هل يُفجّر ملف تحقيقات المرفأ الحكومة الجديدة؟ الجواب برسم الأيام والأسابيع المقبلة. إلّا أنّ ما هو مؤكدٌ أن القضية بحد ذاتها قنبلةً موقوتة على طاولة مجلس الوزراء، ولن تكون مهمة الرئيس نجيب ميقاتي سهلةً لفكّ شيفرتها، ومنعها من الانفجار، وتفجير نصاب الحكومة التي لم يمضِ على تشكيلها أسابيع، بعد جهدٍ دام لأكثر من سنة.
إجراءات عدة اتّخذها المحقق العدلي، القاضي طارق البيطار، يوم أمس قبل أن يتسلّم طلب ردّه. فقد أصدر مذكّرة توقيف بحق عضو كتلة التنمية والتحرير النائب علي حسن خليل، بعد أن كان قد سطّر مذكّرة مشابهة بحق الوزير السابق يوسف فنيانوس، الذي لم يتم توقيفه بعد.
والجدير بالذكر، أنّ الإجراء تم اتّخاذه بعد أقل من 24 ساعة على رفع الأمين العام لحزب الله، حسن نصرالله، سقف المواجهة مع المحقّق، واتّهامه بتسييس التحقيق، ما يعني أنّ المعركة المفتوحة بين الطرفين قد استعرت، والبيطار مصمّم على استكمال عمله دون الخضوع لأي ضغوط سياسية.
هذه المستجدات القضائية كانت مادةً دسمة ذات نكهة مرّة على طاولة مجلس الوزراء، واستدعت موقفاً حكومياً طيّر الجلسة الوزارية، ما أدى إلى تعليقها، على أن تستمر اليوم. انقسم مجلس الوزراء حول الموقف الذي من المفترض أن يصدر عنه حول إجراءات البيطار، وقد انسحب وزراء حزب الله، وحركة أمل، وتيار المردة، من الجلسة لمراجعة قياداتهم السياسية، في حين سُمع همس حول إصرار هؤلاء الوزراء على استبدال قاضي التحقيق في الملف المذكور.
وبالعودة إلى قصر العدل، تسلّم البيطار يوم أمس طلب ردّه عن الملف، ما يعني أن متابعته ستتوقف إلى حين صدور قرار حول الموضوع. ومن المتوقّع تكرار سيناريو طلب الرد الأول، حينما تم رفضه شكلاً وليس نوعاً، وقد عاد البيطار لمزاولة تحقيقاته بشكل طبيعي. تندرج هذه التحركات في سياق تأخير التحقيقات حتى فتح دورة انعقاد عادية لمجلس النواب في 19 الجاري، كي تعود الحصانة إلى النواب المدّعى عليهم.
الخبير الدستوري والأستاذ الجامعي، عادل يمين، لفت إلى أنّه “إذا اعتمدت المحكمة المنطق نفسه الذي اعتمدته الغرفة الجزائية برئاسة القاضية جانيت حنا، والذي قام على قاعدة أن لا لزوم لانتظار تعليق القاضي المطلوب ردّه، ولا إبلاغ باقي الخصوم، لأنّ المحكمة رفضت وضع يدها على الملف باعتبارها غير مختصة، واعتبرت أنّ إبلاغ الأفرقاء وتلقي تعليقاتهم يشكّل وضع يد من قِبل المحكمة على القضية، واعتبرت أن لا لزوم لانتظار هذه التعليقات طالما المحكمة تعتبر نفسها أساساً غير مختصة، ولا يحق لها وضع اليد على الملف، ويُمكن أن يصدر القرار غداً، ولا داعي لانتظار مهلة ثلاثة أيام”.
