على وقع تفاقم الأزمة الاقتصادية والمالية والمعيشية واحتدام النزاع السياسي حول الحكومة العتيدة، يُنتظر أن تنشط الاتصالات على جبهة الاستحقاق الحكومي في مختلف الاتجاهات ابتداءً من الاسبوع المقبل، ضاغطة في اتجاه ترجمة المواقف المحلية والخارجية المستجدة عملياً، بما يسهّل ولادة الحكومة في مهلة اقصاها نهاية الشهر الحالي حداً اقصى.
ويُنتظر أن يستأنس المعنيون بالملف الحكومي، بالموقف الفرنسي- الاميركي المشترك الاخير، وكذلك بالمواقف الداخلية، وعلى رأسها موقف رئيس مجلس النواب نبيه بري، من اجل الاستعجال في تأليف الحكومة، خصوصاً أنّ الاوضاع المالية والاقتصادية والمعيشية وكذلك الصحية، قد بلغت من الخطورة ما يهدّد البلاد بانهيار شامل على كل المستويات، علماً أنّه تقرّر أمس أن يتمّ إنهاء الاقفال العام السائد في البلاد تدريجاً، وفق خطة مرحلية، كل مرحلة تمتد لإسبوعين على مدى ثمانية أسابيع.
قالت مصادر معنية بالتأليف لـ”الجمهورية”، إنّ العدّ العكسي للعمل الجادّ لتأليف الحكومة سيبدأ مع عودة الرئيس المكلّف سعد الحريري من الخارج خلال اليومين المقبلين، حيث يُنتظر أن يحمل معه معطيات متينة تتعلق بالاستحقاق الحكومي، خصوصاً وأنّ جولته، حسب ما يتردّد، تشمل الى القاهرة وابو ظبي وباريس، التي تشهد هذه الايام بالتنسيق مع واشنطن حركة نشطة على خط الازمة اللبنانية، خصوصاً بعد حصول الادارة الفرنسية على دعم ادارة الرئيس جو بايدن للمبادرة التي اطلقها نظيره الفرنسي الرئيس ايمانويل ماكرون لحلّ أزمة لبنان، في السادس من آب الماضي، غداة انفجار مرفأ بيروت.
وفي معلومات لـ”الجمهورية”، أنّ الحكومة العتيدة التي يُعمل على توليدها، يستلهم المعنيون في شأنها ما أعلنه ماكرون في الآونة الأخيرة من اشارات تنمّ عن “تساهل فرنسي” في شروط حكومة الإختصاصيين او “حكومة المهمّة”، سواء لجهة التمثيل او على مستوى حصص الأفرقاء المعنيين من مقاعدها الوزارية ومواصفات الوزراء.
وقالت مصادر مطلعة، إنّه سيراعى في التركيبة الوزارية الجديدة، أن يكون برنامج الحكومة الجديدة، حكومة تنفيذ الاصلاحات التي يطالب بها المجتمع الدولي، وإجراء الانتخابات النيابية المبكرة او في ايار 2022 التي لم يعد يفصل عن موعدها سوى 15 شهراً تقريباً.
وأشارت المصادر، الى ان يُراعى في اختيار التركيبة الوزارية للحكومة الجديدة ان لا يترشح رئيسها أو أي من وزرائها للانتخابات النيابية، وذلك ضماناً لنجاح مهمتها على مستوى الإصلاحات او على مستوى الانتخابات، سواء تقرّر ان تُجرى هذه الانتخابات على اساس القانون النافذ او على أساس قانون جديد.
ومع عودة الحريري مطلع الاسبوع، ستنشط الاتصالات أولاً تحضيراً للقاء بينه وبين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، توضع في خلاله المداميك الأساسية للحكومة الجديدة، على أن تصدر مراسيمها بعد لقاء او اكثر ينعقد بينهما لاحقاً، بحيث لا ينتهي شهر شباط إلّا وتكون الحكومة قد وُلدت.
موفد فرنسي
وفي غضون ذلك، كشفت مراجع ديبلوماسية مطلعة لـ “الجمهورية”، انّ السفيرة الفرنسية آن غريو تحدثت عن زيارة قريبة لمبعوث رئاسي فرنسي خاص لبيروت، الّا انّه لم يبلغ الامر في شأنها بعد مرحلة تحديد مواعيد للقاءات هذا الموفد مع المسؤولين اللبنانيين.
وتشير المعلومات، الى انّ الموفد ينتظر انتهاء زيارة الحريري لباريس المتوقعة في الساعات المقبلة، بعد ان يكون انتقل اليها من القاهرة وابو ظبي. كذلك انتهاء فترة اقفال المطارات الفرنسية مع عواصم الشرق الاوسط، ومنها مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت.
