“تمخّض الجبل فولد فأراً”… لعله المثل الأصلح في توصيف مشهدية “الصرامة والتشدد والحزم” التي بدت في قصر بعبدا والسراي الحكومي ليست أكثر من “قنابل صوتية” خلصت في محصلتها إلى مزيد من “الميوعة والتمييع والتمديد” لمهلة تسليم شركة التدقيق الجنائي الأجوبة المطلوبة من المصرف المركزي. وليس بعيداً عن الأمثال الشعبية، أول ما يحضر على لسان مصادر مواكبة مثلٌ مقتبس بتصرّف، تعليقاً على مشهد تناتش الحصص والحقائب بين أفرقاء الحكم: “دنب السلطة أعوج”.
فأمام فجور هذه السلطة وتفوّقها على نفسها بكل المقاييس والمعايير اللامبالية واللاأخلاقية في مقاربة أزمة البلد وأوجاع الناس، يكاد اللسان يعجز في توصيف انفصام أهل الحكم عن الواقع وتعاليهم على المصلحة الوطنية العليا لتحقيق مصالح حزبية وسياسية وطائفية ومذهبية… وهم لا يتوانون، بوقاحتهم المعهودة، عن الاستمرار بمقامرات ومغامرات هدّامة لآخر فرص الإنقاذ والإصلاح، فحوّلوا المبادرة الفرنسية وحكومة الاختصاصيين إلى “بورصة” يتحكم بمؤشراتها، صعوداً أو نزولاً، سهم التحاصص ونهم الاستيزار. وبحسب مؤشر الساعات الأخيرة، تؤكد المصادر أنّ أسهم التأليف “على نزول”، ربطاً بكون الأمور عالقة “عند أكثر من نقطة والتأزم يتمدد في أكثر من اتجاه”.
وتوضح المصادر، أنّ النقاش المحتدم راهناً يتمحور حول “الحصة المسيحية” في التشكيلة العتيدة، وسط اتساع الهوة في التوجّهات بين قصر بعبدا وبيت الوسط حيال حجم هذه الحصة وتوزيعها بين الرئاسة الأولى والكتل النيابية المشاركة في عملية التكليف والتأليف، ليبدأ التوتر السائد في المشاورات على الجبهة الرئاسية، ينسحب تباعاً على الأفرقاء الآخرين في ضوء ارتفاع الأصوات المعترضة على حصة من هنا والمطالبة بحصة من هناك، محذرةً حيال ذلك من أنّ “عامل الوقت لا يلعب في صالح تقريب وجهات النظر بل يزيد من التباعد بينها”، وسط تشديدها على أنه “في حال لم تحمل الأيام القليلة المقبلة اختراقاً ما في جدار الأزمة، فإنّ العملية الحكومية برمتها قد تعود إلى نقطة الصفر مع ما يعنيه ذلك من احتمال العودة في التصلب بالمواقف إلى ما قبل مرحلة مصطفى أديب”.
في الغضون، باغت الرئيس السوري بشار الأسد أمس الساحة اللبنانية بهجوم مركّز على القطاع المصرفي، محملاً المصارف اللبنانية مسؤولية التدهور الاقتصادي والتجاري والمالي في بلاده من خلال تصويبه على مسألة احتجازها ودائع بعشرات مليارات الدولارات تعود لسوريين لديها.
وتوقفت دوائر مراقبة عند هذا التصريح معتبرةً أنه يختزن “أبعاداً جديدة وجدية قد تلقي بثقلها على كاهل الأزمة اللبنانية في المرحلة المقبلة”. وإذ أعربت عن اعتقادها بأنّ كلام الأسد هذا “سيكون له ما بعده”، رأت فيه “موقفاً متقدماً يحمل في طياته إنذاراً سورياً للمسؤولين اللبنانيين بوجوب الدفع باتجاه تسييل دفعات من تلك الودائع لضخها في الأسواق السورية”، من دون أن تستبعد أن تشهد الفترة المقبلة “حملة متصاعدة من حلفاء النظام السوري في لبنان على القطاع المصرفي والقيّمين عليه لحثهم على إيجاد تسويات معينة تتعلق بمسألة الودائع السورية، على أن تمارس ضغوط موازية في الداخل السوري على أصحاب هذه الودائع لضمان إعادة أموالهم المودعة في الخارج إلى الداخل السوري”.
وعن موجبات هذه الحملة التي افتتحها الأسد بنفسه، تساءلت مصادر متابعة عما إذا كان للأمر صلة بشح “دولار التهريب” إلى سوريا، واضعة كلام الرئيس السوري في خانة “الهجوم الاستباقي تحضيراً للمرحلة التي ستعقب توقّف الدعم من مصرف لبنان الذي تستفيد منه سوريا، تهريباً وتسريباً للمواد الحيوية اللبنانية المدعومة، والاستعداد تالياً لخيارات بديلة تتيح الاستمرار في ضخ الأوكسيجين عبر لبنان في مفاصل الاقتصاد السوري المختنق”.