كتبت “النهار” تقول: لم تبدّل الزيارة المفاجئة التي قام بها الرئيس المكلف سعد الحريري لقصر بعبدا غداة عودته من باريس وعقده الاجتماع الخامس عشر مع رئيس الجمهورية ميشال عون في اطار اجتماعات مسار تشكيل الحكومة صورة الازمة الحكومية، وربما زادتها قتامة، ولكن ذلك لم يحجب الدلالات البارزة التي تركها هذا التطور.
ذلك انه اذا كان الحريري نفسه صارح الرأي العام بعد نحو نصف ساعة استغرقها الاجتماع مع عون بعد طول انقطاع بينهما بان أي تقدم لم يتحقق في تذليل العقبات امام ولادة حكومته، فان ذلك استدعى تساؤلات فورية عما اذا كانت الازمة تحولت الى كباش مكشوف حول استمرار رعاية الوساطة الفرنسية بقرار من الفريق المعطل للتشكيل أي العهد و”التيار الوطني الحر” بدعم ضمني من “حزب الله”، وهل يملك هذا الفريق قرارا واضحا وتوقيتا واضحا للافراج عن الحكومة وبأي شروط وبأي معايير إقليمية بعدما صارت قصة المعايير التي يرفعها اشبه بواجهة شكلية ملبننة لاهداف إقليمية لم تعد محجوبة على احد. والواضح في هذا السياق ان الرئيس المكلف في زيارته لقصر بعبدا غداة عودته من جولة خارجية شملت مصر ودولة الإمارات وفرنسا وعشية احياء الذكرى الـ16 لاغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري غدا، أحدث تحريكا للمستنقع السياسي والحكومي من خلال اثباته الرغبة في كسر الجليد مع عون وإظهار احترامه لموقع الرئاسة باطلاعه على الأجواء التي توافرت له خلال جولته. ولكن الدلالة الأبرز تمثلت في تمسك الحريري بموقفه الثابت من التشكيلة التي قدمها الى عون في الاجتماع السابق وعاد امس الى تأكيدها بعدد وزرائها وتوزيع حقائبها الامر الذي عكس عودته بدعم واضح من الفرنسيين كما من مصر والإمارات في هذا الاتجاه.
اذاً لم تأت زيارة الرئيس المكلف سعد الحريري الى بعبدا بأي جديد، بل زادت حدة المواقف المتباعدة بينه ورئيس الجمهورية الذي اصر على اعتماد وحدة المعايير في تمثيل الكتل النيابية والتمثيل المسيحي في الحكومة.
وخلافا لما تردد علمت “النهار” ان الرئيس الحريري لم يحمل الى اجتماعه الخامس عشر مع رئيس الجمهورية تشكيلة جديدة او تشكيلة معدلة بل تمسك بالتشكيلة السابقة التي كان وضعها امام رئيس الجمهورية في زيارتيه السابقتين المتتاليتين في 22 و23 كانون الاول الماضي.
بعد القطيعة
وعلم ان الحريري بادر عقب زيارته باريس الى الاتصال برئيس الجمهورية وطلب الموعد للقائه بعد قطيعة بينهما استمرت شهرين الا اسبوع، لكسر الجليد وخطا باتجاه قصر بعبدا، بهدف المصالحة والمصارحة والبحث عن قواسم مشتركة في عملية التأليف، لكنه فوجئ بمزيد من التصلّب لدى رئيس الجمهورية. وعندها أكد كل منهما تمسكه بوجهة نظره وباعتباراته التي تدفعه الى عدم التراجع.
فالرئيس عون يعتبر ان تراجعه يعني تنازلاً عن صلاحياته التي تعطيه حق الشراكة في تسمية كل وزراء الحكومة وليس فقط الوزراء المسيحيين، وهذا ما لن يسجله على عهده. وبالنسبة اليه ان حكومة اختصاصيين مستقلين لا ترأسها شخصية سياسية ولا يجوز ان يتفرد بتسمية وزرائها، فضلاً عن انه بحكومة الـ18 وزيراً يعطي وزراء حقيبتين لا يمكن لأحد ان يجمع اختصاصاً في كليهما كالخارجية والزراعة على سبيل المثال.