والى المهمة المنتظرة للموفد الفرنسي الجديد، تحدثت مصادر ديبلوماسية موثوقة، عن انّ التنسيق الفرنسي – الاميركي في شأن لبنان قطع اشواطاً متقدّمة في اتجاه مزيد من التنسيق، وهو ما دلّت اليه المواقف المشتركة الفرنسية والأميركية، سواء بالنسبة الى ذكرى مرور 6 اشهر على انفجار المرفأ، او على مستوى إدانة جريمة اغتيال الناشط السياسي لقمان سليم في الجنوب قبل يومين.
“حزب الله” والحكومة
في المواقف السياسية برز امس موقف لـ”حزب الله” عبّر عنه نائب امينه العام الشيخ نعيم قاسم، اكّد فيه “أنَّ حزب الله مع تشكيل الحكومة بأسرع وقتٍ ممكن، وأنّه منذ اليوم الاول مع تسهيل إنجاز التأليف”.
وشدّد قاسم في حديث الى “إذاعة النور” على أنّ “الحزب لم يكن عقبة، وعلى أنّ المشكلة الأساسية في عملية التشكيل هي داخلية، وأن التأثير الخارجي يبدو الآن محدوداً”، لافتاً إلى أنّه “اذا اتفق الرئيسان ميشال عون وسعد الحريري تُنجز الحكومة”. وقال: “إنّ حزب الله لم يضع سقوفاً تمنع عملية التأليف، وهو يقبل بما يقبل به الرئيسان”، داعياً إلى تدوير الزوايا ومحاولة التفاهم لمعالجة المشاكل العالقة، نافياً أن يكون موضوع “الثلث الضامن” قد طُرح مع أي جهة.
وإذ وصف قاسم من يربطون عرقلة عملية تأليف الحكومة بالاتفاق النووي الإيراني بـ”الجوقة الكاذبة”، لفت إلى “أنّ هدف هؤلاء تشويه سمعة “حزب الله” وإزاحة المسؤولية عنهم وعن جماعاتهم وعن تقصيرهم”، مشدّداً على “أنّ حزب الله يعمل لتشكيل الحكومة ويريدها”، نافياً “أن يكون لإيران أو غيرها علاقة بموقف الحزب من تأليف الحكومة”، وأكّد “أنّ الحزب ليس في موقع من يضرب على الطاولة، ولا يفرض أي شيء على حلفائه، لأنّه غير قادر وغير مقتنع بذلك”.
وتحدث قاسم عن إشارات الى عودة المبادرة الفرنسية، مشيراً الى أنّ معالمها لم تتضح بعد، داعياً الفرنسيين إلى “العمل بطريقة توفيقية وليست منحازة”. واوضح أنّ الاتصالات بين الفرنسيين و”حزب الله” “لم تنقطع يوماً وهي مستمرة”. وتوقع “أن تكون الأمور أهدأ مع إدارة جو بايدن”، مستبعداً حصول حلول سريعة للقضايا المعلقة، ومؤكّداً “أن لا علاقة للتفاوض بين واشنطن وطهران بلبنان لا من قريب ولا من بعيد”، لافتاً إلى”أنّ إيران عبر تاريخها لم تقبل أن يُطرح موضوع “حزب الله” أو أي دولة حليفة لها على طاولة المفاوضات”.
لا مجلس دفاع
من جهة ثانية، وعلى هامش التعديلات التي تقرّر إدخالها على واقع الإغلاق العام ابتداء من بعد غد الاثنين، قالت مصادر مطلعة لـ “الجمهورية”، انّ الترتيبات الجديدة للوقاية من كورونا سيُعلن عنها بقرار يُصدره رئيس الحكومة، وتأسيساً على نتائج اجتماعات اللجان المتخصصة التي تواكب الموضوع، ولا حاجة لاجتماع للمجلس الأعلى للدفاع كما كان يحصل سابقاً.
وأعلن وزير الصحة في حكومة تصريف الأعمال حمد حسن بعد إجتماع اللجنة الوزارية لكورونا في السرايا الحكومية برئاسة الرئيس حسان دياب، أنّ “معايير تقييم الواقع الوبائي لا تزال مقلقة في ظلّ تسجيل حالات وفاة في دور المسنين، واليوم سُجّلت أعلى نسبة وفيات، ما يقارب الـ100 حالة في لبنان”. وقال: “تمّ التأكيد على التعاطي الإيجابي لتأمين اللقاحات من مصادر مختلفة”. وأضاف: “نعمل على زيادة عدد الفحوص في المناطق التي لا تزال أرقام كورونا مرتفعة فيها، ونشدّد على أهمية الحَجر الذاتي قبل إجراء الفحص”. وأشار إلى أنّ “الخطة تسير على قدم وساق في المستشفيات الحكومية، وسيكون هناك 60 سريراً إضافياً الأسبوع المقبل”.
