مع ان اليوم الاثنين يشكل عملياً موعد الانطلاقة الرسمية لحكومة الرئيس نجيب ميقاتي التي أبصرت النور الجمعة الماضي، فإن ما يمكن وصفه بالطالع السيء استبق الجلسة الأولى لمجلس الوزراء التي ستعقد في قصر بعبدا قبل ظهر اليوم لتشكيل اللجنة الوزارية لصياغة البيان الوزاري بعد التقاط الصورة التقليدية. ذلك ان عدداً وافراً من الوزراء الجدد لم يمهلوا رئيس الحكومة ولا مجلس الوزراء مجتمعاً، كما تفرض الأصول الشكلية والدستورية لانعقاد الجلسة، بل استغلوا فترة الساعات الـ48 الفائتة التي أعقبت اعلان مراسيم تشكيل الحكومة وراحوا ينتشرون عبر الشاشات معلنين بملء الفم بياناتهم الوزارية الفردية كل على هواه واتجاهاته الخاصة، بل ان بعضهم ذهب بعيداً جداً في اطلاق العنتريات التي تنوعت بين مواقف “متنمرة” سياسية اوخدماتية اوإعلامية. شكلت هذه الثغرة صدمة أخرى أعقبت ثغرة أولى تمثلت في تفلت مجموعة وقائع حول “فضائح” او مواقف لوزراء جدد شغلت الرأي العام وطغت حتى على الاصداء الإيجابية التي تركها اعلان الحكومة داخليا وخارجيا، الامر الذي شكل واقعياً عينات ونماذج من حالة مشروعة عامة في البلاد يطغى عليها انعدام الثقة بمجمل الطبقة السياسية، وجاءت الشوائب التي تضمنتها التركيبة الحكومية لتزيد في تفاقم هذه الحالة.
ومع ذلك فان التحديات الجوهرية والأكثر جدية وخطورة ستبدأ اليوم تحديداً أولا مع تحديد العناوين الأساسية للتحديات التي ستواجهها الحكومة من خلال بدء صياغة البيان الوزاري. ومع ان أحداً لا يأخذ بالبعد الجدي لالتزام الحكومات المتعاقبة بياناتها الوزارية، فانه سيتعين على الحكومة الجديدة ان تتعامل بمنتهى الدقة والحذر وروح الالتزام مع الأولويات التي ستوردها في بيانها الذي سيشكل الوثيقة الأساسية لتعاملها مع مجتمع دولي، صحيح انه رحب بتشكيلها، ولكنه ذكر بشكل صارم بأن دعمه للبنان سيكون مشروطاً بالإصلاحات الأساسية التي يجب على الحكومة التزامها وتنفيذها. اما الدفعة المباشرة الأخرى للتحديات التي بدأت الحكومة في مواجهتها واقعياً فتمثلت في الاستشراء غير المسبوق في أزمات البلد ولا سيما منها ازمة المحروقات الذاهبة من اليوم الى أسوأ مراحلها في الفترة الفاصلة ما بين رفع الدعم نهائياً عن المحروقات والجفاف الواسع في تزود المواطنين بالبنزين والمازوت، فيما تتجه أيضا ازمة الكهرباء الى عتمة شاملة. هذه القنبلة الجاهزة للانفجار اجتماعياً بأقسى اشكالها ستكون في الساعات المقبلة بمثابة الاختبار الأشد ضغطاً على الحكومة فيما يبدأ وزراؤها الجدد تسلم مهماتهم من الوزراء السابقين.
وكان الرئيس ميقاتي باشر السبت عقد اجتماعات متتالية مع الوزراء في إطار مناقشة تصورهم لعمل وزاراتهم والملفات الأساسية المطلوبة، والتحضير للبيان الوزاري الذي ستنال الحكومة الثقة على أساسه. كما عقد ميقاتي اجتماعا ضم الوزراء الجدد والسابقين المعنيين بموضوع البطاقة التمويلية التي تم الاعلان عن المباشرة بتسجيل من يرغب الافادة منها وفق الشروط المحددة. وحرص رئيس الحكومة على الاطلاع تفصيلياً على المراحل التي قطعها هذا الموضوع، وما إذا كان الاعلان عن البطاقة قد اقترن فعلياً بمصادر تمويل محددة، ومواعيد محددة للدفع، أم أن البحث سيستمر في هذا الموضوع لايجاد التمويل المناسب والحلول النهائية لكل المسائل المتعلقة بهذا الملف. وقد اتفق بنتيجة البحث على أن يستكمل الوزراء الجدد والسابقون البحث في الأيام القليلة المقبلة لإعداد التقرير النهائي في هذا الموضوع.
