كتبت صحيفة الأنباء تقول: بعد أن يصل الفأس إلى الرأس وتقع الكارثة تستفيق الدولة من غفلتها وتسارع في اتخاذ اجراءات الحماية من كورونا، والتي إن لم تحاكها الإجراءات الأمنية المشددة فإن لا شيء سيقي اللبنانيين هذا المنحى الخطير. وبات من الواضح ان لبنان كما يصفه رئيس لجنة الصحة النيابية النائب عاصم عراجي في منتصف النموذج الايطالي من حيث الارتفاع المفرط بعدد المصابين بكورونا ومن حيث الوفيات التي تأخذ المنحى التصعيدي المخيف، وخاصة بعد نفاذ أسرّة العناية الفائقة والنقص الملفت في أجهزة التنفس الاصطناعي حيث أصبحت المستشفيات الحكومية والخاصة في محافظتي بيروت وجبل لبنان غير قادرة على استقبال مرضى كورونا لأنها باتت ممتلئة ومن الصعب ايجاد أسرّة شاغرة فيها، وهناك تفكير جدي بتحويل قسم من المصابين إلى المستشفيات في المناطق الأخرى التي تشكو بدورها من النقص الحاد بعدد الأسرّة إلى درجة بات من المتوقع الإعلان عن لبنان بلد منكوب صحياً، تضاف الى نكبته الاقتصادية والمالية والسياسية.
مصادر طبية تحدثت لجريدة “الأنباء” الإلكترونية عن أخطاء ارتكبت بحق اللبنانيين منذ انفجار مرفأ بيروت لليوم، وقالت إنه “كان على الحكومة المستقيلة الإبقاء على إجراءات الإقفال حتى بعد كارثة المرفأ، وأقلّه العودة الى تدابير الإقفال بعد شهر على الحادثة، واستمرار هذه التدابير طيلة الأشهر الثلاث تشرين أول والثاني وكانون الأول”، مشيرة الى أن “قرار فتح البلد في شهر الأعياد كان من الأخطاء المميتة التي اتخذتها الحكومة والتي كان عليها ألا تصغي لاصحاب المطاعم والملاهي الليلية لأن صحة الناس تتقدم على كل شيء في مثل هذه الظروف، وكنا وفّرنا على البلد آلاف الاصابات، وأن تستمر تلك التدابير إلى حين وصول اللقاحات ولكن جرى ما جرى، فماذا سينفع الإقفال التام بعد تسجيل نحو 3 آلاف اصابة يوميا منذ قرابة الثلاثة اسابيع وإلى اليوم بانتظار الكارثة الكبرى التي ستظهر بعد إصابات ليلة رأس السنة”.
المصادر الطبية طالبت بإعلان حالة طوارئ صحية من الآن وحتى حصول لبنان على لقاحات بمنتصف شباط المقبل، محذرة من أن البلد مقبل على كارثة حتمية.
في هذا الوقت، تتوجه الأنظار الى اجتماع لجنة كورونا الوزارية غدا الاثنين وما قد تتخذه من اجراءات، حيث أشار مصدر حكومي عبر جريدة “الأنباء” الالكترونية إلى ان لجنة كورونا تتجه إلى اتخاذ قرار بالإقفال التام لثلاثة أسابيع قابلة للتجديد تستثنى منها بعض القطاعات والإدارات العامة كالصيدليات والأفران والسوبر ماركت التي ستعلن عن مواعيد افتتاحها بالإضافة إلى عمال المستشفيات والصحف ومعظم الادارات التي كانت تسري عليها التدابير السابقة، والتخفيف من الحضور الى الوزارات والادارات العامة.
المصادر الحكومية تحدثت عن تدابير صارمة هذه المرة ترافق قرار الإقفال تتولى تنفيذها على الارض الأجهزة الامنية والجيش، وستكون مشددة بخلاف المرات السابقة التي شهدت بعض التراخي، فالاجراءات هذه المرة مغايرة تماما كما حصل في الماضي، كما أن دور الجيش سوف يكون فاعلا اكثر هذه المرة.
رئيس لجنة الصحة النيابية النائب عاصم عراجي تحدث لجريدة “الأنباء” الالكترونية عن البيان الصادر عن لجنة الصحة والذي أشار إلى أن لجنة الصحة والعمل والشؤون الاجتماعية ونظراً لاستفحال الاصابات بوباء كورونا بأرقام غير مسبوقة وبالنظر الى تقاطع معلومات طبية لجهات متعددة تفيد بوضع كارثي في معظم مستشفيات العاصمة وبقية المناطق، حيث زادت نسبة الأشغال 95% ولا تزال في تزايد مطرد، وبعد الاجتماع الافتراضي اقترحت اللجنة الإقفال لمدة ثلاثة اسابيع ريثما يتم تدارك الوضع لو بأي طريقة للحد من ارتفاع الاصابات بما يفسح بالمجال في التقاط الانفاس في القطاع الصحي وتحديدا قطاع المستشفيات الذي ينوء بحمله، سواء على صعيد الطاقم الطبي والتمريضي او من خلال استقبال المصابين، وكذلك الاطباء الذين يواجهون الوباء المستفحل.
