يبدو من المجريات الداخلية الطارئة التي برزت في الساعات الأخيرة ان استحقاق تأليف الحكومة الجديدة صار او دفع به واقعيا في المرتبة الخلفية، فيما جرى تقديم أولويات أخرى عليه تشوبها صفات “مريبة” ولا تحمل طابع “البراءة” لجهة إشاحة الأنظار والاهتمامات عن تعطيل تأليف الحكومة. ذلك انه فيما تتصاعد تارة تلميحات ومؤشرات تبلغ مرات حدود التهديدات المبطنة بتعويم ضمني او سافر لحكومة تصريف الاعمال، وطورا تهديدات أخرى بإبقاء ازمة تأليف الحكومة مفتوحة بلا افق زمني، كانها لعبة عض على الأصابع، فيما هي استباحة كاملة للبنان وما تبقى من مقومات وجوده، برزت امس معالم انتقال معارك سياسية جديدة الى محراب مجلس النواب بما يصرف الاهتمامات طوال هذا الأسبوع عن الاستحقاق الحكومي الام، الى واقعات ومعارك ومواجهات سيكون المجلس مسرحا لها. والحال انه فيما كانت الأنظار تتجه الى جلسة اللجان النيابية المشتركة التي ستعقد اليوم للنظر في مشاريع واقتراحات قوانين تتعلق بقانون الانتخاب وسط تصاعد انقسام نيابي وسياسي عريض حول توقيت اثارة وطرح هذا الملف ومضامين بعض الاقتراحات المثيرة لخلافات عميقة ولا سيما منها اقتراح القانون المطروح من كتلة التنمية والتحرير، برزت فجأة معالم واقعة نيابية وسياسية ومالية جديدة سيكون موعدها أيضا في نهاية الأسبوع الحالي. المفاجأة الجديدة تمثلت في رمي رئيس الجمهورية ميشال عون بكرة “النكسة” العائدة الى فشل التجربة الأولى للتدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان من مرمى السلطة التنفيذية الحاكمة الى مرمى مجلس النواب في خطوة يصعب التكهن مسبقا بنتائجها، وذلك من خلال توجيه الرئيس عون رسالة الى مجلس النواب بواسطة رئيسه حول موضوع التدقيق الجنائي في مصرف لبنان، ومسارعة رئيس المجلس نبيه بري الى ملاقاتها بتحديد موعد لجلسة خاصة بها الجمعة المقبل في قصر الاونيسكو. وبذلك يكون المجلس على موعد مع مواجهتين حاميتين على الأرجح اليوم والجمعة باعتبار ان ملف قانون الانتخاب يثير انقسامات حادة معروفة ستتكشف بقوة في جلسة اللجان اليوم فيما لا يستبعد ان تشهد المجلس الجمعة المخصصة لمناقشة رسالة رئيس الجمهورية واتخاذ الموقف او القرار في شانها حماوة مماثلة على خلفية التباينات من الوقائع التي رافقت ملف التدقيق المالي الجنائي.
وقد وجه الرئيس عون رسالته عارضا فيها بالتفصيل، ومن وجهة نظر الرئاسة وموقفها من كل الجهات المعنية بالتدقيق الجنائي، المراحل التي قطعها إقرار التدقيق المحاسبي الجنائي في مصرف لبنان منذ 24 آذار الماضي والقرارات التي اتخذها مجلس الوزراء وصولا الى إبرام العقد مع شركة “الفاريز ومارسال” وابرز العراقيل التي حالت دون مباشرة الشركة مهمتها لا سيما منها ما يتعلق بموضوع السرية المصرفية “وتمنع مصرف لبنان عن تسليم المستندات والمعلومات المطلوبة على رغم الحماية القانونية التي توافرت لهذا التسليم”. واعتبر الرئيس عون ان ما حدث “يشكل انتكاسة خطيرة لمنطق الدولة ومصالح الشعب اللبناني الذي يعاني من أزمات نقدية واقتصادية واجتماعية خانقة وموروثة ومتفاقمة “. ودعا تاليا النواب الى “التعاون مع السلطة الإجرائية من اجل تمكين الدولة من إجراء التدقيق المحاسبي الجنائي في حسابات مصرف لبنان وانسحاب هذا التدقيق بمعاييره الدولية على سائر مرافق الدولة العامة … لئلا يصبح لبنان في عداد الدول المارقة او الفاشلة في نظر المجتمع الدولي”. وإذ طلب مناقشة هذه الرسالة في مجلس النواب وفقا للأصول لفت الى “ضرورة التعاون مع السلطة الإجرائية التي لا يحول تصريف الاعمال دون اتخاذها القرارات الملائمة عند الضرورة العاجلة”.