بدوره، قال وزير الداخلية محمد فهمي: “مسموح الخروج بواسطة المنصة، وهي المرحلة الاولى والتي تمتد لأسبوعين”. وأشار إلى “استمرار حظر التجوال ومسموح الخروج عبر تحصيل إذن المنصّة لأسبوعين مقبلين. ونحن نعلن تمديد الإقفال مع بعض الإستثناءات”. وأضاف: “الوضع الاقتصادي سيؤثر سلباً على الوضع الأمني و”الجوعان ما بيعمل اللي انعمل بالشمال”.
وكانت وزارة الصحة اعلنت في تقريرها اليومي حول مستجدات فيروس كورونا أمس عن تسجيل 3071 إصابة جديدة ( 3058 محلية و13 وافدة) ليصبح العدد الإجمالي للإصابات 315340 اصابة. ولفتت إلى تسجيل “98 حالة وفاة جديدة، وبذلك يصبح العدد الإجمالي للوفيات 3495”.
تداعيات إغتيال سليم
وعلى صعيد ردود الفعل على اغتيال الناشط لقمان سليم، دعت مجموعات الثورة وأحزابها الى لقاء ظهر اليوم في ساحة سمير قصير وسط بيروت، للتعبير عن إدانة الجريمة و”إطلاق موقف موحّد تجاه ما يتعرّض له الشعب اللبناني من قمع واعتداء وقتل”.
وصدر عن مبادرة “إعلاميون من أجل الحرية” بيان أكّد رفض طمس جريمة قتل سليم، “لاسيما وأنّ الشهيد الكبير كان حدّد في حياته مصدر التهديد الذي تعرّض له”.
واستنكاراً للجريمة دعت إلى اعتصام لجميع الإعلاميين وقوى المجتمع المدني، في ساحة شهيد الكلمة سمير قصير الساعة 12 ظهراً، تأكيداً على متابعة قضية استشهاد لقمان سليم، حتى محاسبة القتلة وتحقيق العدالة.
استنكارات دولية
ومن ابرز المواقف الدولية، أعرب زعيم الأكثرية الديموقراطية في مجلس النواب الأميركي ستيني هوير، عن إستيائه من إغتيال سليم، وقال: “مستاء من استمرار حضور “حزب الله” في الحكومة”، مشيراً إلى أنّ “حزب الله يمنع تحقيق السلام في لبنان”. وأضاف: “يجب منع إيران ووكلائها من نشر الإرهاب، ويجب محاسبة “حزب الله” على إنتهاكاته”، مؤكّداً أنّ “حزب الله منظمة إرهابية وأحد وكلاء إيران”. وأشار إلى أنّ “لبنان عانى كثيراً، ويستحق السلام والحرية”.
وأعربت بعثة “الاتحاد الأوروبي” مع البعثات الديبلوماسية للدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي في بيروت، عن شعورها بـ”الصدمة والحزن الشديد جرّاء اغتيال المفكر والناشط السياسي البارز لقمان سليم، الذي وُجد مقتولاً في جنوب لبنان في 4 شباط 2021″. ودعت السلطات اللبنانية، الى “الشروع في التحقيق فوراً وتقديم المرتكبين إلى العدالة”.
وأشارت البعثة، الى أنّ “هذا اليوم المفجع يتلازم مع ذكرى مرور 6 أشهر على انفجار مرفأ بيروت المروع في 4 آب 2020″، مؤكّدةً أنّ “الشعب اللبناني يستحق أن يعرف ما جرى منذ نصف عام. كذلك يستحق العدالة والمحاسبة سريعاً”. ولفتت الى “أنّنا نواصل دعوتنا السلطات اللبنانية الى احترام التزامها بإنجاز تحقيق محايد، موثوق فيه، شفاف ومستقل”.
وذكّرت بأنّ “الاتحاد الأوروبي” كرّر تركيزه على الحاجة الماسة الى بناء الدولة وتعزيز المؤسسات لضمان استقلال القضاء، وتوفير سيادة القانون، وتلبية الطموح المشروع الذي عبّر عنه الشعب اللبناني بسلمية”.
طرابلس
ونفّذ ناشطون وقفة تضامن واستنكار في ساحة النور في طرابلس، تحية لروح الشهيد لقمان سليم، ورفضاً لكتم روح الثورة واستباحة القانون 47 والتوقيف القسري، وانتصاراً للحياة والعدالة. ورفعوا يافطات مندّدة بالقتل والترهيب والمتضمنة: “اذا كنت مسيحي حر، بيعملوك عميل، واذا كنت سنّي حر بيعملوك داعشي، واذا كنت شيعي حر بيقتلوك”، “الوطني الحر الناطق بالحق يُسجن والباحث عنه يُقتل”، “سلاحنا اللسان وسلاحهم الرصاص، سلام لأرواح الشهداء”