انعقد “المؤتمر الدولي الثاني لمساعدة ودعم بيروت والشعب اللبناني”، عبر ال?يديو مساء امس، في العاصمة الفرنسية باريس، بدعوة من الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، وترأسه الرئيس الفرنسي وأمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، وشارك فيه نحو 30 رئيس دولة وحكومة ووزيراً، إضافة الى مدراء منظمات دولية ومالية وجمعيات أهلية ومنظمات غير حكومية.
وافتتح المؤتمر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، قائلاً: “لن نتخلى عن ضرورة القيام بالإصلاحات وعن التحقيقات في مرفأ بيروت، وسأزور لبنان قريباً”.
وخلال كلمته في “المؤتمر الدولي الثاني لدعم بيروت والشعب اللبناني”، أكّد ماكرون أنّ “20 بالمئة من اللبنانيين يعيشون تحت خط الفقر”.
ودعا، إلى “الإسراع بتشكيل الحكومة اللبنانية والإلتزام بمخرجات المبادرة الفرنسية للإصلاح”، لافِتًا إلى أننا “من واجبنا دعم لبنان لتلبية إحتياجاته بعد انفجار مرفأ بيروت، ولا بد من العمل لإعادة بناء مرفأ بيروت والأحياء التي تأثرت بالانفجار”.
وأشار، إلى أن “فرنسا تساهم في دعم الشعب اللبناني، وهذا الدعم لا يمكن أن يأتي عوض دعم السلطات اللبنانية، ولا يمكنه أن يستبدل ضرروة تشكيل حكومة”.
وشدّد الرئيس الفرنسي خلال حديثه، على أنّ “على الساسة اللبنانيين تشكيل حكومة لتنفيذ الإصلاحات وإلا لن تقدم مساعدات دولية”.
كما لفت إلى أنه “من المُقرّر تأسيس صندوق يديره البنك الدولي للمساعدة على تقديم المساعدات الإنسانية للبنان”.
وأكد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في كملته “انّ لبنان لا يعرف المستحيل، وتاريخنا يخبر أننا شعب لا يتعب من النضال ليحافظ على وجوده”، مجددا الدعوة الى المجتمع الدوليّ بأسره “بألاّ يتخلّى عن بلد الأرز، وما يمثله من ثروة للبشرية جمعاء”، ومشددأ على “انه مصمّم، مهما كلّفه الأمر، على متابعة مسيرة تحرير الدولة اللبنانية من منظومة الفساد السياسيّ والاقتصاديّ والإداريّ التي اضحت رهينة لها، بغطاءٍ من ضمانات مذهبيّة وطائفيّة واجتماعيّة”، معتبرا “ان المجتمع الدولي بإمكانه تقديم مساعدة أساسية للبنان في هذا الاطار، وذلك عبر الوسائل المتاحة لدى الأمم المتّحدة والاتّحاد الأوروبي، لجهة محاربة سرقة الأموال العامّة، وتعقّب التحويلات غير الشرعيّة لرؤوس الأموال إلى الخارج، وبالتحديد ابتداءً من 17 تشرين الأوّل من العام 2019.”
وإذ أشار الرئيس عون الى “انّ المآسي الكثيرة التي حلّت بلبنان، والتي يواجهها اللبنانيّون اليوم، تفوق طاقتهم كما تتخطى قدرتهم على الاحتمال، فالصعوبات الاقتصاديّة التي تمرّ بها البلاد أثقلت كاهلهم، وأصابت مدّخراتهم ووظائفهم وهدّدت مستقبل أبنائهم، وفي خضم انتشار وباء كوفيد أتت مأساة انفجار مرفأ بيروت لتضرب قلب عاصمتنا، وتزيد مآسي شعبنا والضرر اللاحق باقتصادنا، فإنه اعتبر “ان مساعدة المجتمع الدولي أساسيّة مهما كانت طرقها أو آليّاتها أو أدواتها وأيّاً كانت القنوات التي سيتم اعتمادها، طالما هي بإشراف الأمم المتّحدة.” كما جدد دعوة المجتمع الدولي “لأن يحسم قضيّة عودة النازحين السوريين إلى أراضيهم لأن بلدنا المستنزف لا يملك البنى التحتيّة ولا السبل المناسبة التي تخوّله الاستمرار في استقبالهم أو حتّى تقديم أيّ دعم لهم.”
ورأى رئيس الجمهورية “انّ أولويّتنا اليوم هي تشكيل حكومة من خلال اعتماد معايير واحدة تطبق على جميع القوى السياسية”، كاشفا “ان المطلوب من الحكومة العتيدة أن تطلق في الوقت عينه ورشة الاصلاحات البنيوية الملحّة، وإعادة إعمار بيروت، وتطوير خطة التعافي المالي والاقتصادي ووضع أطرها التنفيذية.”
