكومة مرهونة بجملة شروط سبق أن اعلن عنها، وخلاصتها إطلاق يده في الحكم على رأس حكومة اختصاصيين، ومن دون اي عرقلة، والتي قال انه كان يتعرّض لها من قبل رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل ومن هم خلفه.
– الثنائي الشيعي، فقد اتخذا موقفاً منذ لحظة تقديم الرئيس حسان دياب استقالة حكومته، بعدم الدخول في بازار الاسماء، وحسما موقفيهما لناحية دعم ترشيح الرئيس سعد الحريري.
– “التيار الوطني الحر”، فعلى الرغم من عدم ورود إشارات اعتراضية من قبل رئيس الجمهورية العماد ميشال عون على عودة الحريري الى رئاسة الحكومة، كتلك التي كانت تتوالى في الفترة السابقة للانفجار الرهيب في مرفأ بيروت، واستقالة حكومة دياب التي أعقبته، فإنه، أي التيار، لم يبدِ موقفاً واضحاً مؤيداً او رافضاً لعودة الحريري، بل يتجاذبه رأيين:
الأول، يقول بالذهاب الى دعم ترشيح الحريري، بمعزل عن الخلاف العميق معه، والذي تصاعد بشكل كبير جداً بعد استقالة حكومته، ووضعها في متراسين متقابلين لطالما تبادلا الهجومات القاسية بين الحريري ومن خلفه تيار “المستقبل” مع حلفائه، وبين رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل ومِن خلفه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وحلفاء العهد.
الثاني، ما زال يبدي تصلباً حيال الحريري، ويرفض عودته، ذلك انّ التجربة معه كانت فاشلة، وتكرارها معناه الفشل من جديد، وعدم الانسجام معه خلال ترؤسه الحكومة، فضلاً عن انّ الاشارات التي تُرسل من قبله مباشرة او عبر المحيطين به ليست مطمئنة، اذ انها تنطوي على شروط تعجيزية لا يمكن القبول بها، كمثل تشكيل حكومة يتفرّد بقرارها.
– “الحزب التقدمي الاشتراكي”، موقفه رمادي وغير واضح حتى الآن، وإن كان رئيسه وليد جنبلاط قد أيّد، بعد لقائه الاخير مع الرئيس نبيه بري قبل يومين، الذهاب الى حكومة طوارىء، الّا انه في عمق الموقف لم يعطِ إشارة يُفهم منها انه يؤيّد عودة الحريري الى رئاسة الحكومة، علماً انه لم يخفِ منذ استقالة حكومة سعد الحريري، تأييده ترشيح السفير نواف سلام لرئاسة الحكومة، وكان له موقف سلبي جداً من “القوات اللبنانية” وتيار “المستقبل” لعدم تسمية نواف سلام في استشارات التكليف السابقة، واتهمهما بخذلانه.
– “القوات اللبنانية”، المصابة بخيبة أمل من تيار “المستقبل” و”الحزب التقدمي الاشتراكي”، لعدم تقديمهما الاستقالة من المجلس النيابي، فإنها لم تُبد حماسة لحكومة على شاكِلة الحكومات السابقة، ورئيسها سمير جعجع آثر الّا يبيع موقفاً مؤيّداً للحريري، بل أوحى بعكس ذلك، حينما سُئل بعد اجتماع تكتل “الجمهورية القوية” في معراب قبل يومين عن إعادة تسمية الرئيس سعد الحريري، حيث قال: “نحن مع حكومة جديدة، ومستقلة تماماً، وحيادية تماماً، ولسنا مع طرح حكومات الوحدة الوطنية”.
مَن يشوّش؟
وفي سياق ما تقدّم، تحدثت معلومات عن انّ جهات لبنانية مصنّفة في خانة الحليفة للحريري، تحاول ان تدخل على خط المشاورات الخارجية، عبر قنوات سياسية وديبلوماسية، لقطع الطريق امام الحريري وتزكية أسماء بديلة منه.
وأكد مرجع سياسي معني هذه المعلومات، وقال لـ”الجمهورية”: “مع الأسف، هناك جهات لبنانية مصرّة على ان تعمل لغير مصلحة لبنان ولا تكترث للبنان، وللحال الذي وصل إليها. لقد حلّت فينا كارثة كبرى فوق الكارثة الاقتصادية والمالية التي نعانيها، ومع ذلك يأتي من يحاول التشويش لمنع التوافق، وقطع الطريق على تشكيل حكومة تلمّ البلد، وتُعيد جمع شمل كل اللبنانيين. إنّ مصلحة لبنان هي في تشكيل الحكومة في أقرب وقت، ومصلحة لبنان ايضاً هي في أن يترأسها سعد الحريري”.