قُضي الأمر… لا اثنين ولا خميس، ولا في أي يوم قريب على ما يبدو سيشهد قصر بعبدا على ولادة “حكومة الاختصاصيين”. فتفاؤل العصر في القصر سرعان ما محته “فرمانات” الليل التي سطّرها الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله في مختلف الاتجاهات الحكومية والسياسية والدستورية والمالية والاقتصادية والأمنية، واضعاً من خلالها “السقف” الواجب اتباعه للحلول، وما على الجميع سوى التظلّل تحته.
لم يعد مهماً ما قاله رئيس الجمهورية ميشال عون لرئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، ولم يعد يُجدي ما قاله الرئيس المكلف لرئيس الجمهورية، فالتقييم الواقعي للمشهد الحكومي، فرض بالأمس خلاصة مختصرة مفادها: عون يريد والحريري يريد، وفي نهاية المطاف “حزب الله” يفعل ما يريد ويرسم ما يراه مناسباً من خطوط حمر عريضة لخريطة الطريق “الإنقاذية” للبنانيين، أما من يعارضها فهو سلفاً في حكم الخائن للبلد والمتآمر عليه.
بالأساس، لم تكن أجواء الملف الحكومي مفرطة الإيجابية قبل إطلالة نصرالله ليلاً، بل على العكس من ذلك، كانت مصادر رفيعة مطلعة على أجواء اللقاء الرئاسي السابع عشر في بعبدا تبدي تحفظها على ما أشيع إعلامياً عن فتح كوة إيجابية في جدار التأليف، مشددةً على أنّ “المسائل لا تزال تراوح مكانها على كافة مستويات النقاش، فلا عون تراجع عن المطالبة بالحكومة العشرينية والثلث المعطل، ولا الحريري تراجع عن تشكيلة الـ 18 وطابعها الاختصاصي، إنما كل ما في الأمر أنه جرى الاتفاق على تبريد أرضية التصعيد”، وسط إبداء الرئيس المكلف انفتاحه على إدخال تعديلات على تشكيلته بالتعاون مع عون، سواءً في الأسماء أو في إعادة توزيع بعض الحقائب، شرط عدم التغيير في جوهر التشكيلة الاختصاصية، فاستمهله عون لتقديم بعض الإجابات المبدئية حتى الاثنين المقبل… للتشاور بطبيعة الحال مع باسيل.
وبعدما استنفد عون وباسيل طاقتهما التعطيلية أمام الرأي العام الداخلي والخارجي، استشعر على ما يبدو الأمين العام لـ”حزب الله” أنّ المسألة باتت تحتاج إلى “كتاف عراض” لكبح جماح الرئيس المكلف نحو تشكيل حكومة الاختصاصيين، فألقى بثقله في ميزان التأليف معيداً النقاش إلى “ما قبل المبادرة الفرنسية”، وفق ما رأت مصادر سياسية، ليعيد خلط الأوراق بطرح تشكيل حكومة ذات طابع سياسي “كي لا تسقط حكومة الاختصاصيين في الشارع بعد أسبوع أو أسبوعين”. وسرعان ما وجد رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل ضالته الحكومية فغرّد مهلّلاً لطرح نصرالله، وأكد أنّ “هذا ما ينتظره التيار وهذا هو المشروع المشترك وهذه هي روحية وثيقة التفاهم المطوّرة”.
وكانت خريطة الطريق التي وضعها الأمين العام لـ”حزب الله” في سبيل الخروج من الأزمة الراهنة، قد انطلقت من عدة خطوط بيانية، تبدأ بالتشديد على وجوب التصدي للمؤامرة الأميركية عبر التوجه شرقاً نحو “الصين وروسيا وايران” في طلب المعونات البترولية، ولا تنتهي بضرورة إحباط شروط صندوق النقد لمساعدة لبنان، وهي مهمة تقتضي من الرئيس المكلف تأليف “حكومة بهوية سياسية واضحة” لأنه إذا بقي على إصراره على تشكيل حكومة اختصاصيين فإنها “ستقضي عليه وعلى البلد”، ملوحاً بهذا المعنى بأنه لن يكون بصدد لجم شارع “حزب الله” وجمهوره في مواجهة أي قرار تتخذه أي حكومة اختصاصية لا يكون الحزب متمثلاً بشكل صريح فيها.
أما إذا ما بقي التأزيم إلى يوم الاثنين وما بعده، فإنّ نصرالله وضع “خطة باء” للتعامل مع الأزمة، ونصّت التعليمات فيها على وجوب أن يفعّل رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب مجلس الوزراء “وما لازم يحط شروط”، بالتوازي مع الدفع باتجاه فرض البحث عن “حل دستوري” لمسألة التكليف والتأليف “لأننا ما فينا نضلّ هيك”. كما طال فهرس التعليمات كلاً من الجيش والقوى الأمنية بوجوب منع قطع الطرق من قبل المحتجين وإلا سيكون “للبحث صلة”، في إشارة غير مباشرة لاحتمال لجوء “حزب الله” إلى فتح الطرق المقطوعة على طريقته، مع التهويل بأن هذا الأداء من قبل الثوار يؤسس لاندلاع “حرب أهلية لا تحتاج إلى صواريخ دقيقة إنما إلى مجرد كلاشينات و”أم 16″ و”ب 7″ و”دوشكا” ومضادات”. وكذلك لحاكم المصرف المركزي رياض سلامة نصيب من التهديد الصريح بوجوب أن يعمل على خفض سعر الدولار تحت طائل التلويح بإعادة إحياء موضوع “عزله” عن منصبه.
وإذ لم تستثن “المضادات النارية” التي أطلقها أمين عام “حزب الله” الصرح البطريركي من خلال اعتباره أنّ “المطلوب من الحياد في لبنان هو أن نكون جزءاً من المحور الأميركي – الإسرائيلي”، استفزّ هذا الكلام التخويني بكركي فعلّقت مصادرها عليه بالقول لـ”نداء الوطن”: “طروحات البطريرك مار بشارة بطرس الراعي بالحياد واضحة جداً ولا تحتاج لا إلى تفسير ولا إلى تأويل، هدفها حماية لبنان، فالبطريرك لا يُخوَّن ولا يحتاج إلى شهادة وطنية من أحد، بل هو يحمل همّ كل الشعب اللبناني ويريد إنقاذه”.
توازياً، وغداة تأكيد مصادر فرنسية رفيعة عن اتجاه باريس إلى طرح مسألة فرض عقوبات على معرقلي تأليف حكومة الاختصاصيين، برز تشديد الرئيس إيمانويل ماكرون نفسه أمس على أنّ “وقت اختبار المسوؤليات قد انتهى ويتحتم علينا في الأسابيع المقبلة بشكل واضح تغيير النهج والاسلوب لأنه لا يمكننا ترك الشعب اللبناني منذ آب الماضي في الوضع الذي هو فيه حالياً، وعلينا أن نبذل أقصى الجهود لتجنّب انهيار البلد، أي تسريع تشكيل الحكومة مع تنفيذ إصلاحات ضرورية”.