اما الرئيس الحريري فينطلق من ان الاهم من تأليف الحكومة هو قبولها من الدول والجهات المانحة التي تشترط ابعاد السياسيين عنها لتمنحها الثقة ولتقدم لها المساعدات المطلوبة في عملية الانقاذ. فإذا جاءت هذه الحكومة على صورة الحكومات السابقة من ممثلين عن الاحزاب والقوى السياسية فلن يساعدها احد ولن يدفع للبنان فلس واحد. لذلك، يصرّ الرئيس الحريري على التشكيلة التي كان قدمها ويعتبر ان الاسماء التي اختارها لا تخص أحداً وهي من شخصيات مستقلة لا يمكن لأحد ان يسجل عليها ملاحظة. فالأهم بالنسبة اليه هو المجيء بحكومة قادرة على تنفيذ خريطة طريق الاصلاحات التي نصت عليها المبادرة الفرنسية والتي التزم بها جميع الاطراف السياسية في لبنان، خلال اللقاء مع الرئيس ايمانويل ماكرون. وقد تيقّن الحريري من خلال رحلاته الخارجية واللقاءات التي عقدها ولاسيما لقاؤه الاخير مع الرئيس ماكرون ان المبادرة الفرنسية هي مبادرة الانقاذ الوحيدة المدعومة اوروبياً واميركياً وحتى عربياً وهي مشروطة بتنفيذ ورقة الاصلاحات كمدخل وحيد لأي مساعدة من الدول والجهات المانحة. وسعى الرئيس المكلف في الوقت المستقطع داخلياً الى تحريك صداقاته والتحرك باتجاه الدول الداعمة للبنان للتحضير والحشد لمؤتمر الدعم المنتظر عقده من اجل مساعدة لبنان ما ان تشكل الحكومة، وازداد اقتناعا بأن برنامج الحكومة يتقدّم على اي شيء آخر، وهو لن يقبل بحكومة قد تعمّق الازمة وقد تقضي على اي أمل بالنهوض.
ولم يخف عن وجه الحريري وهو يغادر المكتب الرئاسي استياءه لاسيما عندما اعلن ان لا تقدم في عملية التأليف. وكانت لافتة عودته الى المنبر بعد ان ابتعد عنه امتاراً ليقول إن الحكومة التي يتمسك بها هي من 18 وزيراً ولا ثلث معطلاً فيها لأحد.
التشنج نفسه سرعان ما عكسه ايضاً بيان مكتب الاعلام في رئاسة الجمهورية، الذي قال “إن رئيس الجمهورية استقبل رئيس الحكومة المكلف بطلب منه وتشاور معه في موضوع تشكيل الحكومة العتيدة بعد الجولات التي قام بها الرئيس الحريري الى الخارج، حيث تبين ان الرئيس المكلف لم يأت بأي جديد على الصعيد الحكومي”.
امام هذا الافتراق على الصعيدين الشخصي والحكومي بين شريكي التأليف، اقفلت ابواب التسوية الحكومية داخلياً ويبدو واضحاً ان الأمل بالحل تطاير كورقة في مهب رياح التحوّلات الاقليمية والدولية. واستوقف المراقبين قول الحريري “المشكل اليوم انه طالما لا حكومة من الاختصاصيين غير التابعين لاحزاب سياسية، فلا يمكننا القيام بهذه المهمة، واذا كان هناك من يعتقد انه اذا ضمت هذه الحكومة أعضاء سياسيين، فان المجتمع الدولي سيبدي انفتاحا حيالنا او سيعطينا ما نريده فنكون مخطئين، ومخطئ كل من يعتقد ذلك. الفكرة الأساسية هي تشكيل حكومة تضم وزراء اختصاصيين لا يستفزون أي فريق سياسي ويعملون فقط لانجاز المشروع المعروض امامهم. تشاورت مع فخامة الرئيس وسأتابع التشاور، لم نحرز تقدما ولكني شرحت له أهمية الفرصة الذهبية المتاحة امامنا”. واكد رداً على سؤال ان “موقفي ثابت وواضح وهو حكومة من 18 وزيرا جميعهم من الاختصاصيين ولا ثلث معطلا فيها وهذا ما لن يتغير لدي”.
وسط هذه الأجواء تتجه الأنظار غدا الى مضمون الكلمة التي سيلقيها الحريري في مناسبة ذكرى اغتيال والده. واعلنت المفوضية الأوروبية، في بيان امس “أننا لا نستطيع دعم لبنان من دون حكومة قوية وقادرة على تنفيذ الإصلاحات المطلوبة”.
من جهته، حاول “حزب الله” تبرئة ساحته من تهمة التعطيل، فأعلن رئيس المجلس السياسي في الحزب السيد ابرهيم أمين السيد ان “الجميع يعلم حرص الحزب على تشكيل الحكومة وفي أسرع وقت ممكن”، رافضا “ربط عملية التأليف بالاتفاق النووي الإيراني”، واضعا ذلك “في إطار المبالغة”، واعتبر أن “الانتظار لا معنى له وهو يدلل على فشل بعض السياسيين الراغبين برمي المسؤولية على الآخرين” .