وفي حديثٍ لجريدة “الأنباء”، ذكر يمين أن “البيطار يستكمل عمله في حال رفضت المحكمة طلب الرد. وأنا من أصحاب الرأي القائل إنّ تاريخ 19 تشرين الأول (تاريخ فتح دورة انعقاد عادية لمجلس النواب) لا تأثير له، لأنّ القاضي البيطار سبق وادّعى على النواب، وطالما أنّ الادّعاء والملاحقة الجزائية حصلا خارج دورة الانعقاد العادية، فلا يعود بحاجة إلى إذن البرلمان للاستمرار في ملاحقته عندما يدخل المجلس النيابي في دورة انعقاد”.
وعن كفّ يد البيطار واستبداله، أكّد يمين أنّم منح، “مجلس الوزراء لا يملك صلاحية كف يده أو تغييره، لأن هذا القاضي يُعيّن بطريقة استثنائية، بقرار من وزير العدل بعد موافقة مجلس 0القضاء الأعلى، وهو ليس جزءاً من تشكيلات قضائية، أو من أي آلية لإلغاء تعيينه، إذ لا يوجد أي نصٍ صريح يولي مجلس الوزراء هذه الصلاحية إطلاقاً، ولا أرى أي دور لمجلس الوزراء بهذا الموضوع”.
عضو تكتل “لبنان القوي”، النائب مصطفى حسين، تمنّى أن تصل تحقيقات انفجار المرفأ إلى مرحلة متقدمة وكشف هوية الفاعل، إلّا أنه اعتبر أنّ، “الغموض الذي يلف التحقيقات مُزعج، وكلام نصرالله الأخير مُحق، إذ نشعر باستنسابية في التحقيقات”، وسأل: أين هم من استقدموا النيترات؟ وأين هم من أنزلوا النيترات، وخزّنوها في المرفأ؟ من هم أصحاب الشحنة الحقيقيون؟ أي الرؤساء والوزراء والقضاة الذين كانوا في مواقع مسؤولية آنذاك؟”
ولفت في اتصالٍ مع جريدة “الأنباء” الإلكترونية إلى أنّ، “هذه الأمور متشعّبة، وهناك محاولات تحميل رئيس الحكومة السابق حسان دياب، والنائب علي حسن خليل وغيرهم المسؤولية. والقرار المتعلّق بخليل الذي صدر يوم أمس مجحف، في حين أنّ المسؤولين الفعليين لم يتم استجوابهم، أو اتّخاذ الإجراءات القانونية بحقهم”.
وذكر أنّ، “الحكومة ناقشت ملف التحقيقات يوم أمس، وقد انسحب عدد من الوزراء، ومن ثم عادوا إلى الجلسة. أما وبالنسبة لجلسة اليوم، فيُبنى على الشيء مقتضاه”.
ورداً على سؤال حول كف يد البيطار عن الملف واستبداله، قال حسين: “في حال استمر سير الأمور في المنهج نفسه، يُفضّل أن يكون هناك قضاءٌ نزيه، فالتحقيقات الحالية مسيّسة واستنسابية، ونطالب ألّا يكون التحقيق مسيّس”.
بدوره، رأى عضو كتلة التنمية والتحرير، النائب فادي علامة، أنّ “هناك استنساب بالقضاء. ولهذا السبب كنا قد طلبنا أن يتم المجرى القضائي حسب الأصول القضائية. ونحن نحترم القضاء، إذ وبما يختص بالنوّاب والوزراء السابقين، هناك هيئة مختصة، وهي المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء. وأمّا بالنسبة للقضاة، فيجب أن يُحال ملفّهم إلى التفتيش القضائي، وهذا المسار لم يتم اعتماده”.
وشدّد في اتصالٍ مع “الأنباء” على وجوب معرفة حقيقة ما حصل: كيفية وصول هذه النيترات إلى لبنان، والجهة التي تقف خلف استقدام هذه الكميات وتخزينها. ولكن حتى الآن دخلنا في مرحلة التوقيفات، ولم نعلم مسار التحقيقات، وحينما نسأل عن الموضوع، يكون الجواب بأن التحقيق سري ولا يُمكن إعطاء الأجوبة”.
وختم علامة حديثه متمنياً على ميقاتي إجراء اتّصالاته لاستيعاب الأمور.