كتبت صحيفة النهار تقول: لعلّها مفارقة تحمل الكثير من الدلالات الرمزية والمعنوية أن يشكّل المشهد الاحتجاجي العارم، متجوّلاً في كل أنحاء لبنان، على وَقع اشتعال مطّرد في سعر الدولار قفز به إلى سقف الـ13 ألف ليرة لبنانية عشية الذكرى الـ16 لانتفاضة ثورة الأرز السيادية الاستقلالية في 14 آذار 2005. هذا التزامن عند تقاطع ذكرى انتفاضة الاستقلال الثاني وعودة الزخم إلى انتفاضة 17 تشرين الأول 2019 أبرز لبنان في صورة البلد الدائم الاهتزازات والاضطرابات، سواء بفعل الوصايات والاحتلالات التي فجرت انتفاضة استقلالية تاريخية مدوية، أو بفعل أسوأ السلطات إطلاقاً التي حكمت وتحكَّمت بلبنان والتي فجَّرت الانتفاضة الاجتماعية الأكبر في تاريخه ولا تزال تمعن في تعطيل وإقفال منافذ الخلاص والإنقاذ أمام شعبه.
يمكن القول إنّ ملامح انفجار خطير بدأت تتسارع، أمس، مع صعود ناري في سعر الدولار ثبت معه أنّه بلا سقف، فتجاوز سقف الـ12 ألف ليرة وراح يلامس الـ13 ألفاً والحبل على الجرار. وأثار هذا الارتفاع الجنوني غلياناً عارماً بدأ مع إقفال أسواق في مناطق عدة مثل بعلبك والبقاع الأوسط وصيدا، كما استعاد الشارع في سائر أنحاء البلاد مشاهد الانتفاضة العابرة للمناطق. كما راحت عمليات قطع الطرق تتسع وتشمل الطرق الرئيسية في كل المناطق بموازاة التظاهرات التي عمَّت الكثير من المدن والبلدات. وإذ اتّخذ مشهد تظاهرة ضخمة في مدينة صور بعداً مميّزاً للغاية، بدت معه هذه المدينة التاريخية وكأنها تقدمت كل المدن والبلدات في التعبير عن الاحتجاج الغاضب والمناداة بإسقاط كل الطبقة السياسية الحاكمة، استعاد وسط بيروت أيضاً توهّجه الاحتجاجي بقوّة من خلال التجمعات والاعتصامات التي عادت إلى ساحة الشهداء من جهة، ومن خلال المواجهات التي دارت بين جماعات متظاهرة وشرطة مجلس النواب عقب نجاح هذه الجماعات في خلع بوابة حديدية ضخمة عند الستار المعدني المقام حول مبنى مجلس النواب، من جهة ثانية.
أمّا الخطير في بعض جوانب التداعيات الفورية التي ظهرت، فتمثَّل في التحذيرات من ارتفاع كبير في أسعار السلع الغذائية والاستهلاكية في الأيام القليلة المقبلة، كما من إمكان وقف استيراد سلع من الخارج. كما أنّ تطوّراً فوضويّاً حصل لدى إقدام عدد من المحتجين على الدخول عنوة إلى سوبرماركت “لو شاركوتييه” في أدونيس في كسروان، وهم باللباس الأسود ويحملون الأعلام اللبنانية، وعملوا على العبث بالمعلبات والمواد الغذائية والاعتداء بالضرب على العاملين، مِمَّا أحدث حالة من الهلع والخوف عند الزبائن.
وعلى وَقع هذه التطورات الساخنة، التي تنذر بمزيد من التداعيات السلبية والخطيرة في الساعات والأيام القليلة المقبلة لارتفاع غير مسيطر عليه لسعر الدولار، الذي بات فقدانه من السوق وامتناع الصيارفة عن عمليات البيع يزيدان لهيب ارتفاعه، يبدو أنّ سخونة سياسية موازية ستواكب المناخ المحموم. إذ إنّ التيار السياسي للعهد يحيي ذكراه الخاصة بـ14 آذار اليوم، بإعلان رئيسه جبران باسيل ورقة سياسية لن تخرج في الجانب السياسي المتصل بالأزمة الكارثية عن تبرئة أيدي العهد المسؤول الأكبر عن الانهيارات المخيفة ورمي التبعات على سائر الآخرين كالعادة للتنصّل من تبعات الإخفاق الهائل للعهد. وبدأ التحضير لجولة الاتهامات هذه من خلال الإمعان في التهجُّم على الرئيس المكلف سعد الحريري، إذ سألت الهيئة السياسية في “التيار الوطني الحر”، بعيد اجتماعها الاسبوعي برئاسة النائب جبران باسيل وعشية تلاوته ظهر اليوم الورقة السياسية الصادرة عن “المؤتمر الوطني” لـ”التيار”: “إلى متى سيظلّ دولة الرئيس المكلّف يحتجز في جيبه وكالة مجلس النواب من دون تنفيذ إرادة الناس بتشكيل حكومة اصلاحية وقادرة بوزرائها وبرنامجها؟”. واعتبرت الهيئة أنّ “التمادي في عدم تشكيل الحكومة هو نوع من استغلال الصلاحيّة الدستوريّة وحرفِها عن غاياتها، فالدستور أعطى رئيس الحكومة صلاحيّة استشارة النواب ومشاركة رئيس الجمهورية في تأليف الحكومة وذلك للقيام بهذا الواجب لا للإمتناع عنه، ولذا فإنّ ما هو حاصل اليوم يطرح اسئلة جوهرية حول نوايا رئيس الحكومة المكلّف واسباب عدم قيامه بواجبه وحول الخيارات الممكنة لمواجهة التعنّت غير المبرر”.
وفي المقابل، كشف النائب علي حسن خليل “أنّنا ما زلنا نراوح مكاننا”، مشيراً إلى أنّه “كان هناك حراك خلال الأيام الماضية للبحث عن قواسم مشتركة من أجل الوصول الى حل وتسوية، ولكن ما زلنا في عقدة الثلث المعطل الذي يشكل بالنسبة الينا انتحارا واغتيالا للوطن” . وأشار خليل إلى أنّ “البعض ما زال يتمسك بشروطه عبر الحصول على نسبة معينة في تشكيل الحكومة، ونحن نقول إنّ وزيراً زائداً أو ناقصاً لن ينقذ فريقاً من المحاسبة أمام الناس”. وأشار إلى أنّه “خلال الأيام الماضية، قام الرئيس بري بجملة من الاتصالات، ولكن للأسف الأطراف المعنية بحل الأزمة ما زالت متمسكة برأيها وهو ما يؤدي الى تعطيل الحل وإرجائه”، لافتا الى أن “المصيبة هي تجاهل البعض لعمق هذه الأزمة”.
في سياق سياسي آخر، برز أمس استقبال رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط في منزله في كليمنصو رئيس الحزب الديمقراطي اللبناني النائب طلال أرسلان. وأفادت معلومات عن اللقاء أنّه جرى تأكيد استكمال السعي لمعالجة تداعيات الأحداث التي وقعت في كلّ من الشويفات والبساتين ومتابعة الشؤون والقضايا المتعلّقة بطائفة الموحدين الدروز والعمل بما يساهم في تحصين المجتمع في هذه المرحلة الصعبة. وتناول النقاش الوضع الراهن لتحصين الوضع الداخلي بصرف النظر عن أيّ تباين طبيعي. وأشارت المعلومات الى أنّ اللقاء لم يتطرّق الى موضوع التمثيل الدرزي في الحكومة، وتحديداً الوزير الدرزي الثاني.