ما هي أهداف وأبعاد المبادرة البابوية الجديدة لعقد لقاء كنسي مسيحي لبناني جامع في الڤاتيكان في الأول من تموز/ يوليو المقبل؟ وما هي أجواء التحضيرات وما هي النتائج المتوخاة، داخلياً وخارجياَ؟
بكثير من التعجب والاستغراب تابعت الدوائر الفاتيكانية ردود الفعل والتعليقات التي رافقت إعلان البابا فرنسيس استضافة اللقاء المسيحي الموسع لرؤساء الكنائس المسيحية في لبنان، ورأت أنها «جاءت متسرعة وتحمل الكثير من التأويلات والمغالطات البعيدة عن الواقع». فبعد 48 ساعة على الإعلان البابوي، أبدت الأوساط المتابعة لملف العلاقات الفاتيكانية – اللبنانية في روما تحفظها واستهجانها ما أوردته بعض وسائل الاعلام وقالت إنه «من نسج الخيال وتنقصه الدقة والمعرفة». وقد أعطت هذه الأوساط التوضيحات الآتية:
أولاً، العنوان: اليوم اللبناني الطويل والمميز الذي سيستضيفه البابا شخصياً سيحمل عنوان «معاً من أجل لبنان».
ثانياً، المشاركة: الدعوة وجهت إلى رؤساء الكنائس المسيحية في لبنان الكاثوليكية والأرثوذكسية والإنجيلية، وهي محصورة بالقيادات الدينية وليس هناك أي ممثل لأي فريق سياسي لبناني.
ثالثاً، المسار: كشفت هذه الأوساط أن المبادرة لعقد هذا اللقاء تعود إلى بطريرك طائفة الأرمن الأرثوذكس في لبنان الكاثوليكوس أرام الأول الذي تواصل مع الڤاتيكان وتولى سفير لبنان لدى الكرسي الرسولي فريد الياس الخازن مهمة المتابعة والتنسيق مع الدوائر الڤاتيكانية بهدف تنفيذ هذه المبادرة والإعداد لتوجيه الدعوة البابوية. وقد بدأ التفكير بهذا المشروع بعد وقت قصير من حصول الانفجار في مرفأ بيروت في آب/ أغسطس الماضي واستمرت الاتصالات البعيدة عن الأضواء أشهر عدةقبل اتخاذ قرار نهائي بشأن عقد اللقاء وكيفية ترجمته.
رابعاً، البرنامج: المشاورات متواصلة لوضع البرنامج النهائي الذي يرتكز إلى ثلاثة محاور «تأمل وصلاة وتشاور». ويتخلل اليوم اللبناني – الڤاتيكاني الطويل إلقاء كلمات للبابا ورؤساء الكنائس اللبنانية وصلاة مشتركة بينهم وتبادل وجهات النظر حول هموم وشجون المسيحيين في لبنان على مختلف الصعد.تأكيد ڤاتيكاني على ان الدعوة البابوية غير مرتبطة بأي شكل من الأشكال بأي اجندة سياسية داخلية أو خارجية، كما انها غير مندرجة في اي سياق او مسعى لطرح مواضيع كالدعوة الى تبني الحياد او عقد مؤتمر دولي او غيره من الطروحات السياسية التي ليس لها مكان في جدول أعمال اللقاء المسيحي في الڤاتيكان.
