هدأ التفاؤل الذي رافق الأسبوع الأول من مفاوضات التأليف. العقَد كلها عادت لتقف في وجه التقدّم الذي كان قد سُجّل. أولاها هي عدد الوزراء، وبالتالي الثلث المعطل، وثانيتها مفهوم المداورة. وتضاف إليهما مطالبة التيار الوطني بحقيبة الطاقة، ومطالبة المردة بحقيبة وازنة، وتركّز الوزارات الأمنية بيد واحدة…
بعد الكثير من التفاؤل بقرب تأليف الحكومة، صار الحديث عن العقد يوحي بأن أي اتفاق لم ينجز حتى اليوم. العين مرة جديدة على جبران باسيل. اتهامه بالتعطيل تردّ عليه مصادر عونية بالتأكيد أن الحكومة ستُؤلّف في غضون أيام. لكن بالنظر إلى حجم الاختلافات، فإنه يتم التعامل مع هذا الموقف بوصفه إبعاداً لمسؤولية باسيل عن عرقلة التأليف.
عشرة أيام مرت على تكليف سعد الحريري تأليف الحكومة، كانت نتيجتها العودة إلى النقطة الصفر. الأيام الثلاثة الأخيرة لم تشهد أي تواصل بين رئاسة الجمهورية والرئيس المكلف. التكتم الشديد على المفاوضات في الأيام التي سبقت أبعد كل طرف آخر عن طاولة النقاش. ولذلك، فإن الواقع الراهن يشير إلى غياب أي وسيط داخلي أو خارجي يمكن أن يقوم بدور في تقريب وجهات النظر. في الداخل، لا تتوفر صفات الوسيط بأي طرف. وفي الخارج، لا يبدو الفرنسيون مستعدّين لزيادة الاهتمام بالوضع اللبناني بالنظر إلى الأوضاع في فرنسا، فيما يعتمد الأميركيون الحياد السلبي.
على ما تؤكد مصادر مطّلعة، فإن التفاؤل كان محقّاً ومرتبطاً بالاتفاق على أغلب التفاصيل. حينها كان الاتفاق على توزيع الحقائب قد أنجز وبدأ النقاش بالأسماء. لكن ما طرأ في مسألة عدد الوزراء هو الذي أطاح الاتفاق. بعدما وافق رئيس الجمهورية على حكومة من 18 وزيراً، عاد وأصرّ على أن تتألف من عشرين وزيراً، بهدف توزير وزير درزي ثان ووزير كاثوليكي ثان. تلك خطوة، إضافة إلى كونها شكّلت مطلباً درزياً وكاثوليكياً، اعتبرت سعياً من باسيل للحصول على الثلث المعطل، فرفضها الحريري، بالرغم من إدراكه أن الثلث المعطل لا قيمة له في التوازنات الحالية التي تسمح لأي طرف بفرط عقد الحكومة، بصرف النظر عن حصوله على الثلث من عدمه.
في حكومة الـ 18 وزيراً، كان متوقعاً أن يحصل رئيس الجمهورية مع التيار الوطني الحر على 6 وزراء بالحد الأقصى، على أن يذهب مقعد مسيحي إلى كل من الطاشناق والمردة والقومي. رفع العدد إلى 20 وزيراً سيسمح بحصول التيار على مقعد أو اثنين، وبالتالي ضمان الثلث المعطل.
هذا الثلث هو ورقة باسيل الرابحة لمنع الحكومة من تخطّيه وإصدار قرارات قد تضرّه انتخابياً. لكن هذه العقدة أعادت فتح كل العقد السابقة. المداورة، التي كانت قد حسمت عادت إلى النقاش. هل تكون المداورة سياسية أم طائفية؟ إن كانت طائفية، فهذا يعني أن الداخلية ستذهب إلى الطائفة المسيحية، إلى جانب الدفاع. “المردة” كان يمنّي النفس بحقيبة وازنة، بوصفه الحزب المسيحي الوحيد الذي سمّى الحريري. وهو سبق أن طالب بحقيبتين أيضاً تكون إحداهما لشخصية شمالية أرثوذكسية تشكل تقاطعاً بينه وبين “القومي”. وفي المقابل، كان عون يسعى إلى أن يكون الوزير القومي من الحصة السنية، بالتوازي مع رفضه التخلي عن حقيبة الدفاع أو الداخلية لمصلحة المردة. عدم تخلّيه عنهما والإصرار على أن تضاف إليهما حقيبة العدل، تعنيان وضع الأمن والعسكر والقضاء في يد واحدة، وهو ما لا يبدو مقبولاً حتى اليوم. الحريري، وتحت ضغط “البيئة” عاد ليشير إلى أن الداخلية ليست محسومة للتيار، مع التداول بفكرة أن يكون وزير الداخلية مسيحياً، لكن من حصة “المستقبل”.
ثمة من يؤكد أن المشكلة الأساس هي حقيبة الطاقة، التي يريد التيار المحافظة عليها، بعدما سبق أن اتفق على أن تؤول إلى الطاشناق. الوصول إلى حل مشترك فشل سابقاً، بعدما رفضت كارول عياط، التي رُشّحت لتولي الحقيبة، لقاء باسيل، وبعدما رفض الحريري اسم بيار خوري الذي اقترحه رئيس التيار.
بالنتيجة، توقفت المفاوضات التي كانت قد تجاوزت في وقت سابق توزيع الحقائب، حيث بدأ النقاش في الأسماء. خمسة وزراء على الأقل، إما من حاملي الجنسية الفرنسية أو من المقيمين في أوروبا، كانوا قد حزموا أمتعتهم وربما أجروا فحص الكورونا تمهيداً للعودة إلى لبنان وتسلّم حقائبهم. عاد هؤلاء وتمهّلوا، لكن المعضلة الحقيقية في أنه لم يُصر إلى اعتبار ما يُتفق عليه بمثابة المنجز. ما حصل أن كل نقطة اتفق عليها، عادت إلى صلب النقاش بعد تعذّر التأليف.
ما هي الخيارات اليوم؟ واحد من الخيارات التي كانت مطروحة يوم الجمعة، وصرف الحريري النظر عنها، هي تقديم تشكيلة وزارية تضم أسماء وزانة ولا تكون مستفزة لأحد. خيار آخر يطرحه معنيون مفاده أن يتعامل الحريري مع الحصة المسيحية كما قيل إنه تعامل مع الحصة الشيعية، أي ألّا يتدخل في الأسماء، لكن الخيار الذي يمكن أن يعيد تحريك عجلة التأليف هو العودة إلى حكومة الـ 18 وزيراً.