لم يكن ينقص المسار الغامض لتأليف #الحكومة سوى صمت الرئيس المكلف نجيب ميقاتي عقب اللقاء الـ 13 بينه وبين رئيس الجمهورية ميشال عون امس في قصر بعبدا، حتى اطلق موجة جديدة من التخبط مقترنة بـ “التبصير” اليومي حول ما يمكن ان ينتهي اليه هذا المسلسل الرتيب الممل الذي يدور في حلقة مفرغة. فعلى رغم التسريبات التي حاولت معاكسة الانطباعات التي أعقبت خروج ميقاتي من مكتب رئيس الجمهورية متجهماً وعدم إدلائه بتصريحه المعتاد امام الصحافيين المعتمدين في قصر بعبدا، بدا من الواضح تماما ان نمط “الجرجرة” و”علك” الوقت واستهلاكه واستنزافه لا يزال يحكم مسار هذا الاستحقاق وان شهراً وأياماً عدة منذ تكليف ميقاتي تشكيل الحكومة، بعد اعتذار الرئيس سعد الحريري، لم تبدل حرفاً في دستور التعطيل والاشتراطات المانعة لأي ولادة حكومية ما لم تكن ملائمة وجانحة لرئيس الجمهورية وفريقه السياسي.
واذا كان بعض الحريصين على إكمال ميقاتي مهمته وعدم استعجاله الاعتذار السريع في نهاية المطاف راحوا يخففون من دلالات الوقت السريع الذي استغرقه اللقاء بين عون وميقاتي، ومن ثم عدم إدلاء ميقاتي بتصريح بعد اللقاء، فان ذلك لم يحجب تداعيات القلق الدولي الذي عاد الى البروز بقوة امس من خلال موقفين خارجيين مهمين للغاية. الأول برز مع رسالة عاجلة من الاتحاد الأوروبي الى رئيسي الجمهورية والمجلس والرئيس المكلف تستعجل تاليف الحكومة وتعرض إمكانات الدعم الأوروبي العاجل للبنان حال تشكيل الحكومة. والثاني من خلال موقف جديد للامين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس يستعجل بدوره تأليف الحكومة، الامر الذي رسم علامات قلق واسعة لجهة تزامن هذين الموقفين مع الإخفاق المتواصل في الأيام الأخيرة في اعلان الولادة الحكومة بعد تقارير كانت كما يبدو قد تركت انطباعات مشجعة لدى المجتمع الدولي. واذا كانت المعلومات المتوافرة عن اللقاء الثالث عشر عكست استمرار دوامة التباينات حول عدد من الحقائب الوزارية والاسماء المطروحة لها، فيبدو ان ثمة عاملاً أضفى لمسات إضافية من التوتر على المشهد السياسي في ظل التطور القضائي الذي برز امس مع اصدار المحقق العدلي في قضية انفجار مرفأ بيروت طارق البيطار مذكرة احضار في حق رئيس حكومة تصريف الاعمال حسان دياب، الامر الذي ردّ عليه رؤساء الحكومات السابقون بحدة رافضين “إهانة” موقع رئاسة الحكومة ومحذرين من استهداف الطائف من خلال استهداف رئاسة الحكومة.
اللقاء الثالث عشر
وكان الرئيس ميقاتي رفض التحدث بعد اللقاء في بعبدا مكتفيا بالقول: “إن شاء الله خيرا”. ورداً على سؤال عمّا إذا قدّم مسوّدة حكومية، قال ممازحاً: المسوّدة سوداء “حدا بيقدّم شي أسود”؟
وأفادت معلومات “النهار” أنّ اللقاء كان سلبياً واتسم بالدوران في حلقة مفرغة حول عدد من الأسماء والحقائب الذين لم يتم التوصل الى توافق في شأنها.
وأكدت مصادر متابعة للملف الحكومي أنّه “تم تقديم أسماء بديلة للوزارات التي تدور إشكالية حولها من قبل الرئيسين لتقريب وجهات النظر، مع المحافظة على توزيع الحقائب الطائفي، إلّا إذا استوجب تعديل الأسماء تعديلاً بالتوزيع الطائفي للحقائب”.
وأفادت المصادر عن احتمال عقد لقاء اليوم بين الرئيسين عون وميقاتي من دون تأكيده .
وعن توزيع الحقائب، أكدت المصادر أنّ توزيع بعض الحقائب على الأطراف ليس ثابتاً بعد، مع إعطاء وزيرين موارنة لسليمان فرنجية حتى الساعة، في حين لم تُحدَّد بعد ما هي الحقائب بشكل نهائي . كما لفتت إلى أنّ هناك خلافا في التشكيلة الحكومية، حول وزارات العدل، الداخلية، نائب رئيس الحكومة، الشؤون الاجتماعية والاقتصاد مؤكدة أنّ الرئيسين سيعملان لاستكمال جمع المعلومات عن الأسماء المطروحة.