وقبل إلقائه كلمته، استمع الرئيس عون والمشاركين في المؤتمر الى كلمة عدد من الشباب اللبناني المنتمين الى منظمات وجمعيات أهلية وغير حكومية عبروا عن مشاعرهم ومعاناتهم جراء الانفجار الذي حصل في مرفأ بيروت في آب الفائت.
وقال الرئيس عون إنّ الشباب اللبناني عبّر عن هواجسه وتجذره العميق ببلده، وأمله الكبير بمستقبل لبنان.
“التقريع” الدولي يومي.. والسلطة على أدائها الفاشل
قبيل مؤتمر الدعم الدولي الاغاثي لبيروت الذي دعت اليه فرنسا مساء امس، لم تكتف الدول المانحة بإظهار عدم ثقتها بالدولة اللبنانية من خلال اصرارها على توجيه مساعداتها الى المنظمات المدنية والانسانية، فحسب، بل “قرّعتها” من جديد عبر بيان مقتضب شديد اللهجة صدر عن الاليزيه قبل الظهر، بدا موجّها الى اهل الحكم في لبنان، باسم الاسرة الدولية كلّها.
وجاء فيه “لم تُنفذ أي إجراءات بموجب خارطة الطريق الفرنسية المقترحة لمساعدة لبنان على حل أزمة سياسية واقتصادية كبيرة، كما لم يتم إحراز أي تقدم في ما يتعلق بمراجعة حسابات مصرف لبنان المركزي”. وقال مسؤول في الرئاسة الفرنسية، قبيل انعقاد مؤتمر المساعدات إن “القوى العالمية ستواصل الضغط على الطبقة السياسية”، مضيفا “انا غير مقتنع بأن العقوبات الأميركية سيكون لها أي أثر في ما يتعلق بالمساعدة على تشكيل حكومة ذات صدقية قادرة على تنفيذ إصلاحات من شأنها إتاحة مساعدات مالية دولية”.
لكن، بحسب ما تقول مصادر سياسية مراقبة لـ”المركزية”، فإن هذه “البهدلة” الدولية التي باتت للاسف “خبز” المنظومة الحاكمة اليومي، ستذهب كما سابقاتها، كصرخة في واد، وقد اعتادها مسؤولونا وما عادت تؤثّر فيهم. لكن الاخطر، ان صمّهم آذانهم عن كل النصائح والتحذيرات، يدفع ثمنه اللبنانيون و”الخير لقدّام” اذا استمرّ هذا السلوك “الفاشل” والمتخبّط في ادارة الازمة القاتلة التي يمرّ فيها البلد. آخر نماذج هذا التخبط، ظهر امس في اللجان النيابية المشتركة التي بحثت في مصير دعم السلع الاساسية الحيوية في يوميات اللبنانيين، كالدواء والطحين والمحروقات، في ظل تناقص الاحتياطي في المصرف المركزي. وقد غابت اي رؤية مشتركة لدى القوى السياسية لكيفية حلّ هذه المعضلة، في ظل تقاذف للمسؤوليات ولكرة النار هذه، بينها، من جهة، وبين المصرف المركزي، من جهة ثانية.
وقبل هذه الجلسة، اكتفى مجلس النواب في اصدار “قرار” او بالاحرى “توصية” بإخضاع مصرف لبنان والوزارات والمجالس والمؤسسات المالية والصناديق والبلديات كافة بالتوازي، للتدقيق الجنائي من دون أي عائق أو تذرع بالسرية المصرفية، علما ان هذه الخطوة، التي “احتفل” فيها اهل الحكم، لا مفاعيل قانونية لها، بل هي نظرية أو “معنوية” لا اكثر، فيما مجلس النواب وظيفتُه الاساسية اصدار تشريعات وقوانين، ترفع اي عقبات من امام اجراء التدقيق المرجو.
هذا الاداء كلّه، لن يساهم الا في تعميق الحفرة التي يتخبّط فيها اللبنانيون اليوم، وكل هذه الحركة التي يريد الحكم من خلالها ايهام الداخل والخارج بأنه يجهد لايجاد الحلول والمخارج للمحنة المالية – الاقتصادية التي نعيش، مكشوفة امام الداخل والخارج اللذين يريانها على حقيقتها “حركة بلا بركة” و”دورانا في حلقة مفرغة”، لن ينتجا طحينا ولن يطعما خبزا. المطلوب واحد فقط: علاج يصيب جوهر الازمة لا قشورها: حكومة اختصاصيين حقيقيين مستقلّين اليوم قبل الغد، تنكب على الانقاذ والاصلاح ومحاربة الفساد. وكل ما دون ذلك مساحيق ومراهم لا تنفع في جسد مريض ينازع، تختم المصادر.