خامساً، الإطار: أبرز ما في موجبات الدعوة الى هذا اللقاء الكنسي المسيحي على مستوى القمة «القلق المتزايد على المصير» والخوف على «مستقبل السلام والاستقرار» في لبنان. وتسارع الاوساط الڤاتيكانية الى التشديد على عدد من النقاط: -أ- صحيح ان نقطة الانطلاق في فكرة عقد هذا اللقاء الموسع والجامع هي الواقع الوجودي المسيحي في لبنان الا ان الهم الاساسي هو مصير لبنان بأكمله والمستقبل المشترك بين جميع ابنائه وطوائفه ومذاهبه وفئاته. -ب- عدم دعوة القيادات الدينية المسلمة لا يعني بأي شكل من الأشكال رغبة في التقوقع والانعزال ودعوة الى الاصطفاف والمواجهة، على العكس، المسيحيون بكل طوائفهم وفي مقدمهم الڤاتيكان متمسكون بالانفتاح والحوار والعيش المشترك. وهذا الحرص البابوي بدا واضحاً وجلياً من خلال زيارتي البابا فرنسيس الى كل من الامارات والعراق ولقائه بكل من المرجعية السنية شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب والمرجعية الشيعية آية الله السيد علي السيستاني. -ج- الفاتيكان معني بقضية الوجود المسيحي في منطقة الشرق الاوسط إلا ان التزامه بالوجود المسيحي في لبنان يرتدي اهمية خاصة نظراً لان «وطن الرسالة يحمل انموذجاً فريداً في العيش معاً في إطار مجتمع حر ومتعدد» وينبغي «المحافظة على هذا النسيج الإجتماعي وتأمين مستلزمات بقائه». -د- تأكيد ڤاتيكاني على ان الدعوة البابوية غير مرتبطة بأي شكل من الأشكال بأي اجندة سياسية داخلية أو خارجية، كما انها غير مندرجة في اي سياق او مسعى لطرح مواضيع كالدعوة الى تبني الحياد او عقد مؤتمر دولي او غيره من الطروحات السياسية التي ليس لها مكان في جدول أعمال اللقاء المسيحي في الڤاتيكان.
سادساً، الأهداف: ترى هذه الاوساط ان ابرز اهداف اللقاء الكنسي المسيحي الجامع تكمن في: – اظهار مدى «الاهتمام الجدي والفعلي» بخطورة التحولات التي تهدد المجتمع اللبناني. – تسليط الضوء على عمق الازمات المتعددة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتربوية التي يواجهها الشعب اللبناني وتهدد مستقبل الشباب في هذا البلد. – احداث صدمة ايجابية داخل المجتمع اللبناني وخصوصاً المسيحي من اجل تعزيز روح الامل والرجاء على حساب شعور الاحباط واليأس. – تحفيز المجتمع الدولي على عدم نسيان الوضع اللبناني وذلك في خضم المشاكل العالمية الكثيرة والمتعددة والاوضاع الصعبة التي تواجهها مختلف الدول من جراء الازمة الصحية العالمية المستشرية منذ اكثر من عام.
سابعاً، التوصيات: تتوقع الأوساط الڤاتيكانية صدور بيان ختامي في نهاية اللقاء يتضمن توصيات تكون ملخصاً للنقاط المشتركة التي يكون قد خلص إليها الرؤساء المجتمعون. وفي هذا الاطار لم تستبعد حصول اتصالات جانبية واجتماعات ثنائية على هامش اللقاء الموسع والتي من شأنها تعزيز التواصل وتدعيم العمل المشترك. وتعول الاوساط القريبة من الفاتيكان على اهمية الاستثمار المعنوي والديبلوماسي في نتائج هذا اللقاء الذي «سيشكل اداة ضغط معنوي ويعطي دفعاً ديبلوماسياً في سبيل حث الدول المعنية والقادرة على تقديم كل مساعدة ممكنة للشعب اللبناني من اجل تمكينه من الصمود في أرضه وتجاوز الازمات التي تعصف ببلده».
وأشارت هذه الاوساط الى ان الديبلوماسية الڤاتيكانية ستستند على مفاعيل هذا اللقاء من اجل تزخيم تحركها لتجييش الدعم لدى عواصم القرار بالتنسيق مع باريس وبالتواصل مع واشنطن للمساهمة في العملية الانقاذية التي تبقى مرتبطة بقدرة الفرقاء اللبنانيين على «تغليب العقل والحكمة والمصلحة العليا على حساب الانانيات الفردية والمصالح الشخصية والفئوية الضيقة نظراً لخطورة التهديد الوجودي لوطنهم وحفاظاً على مقومات البقاء والعيش الكريم لشعبهم».