الاتحاد الأوروبي
وفي الاصداء الخارجية لولادة الحكومة أعرب الاتحاد الأوروبي، أمس عن دعمه لتشكيل حكومة جديدة في لبنان، برئاسة نجيب ميقاتي. وقال في تصريحات أوردتها وكالة “رويترز” أنه مستعد لحشد الجهود، من أجل دعم لبنان، ومساعدته على مواجهة الأزمات التي يعانيها. وقالت المفوضية الأوروبية للشؤون الخارجية: ” لقد تفاقمت الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في البلاد بشكل ملحوظ في الأشهر الماضية، وزادت من الصعوبات الحالية بسبب شلل القوة ونقص الوقود، لذلك على جميع الأطراف المعنية أن تظهر نفس العزم والقدرة على التسوية، وأن تتبنى بدون تأخير الإجراءات اللازمة لضمان تلبية الاحتياجات الفورية والتوقعات المشروعة للشعب اللبناني. بما في ذلك التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي”. ودعا الاتحاد الأوروبي الى ضرورة مباشرة الاستعدادات للانتخابات البلدية والبرلمانية والرئاسية العام المقبل “بطريقة حرة ونزيهة وشفافية” وأضاف “في هذا الصدد نرحب بتصريح رئيس الوزراء ميقاتي وعزمه على إجراء هذه الانتخابات في موعدها المحدد، فنحن واقفون إلى جانب لبنان في جهوده للتغلب على التحديات التي يواجهها البلاد”.
واما في المواقف الداخلية من الحكومة فرحبت الهيئة السياسية في “التيّار الوطنيّ الحرّ” بـ “تشكيل الحكومة الجديدة التي أسقطت بولادتها كل الافتراءات والممارسات والأكاذيب التي استهدفت على مدى سنة كاملة تعطيل المؤسسات لضرب العهد وكسر التوازنات ” ولكنها مضت في المناورات زاعمة ان “التيّار الذي لم يشارك في الحكومة، قام بواجبه الوطني في تسهيل ولادتها وهو ينتظر بيانها الوزاري ليحدّد موقفه من إعطاء الثقة لها، مع فتح باب النقاش لذلك.
السنيورة وجعجع
في المقلب المتحفظ او المعارض قال الرئيس فؤاد السنيورة قال في حديث لـ “النهار” قبل ساعات قليلة من ولادة الحكومة ان “المشكلة الاساس، هي أن الدولة مخطوفة، وهو ما يظهر جلياً بعدم التقيد بالدستور … كل معالم الدولة أصبحنا في حل منها، ولم نعد نميز بين ما هو حق وما هو باطل”. واعتبر ان “ما يزيد مشكلة انفراط البلد وتفككه، هو ما طرح من ثلث معطل لرئيس الجمهورية. هذا الواقع يدل بوضح إلى تخريب النظام الديموقراطي. ليس فقط الثلث المعطل، إنما نمط تشكيل حكومات الوحدة الوطنية، وهي التي بات تقليدها واقعاً منذ عام 2008. تحوّلت الحكومة إلى مجلس نواب مصغر، وهذا أول انتهاك للدستور أي أن الحكومة هي انعكاس للمجلس”. واعتبر السنيورة ان رئيس الجمهورية ميشال عون “الذي يصر على موقفه وشروطه لا يكترث لما يحدث للناس ولا يوافق إلا إذا نال ما يريد، وهذا يعني أنه لا يتصرف كرئيس للجمهورية بل كرئيس لتيار سياسي. وما وصلنا اليه من وضع مزر يتحمل مسؤوليته الجميع، ذلك عندما كنا نوافق أخيراً على شروطه، الم يُحجز البلد في الفراغ لمدة سنتين ونصف السنة بين 2014 و2016؟ عدم احترام الدستور أوصلنا إلى ما نحن عليه وخطفت معه الدولة.” ورأى ان “إخراج البلد من مأزقه لا يتم فقط بتأليف حكومة، الحكومة المتجانسة بلا وصاية سياسية وحدها تتقدم، مع إدراك مجلس النواب لما يجب أن يتخذه “.
أما رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع فقال “ان النواة الصلبة للمجموعة الحاكمة المكونة من “التيار الوطني الحر” و”حزب الله” مسؤولة عن ايصال لبنان الى الحضيض فكيف لها ان تنتشله عن طريق حكومة هي مسؤولة عن تشكيلها في شكل اساسي؟” وقال “بغض النظر عن وجود بعض الشخصيات التي نكنّ لها الاحترام ومع تقديرنا لجهود الرئيس نجيب ميقاتي وعزمه الدائم على تحمل المسؤولية، فإنه على الأرجح لن يكون قادراً على احداث التغيير المطلوب والشروع في المسار الانقاذي بوجود المجموعة الحاكمة إياها”. وفيما لم ير جعجع “ان في الحكومة ثلثاً معطلا لا فوق الطاولة ولا تحتها” ، الا انه اعتبر “ان التأليف بذاته ليس الا حبّة بانادول” . وحول امكانية منح تكتل الجمهورية القوية الحكومة الثقة، قال ان “موقفنا المبدئي من كل الحكومات السابقة هو نفسه، غير ان التكتل سيجتمع ويناقش البيان الوزاري ويدرس تركيبة الحكومة، علماً ان ليس ما يشجع على الثقة ما دامت المنظومة السيئة ذاتها كانت لها اليد الطولة في إنتاج هذه الحكومة”.