وأضاف عراجي أن “لجنة الصحة ومع استشعارها بما يخلّفه الإقفال من تراجع على الصعيد الاقتصادي في ظل البطالة المستفحلة، إلا انها ترى ان ذلك يصبح مبررا أمام الحالة المرعبة للمصابين بالوباء في نسبة الاشغال المرتفعة في كافة المستشفيات”.
عراجي رأى ان استهتار الناس يزيد من حجم الاصابات، لافتا إلى ان المستشفيات الميدانية بدأت باستقبال الحالات المتوسطة، قائلا: “لقد أصبحنا مثل السيناريو الإيطالي”. وأكد ان قرار الاقفال سيكون له تداعيات سلبية على الاقتصاد، لكن صحة الناس تتقدم على ما عداها ولن نسمح بتحويل البلد الى بلد منكوب صحيا من أجل الحفاظ على اقتصاد منهار.
في هذا السياق، جدد رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط المطالبة بإعادة تعقيم الأماكن العامة في القرى والبلدات اللبنانية، وهذه الخطوة سبق وأن اتخذت في أقضية المتن والشوف وعاليه والإقليم وراشيا وحاصبيا ولا شيء يمنع من اعتمادها في كل المناطق.
نقيب اصحاب المستشفيات الخاصة سليمان هارون أكد في حديث لجريدة “الأنباء” الالكترونية ان المستشفيات الخاصة التي تستقبل المصابين بكورونا لم يعد لديها القدرة على استقبال المرضى لأن كل أسرّة كورونا امتلأت بنسبة تتراوح بين 98% الى 100%، مناشدا عدم توجه المصابين الى هذه المستشفيات خاصة في بيروت وجبل لبنان، مشيرا إلى صعوبة الوضع الصحي وإلى أن أحدا لم يكن يتوقع الضغط على المستشفيات الى هذا الحجم، لكن تزايد الاصابات أوصل إلى هذه النتيجة.
وقال هارون إن المستشفيات الخاصة التي تمتنع عن استقبال المصابين قليلة جدا ولأسباب لوجستية فقط، والتواصل مستمر معها لحل هذه المشكلة بالرغم من صعوبتها التي تتعلق بهيكلية هذه المستشفيات.
طبيب الامراض الجرثومية في مستشفى رفيق الحريري الجامعي البروفسور بيار ابي حنا قال في حديث لجريدة “الأنباء” الالكترونية إنه “بعد عيد الميلاد ارتفع عدد الاصابات حتى وصل الى 3500 اصابة، وابتداءً من الأسبوع المقبل سنشهد إصابات عيد رأس السنة التي ستكون اما بحجم إصابات عيد الميلاد أو أكتر، معنى ذلك ان اعداد المصابين الى تزايد، وكذلك أعداد الوفيات، ما يشي بأن قدرة المستشفيات على الاستيعاب اصبحت نادرة جدا، وهناك استحالة لتأمين أسرّة للمرضى في المستشفيات، والناس أمام عذاب يومي لإيجاد أماكن لمرضاها، لذلك قرار الإقفال ضروري، لأننا لا نستطيع ان نتكل على الناس بأن تلتزم بإجراءات الوقاية”.
وأضاف ابي حنا: “صحيح ان الوضع الاقتصادي حرج لكن اذا تم الاقفال العام وكانت الاجراءات صارمة فإن عدد الاصابات سيخف في الاسابيع المقبلة، لاننا بعد اليوم لا نستطيع ان نكمل بهذه الطريقة المعتمدة فوضع لبنان لا يحتمل، والاقفال التام ليس جريمة، إذ إن معظم الدول الاوروبية أقفلت، وفي كاليفورنيا مُنع التجول، وفي كندا مُنع السهر عند الاقارب ومُنعت زيارات الاهل”، معتبرا ان التشديد في تطبيق إجراءات الوقاية هو السبيل الوحيد للتخفيف من العدوى حتى داخل البيوت.
وقال أبي حنا: “علينا تحمّل هذه الفترة من الآن حتى منتصف شباط الى حين وصول اللقاح، وتصبح الامور افضل، فالمهم في الوقت الحاضر التزام الكمامة والمسافة الآمنة وعدم التخالط. وكل من يلتزم بهذه الإجراءات بامكانه الذهاب الى عمله بحرية شرط مراقبة الإجراءات المتخذة حفاظا على السلامة العامة”.