لم تعد المكابرة والمناورة تسعف “حزب الله” في الهروب إلى الأمام والتهرّب من فريضة استخلاص العبر وواجب التمعّن في ما أوصل نفسه والبلد إليه تحت وطأة سياسة الاستقواء على السلطة والناس بإصبع مرفوع وآخر موضوع على الزناد… فبات لزاماً عليه رأفةً بشعبه وبعموم اللبنانيين أن يتعامل مع الحقائق المُرّة والوقائع المنزّهة عن الأهواء السياسية والحزبية والطائفية، على أساس قناعة تترسخ وخلاصة تتمدّد بين الأغلب الأعمّ من المكونات الوطنية مفادها أنّ زمن التعايش مع سلاحه ولّى.
فخارج دائرة الغطاء العوني لسلاح “حزب الله”، والنزعة السلطوية وراء تآلف العهد وتياره مع هذا السلاح، لم يعد اللبنانيون بأكثريتهم الساحقة و”المسحوقة” تحت قبضة حُكم “الممانعة”، يغردون بعيداً عن سرب أهالي “شويا” والسخط الوطني المتعاظم من الإمعان في استرخاص أرواحهم “قرباناً” على مذبح الأجندة الإيرانية، سيّما وأنّ النظرة إلى سلاح “حزب الله” باتت تشيح عن كونه سلاحاً مقاوماً نحو تغليب “عين اليقين” بكونه سلاحاً مرهوناً ومرتهناً لحسابات إقليمية أكثر منها لبنانية… بخلاف “ثقافة الحرية والاستقلالية والكرامة” التي تجسدت في تكوين “دولة لبنان الكبير”، كما شدد البطريرك الماروني بشارة الراعي في معرض استذكاره “مقاومة وادي قنوبين… من دون أي سلاح ومساومة وارتهان سياسي”.
ومن هذا المنطلق، لم يتردّد الراعي في عظة الديمان أمس في وضع عملية “تسخين الأجواء” عند الحدود الجنوبية في خانة مصادرة قرار الدولة بالحرب والسلم، مبدياً شجبه لاستمرار سياسة “القتل والتهجير والدمار”، ورفضه الصريح “لإقدام فريق على تقرير السلم والحرب خارج قرار الشرعية والقرار الوطني”، مذكّراً بأحكام الدستور في هذا المجال وبأنّ “لبنان الملتزم رسمياً بهدنة 1949 هو حالياً في مفاوضات حول ترسيم الحدود ويبحث عن الأمن والخروج من أزماته والنهوض من انهياره شبه الشامل، فلا يريد توريطه في أعمال عسكرية تستدرج ردوداً إسرائيلية هدامة”، وطالب على هذا الأساس “الجيش اللبناني المسؤول مع القوات الدولية عن أمن الجنوب بالسيطرة على كامل أراضي الجنوب وتنفيذ دقيق للقرار 1701 ومنع إطلاق صواريخ من الأراضي اللبناني لا حرصاً على سلامة إسرائيل، بل حرصاً على سلامة لبنان”.
وعلى وقع عدم استثناء البطريرك الماروني غاية “حرف الأنظار عن وهج قداس شهداء وضحايا انفجار المرفأ على أرضه” وراء تعمّد “تسخين جبهة الجنوب” بالتزامن مع إحياء الذكرى السنوية لجريمة الرابع من آب، واصل أهالي الضحايا تحركاتهم التصعيدية التصاعدية ضد “منظومة النيترات” الحاكمة، فجابوا شوارع بيروت أمس تحت شعار “كلنا ضحايا والمجرم واحد” وصولاً إلى المدخل رقم 3 للمرفأ، مطالبين بكشف الحقيقة ورفع الحصانات عن المدعى عليهم من النواب والمسؤولين.
وإذ أكدوا المضي قدماً في “مواجهة التستر المتعمّد عن الجرائم الكبرى كافة”، أدرج الأهالي ضحاياهم على “لائحة كل ضحايا الحرب والاعمال التفجيرية والخطف والاخفاء القسري وضحايا الإهمال الإداري والاجرام البيئي والتفجيرات وضحايا الصراعات السياسية وضحايا غياب العدالة المستدامة”.
وفي هذا السياق، تؤكد المعطيات القضائية المتواترة أنّ المحقق العدلي القاضي طارق بيطار عازم على استكمال تحقيقاته واستدعاءاته من دون التوقف أمام أي رادع سياسي أو تهويل طائفي، مدفوعاً بزخم الأهالي والضمير الوطني لإحقاق الحقيقة والعدالة. وبرز مساءً تسريب معلومات صحافية تفيد بأنّ بيطار كرّر استدعاء رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب إلى التحقيق وحدّد له تاريخ 26 الجاري موعداً للاستماع إلى إفادته كمدعى عليه في قضية انفجار المرفأ.