…والمواجهة الانتخابية
اما المواجهة التي يرجح ان تشهدها جلسة اللجان النيابية المشتركة اليوم حول ملف قانون الانتخاب فتكتسب جانبا من الخطورة لجهة اثارتها أجواء طائفية في ظل المعارضة الشرسة لكل من “التيار الوطني الحر” و”القوات اللبنانية” لما وصف في أوساطهما بقانون الدائرة الواحدة المهدد للتمثيل النيابي المسيحي الذي تطرحه كتلة التنمية والتحرير برئاسة الرئيس بري ناهيك عن المعارضة لتوقيت طرح هذا الملف على مشرحة التشريع وسط الظروف الكارثية التي تجتازها البلاد.
وتوقعت أوساط نيابية مواجهة حامية اليوم كان من مؤشراتها اتخاذ كتلة القوات اللبنانية قرارا بحضور الجلسة لخوض معركة رفض تغيير قانون الانتخاب الحالي بالتنسيق مع كتلة لبنان القوي للمرة الأولى منذ انفراط عقد تفاهم معراب بين الفريقين المسيحيين الأكبرين. ولم تخف الأوساط حذرها من تطييف المواجهة في ظل ما تثيره التباينات حول القانون من أجواء متوترة وإصرار التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية على سحب قانوني الانتخاب وإنشاء مجلس الشيوخ من التداول حاليا. وعلى رغم قرار المشاركة في الجلسة ذهب رئيس حزب “القوات” سمير جعجع امس الى اعتبار ما يحصل في خصوص قانون الانتخاب “مؤامرة كبرى” وسأل “بأي منطق يطرح قانون الانتخاب بعد ثلاث سنوات لا اكثر من إقرار القانون الحالي وفي ظل الانقسام السياسي الحاد ؟”. واذ تحدث عن “تقاطع وليس تحالفا” مع التيار الوطني الحر في رفض طرح قانون الانتخاب اليوم جدد حملته العنيفة على الأكثرية الحالية وحملها تبعة “الجريمة التي حصلت في التدقيق الجنائي”، كما مسؤولية التدهور منذ 17 تشرين الأول 2019 حتى اليوم وقال “رئيس الجمهورية والأكثرية النيابية عايشين على غير كوكب وغايبين عن الوعي تماما”.
وبدوره اعلن “تكتل لبنان القوي” مساء برئاسة النائب جبران باسيل انه “لن يفرط بنضال السنوات الطويلة التي أوصلتنا الى قانون انتخاب يصحح التمثيل النيابي واي بحث آخر في هذا الامر لن يكون مقبولا من جهتنا الا من ضمن حل متكامل لتطوير النظام وتعديل الدستور بإقامة الدولة المدنية بكل مندرجاتها “.
ابراهيم ووفد أميركي
في سياق آخر أفادت معلومات امس ان المدير العام للامن العام اللواء عباس ابرهيم استقبل وفدا من الخارجية الأميركية لم تحدد أسماء أعضائه وذلك بعد كلام برز في بيروت عقب عودة ابرهيم من زيارته الأخيرة لواشنطن عن عقوبات في حقه. وذكرت المعلومات ان البحث بين ابرهيم والوفد تناول ملفات عدة من بينها مكافحة الإرهاب ومتابعة موضوع الاسرى الاميركيين. وزارت السفيرة الأميركية دوروثي شيا أيضا اللواء ابرهيم فيما تردد انه كان تلقى اتصالات من واشنطن .