رسالة أوروبية عاجلة
وفي تحرك أوروبي لافت سبق اللقاء الثالث عشر للرئيسين، اعلن سفير الإتحاد الأوروبي في لبنان رالف طرّاف بعد لقائه رئيس الجمهورية أنه “بالإمكان الاعتماد على الاتحاد الاوروبي في هذا الوقت الصعب ولكن على المسؤولين اللبنانيين تحمّل مسؤوليّاتهم “ما عاد في وقت”. وقال طراف من بعبدا “منذ بدء الأزمة في لبنان عرفنا أنّه يجب المساعدة للتعامل مع هذه الأزمة ونؤمن أنّ لبنان بحاجة إلى الدعم ونأمل أن يكون موقتاً وسنقوم بكل ما يلزم”.
ونقل طراف الموقف نفسه ضمن رسالة الى رئيس المجلس النيابي نبيه بري من الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية الوزير جوزيب بوريل حول الانفجار الذي حصل في عكار وقد تضمنت بالاضافة الى التعزية والمواساة تأكيده” أن لبنان في حالة كسوف والأخطار الاجتماعية والأمنية تتصاعد يومياً ومخاطر فلتان الامور من عقالها وبالتالي تشكيل حكومة بات أكثر من ضرورة ولمصلحة الشعب اللبناني وبإمكان لبنان الاعتماد على مساعدة الاتحاد الاوروبي في معالجة أموره”.
وبدوره دعا الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيريس “كل القادة السياسيين في لبنان الى تشكيل حكومة فاعلة بشكل عاجل”. وشدد في بيان أصدره المتحدث باسمه ستيفان دوجاريك، على “ضرورة أن تتمكن هكذا حكومة من تقديم الإغاثة الفورية وكفالة العدالة والمساءلة لشعب لبنان وقيادة مسار إصلاح طموح وهادف، لاستئناف الخدمات الأساسية واستعادة الاستقرار، وتعزيز التنمية المستدامة وبث الأمل في مستقبل أفضل”. واعرب عن “قلقه العميق إزاء تدهور الوضع الاجتماعي والاقتصادي السريع في لبنان”. ولفت إلى ان “الشعب اللبناني يعاني كل يوم من تضخم مفرط ونقص حاد في الوقود والكهرباء والأدوية وحتى من عدم توافر المياه النظيفة”.
“احضار”دياب ..والتداعيات
في غضون ذلك برز التطور القضائي في ملف انفجار مرفأ بيروت اذ اصدر المحقق العدلي مذكرة إحضار في حق الرئيس حسان دياب وحدد جلسة للإستماع اليه في 20 أيلول المقبل بعدما امتنع دياب عن المثول أمام البيطار بعد استدعائه كمدعى عليه في ملف المرفأ فأصدر البيطار مذكرة إحضار في حقه.
واثار اجراء البيطار موقفاً غاضباً وحاداً لدى الرؤساء ميقاتي وسعد الحريري وفؤاد السنيورة وتمام سلام الذين اصدروا بيانا مشتركاً، وقعه ايضا ميقاتي، حذروا فيه من انه “لم يسبق ان سُجِّل في تاريخ لبنان اصدار ورقة إحضار بحق رئيس الحكومة اللبنانية على صورة الإحضار الذي خطه المحقق العدلي بجريمة تفجير المرفأ القاضي طارق البيطار. وهذه السابقة خطيرة بكل الأبعاد السياسية والوطنية والدستورية، وتنم عن إجراء غير بريء يتسلق القانون وغضب اهالي الضحايا بالجريمة المدوية، لينال من موقع رئاسة الحكومة دون سواها من المواقع العليا في الدولة اللبنانية التي يشار اليها نهاراً جهاراً بمسؤولية وقوع هذه الجريمة”.
وذكروا باعتراف رئيس الجمهورية بعلمه بوجود نيترات الامونيوم مشيرين الى ان ” فخامته تقاعس وامتنع عن القيام بأي عمل ذي قيمة عملية للحؤول دون حصول تلك الكارثة الإنسانية والاقتصادية والعمرانية التي حلت بلبنان. وهذا ما يعني وجوب ان ترفع الحصانة كذلك عن رئيس الجمهورية في ما خص هذه الجريمة الخطيرة التي اصابت لبنان وبالتالي وعندها يتحرر المحقق العدلي من نصوص لا تعطيه حقوقاً قانونية ودستورية في محاكمة الرؤساء وسواهم ” .
واعتبروا ان اجراء المحقق العدلي ” محفوف بالشبهات السياسية، لأنه يتقاطع مع محاولات لم تتوقف من سنوات للانقلاب على اتفاق الطائف وكسر هيبة رئاسة الحكومة وتطويق مكانتها في النظام السياسي، وهي أفعال تشهد عليها الممارسات القائمة منذ عامين لتعطيل تشكيل الحكومات وتطويق الصلاحيات الدستورية للرؤساء المكلفين”.