جولة اتصالات أجراها رئيس الحكومة، نجيب ميقاتي، في الساعات الماضية بعد النقاش الحاد الذي شهدته جلسة مجلس الوزراء أول من أمس على خلفية مطالبة وزراء الثنائي الشيعي وتيار المردة، بإقالة المحقق العدلي القاضي طارق البيطار، وكف يده عن متابعة التحقيق بانفجار المرفأ، ما دفعه إلى تأجيل الجلسة التي كانت مقرّرة بعد ظهر أمس، وذلك بالاتفاق مع رئيس الجمهورية، ميشال عون، لاستكمال المشاورات وتدوير الزوايا مخافة أن تصل الأمور إلى ما هو أصعب بكثير، وبالأخص بعد طرح البعض معادلة إما الحكومة وإما البيطار، لتدخل بذلك الحكومة في الإقامة الجبرية.
وفي الوقت الذي ينذر بتصعيد الأمور بعد تهديد الثنائي الشيعي باللجوء إلى الشارع، وتوجيه الأمانة العامة لمجلس النواب كتاباً إلى وزير الداخلية لإبلاغ المحقق العدلي أنّ التحقيق مع الرؤساء والوزراء والنواب من صلاحية المجلس النيابي، ولا علاقة للمحقق العدلي بهذا الموضوع، يستمر شد الحبال القائم بين مؤيدٍ للتحقيق الذي يجريه البيطار والمطالبين بإقالته، وهو ما ينعكس على التضامن الحكومي. فالحكومة لا يمكنها الاستمرار على هذه الحالة من الانقسامات والخلافات. وفي الوقت عينه يتعذّر على رئيسها إعادة لم الشمل، وإعادة وصل ما انقطع، في وقتٍ يسجّل الدولار الأميركي قفزات نوعية على حساب الليرة اللبنانية، بعد أن تجاوز سعره عتبة الـ21 الف ليرة، وهو ما عكس ارتفاعاً في أسعار المحروقات والمواد الغذائية، وربطة الخبز التي حدّدتها وزارة الاقتصاد بـ7500 ليرة.
وفيما وصفت مصادر سياسية الأوضاع في البلاد بالخطيرة جداً، معتبرةً أنّ البلاد تمرّ بمنعطف خطير، ومتخوفة من تفلّت الشارع، رأى عضو كتلة المستقبل، النائب بكر الحجيري، عبر “الأنباء” الإلكترونية، “أنّنا أمام أزمة شاملة من كل النواحي يصعب حلّها بالطرق التقليدية المتّبعة”، مضيفاً “يبدو أنّ رئيس الحكومة كان يستسهل الأمور أكثر من اللزوم، فالحل كما هو حاصل إمّا أن تكون هناك حكومة، ومقابل ذلك عودة قضائية إلى أماكن تراجعية، أو لن تكون هناك حكومة”. فالمسألة، برأيه، لن تتوقف عند حدود الاستقالة، فهناك شحنٌ طائفي ومذهبي، قائلاً: “المؤسف أنّ البعض لم يكن مقتنعاً أنّ الأمور ذاهبةٌ بهذا الاتجاه”.
وقال: “لقد حوّلوا مجتمعنا إلى مجتمعٍ من الشحّاذين، فنحن اليوم نعيش في مأساة كبيرة ومعقّدة من الصعب جداً الخروج منها”.
توازياً، لفت عضو تكتل الجمهورية القوية، النائب أنيس نصار، في حديثٍ لجريدة “الأنباء” الإلكترونية إلى نية الفريق الممانع عزل القاضي البيطار، وهذا يعني وقف التحقيق في انفجار المرفأ، مضيفاً: “هناك قاضٍ جرى تعيينه محققاً عدلياً بموجب القانون، فلماذا لا ندعه يكمل مهمّته إلى الآخر، وعندما يخطىء نقول له بأنّك أخطأت؟”، مذكراً أنّ القوات اللبنانية سبق وطالبت بلجنة تقصي حقائق دولية، فكان الفريق الذي يطالب اليوم بكف يد البيطار يصرّ على القضاء اللبناني، وعندما وجد أنّ هذا القضاء يقول كلمته، ويضع الإصبع على الجرح، قامت القيامة.
بدوره، عضو كتلة الوسط المستقل، النائب علي درويش، رأى في اتصالٍ مع “الأنباء” الإلكترونية أنّ المرحلة تتطلب الكثير من التروي والحكمة في التعاطي بعد كل الذي حصل بموضوع التحقيق في انفجار المرفأ، قائلاً: “كنا من البداية نطالب بترك الأمور للمعنيّين بالأمر باعتباره موضوعاً قضائياً بحتاً، ولا بد من عودة الأمور إلى مسارها السليم”، داعياً المخلصين مساعدة الرئيس ميقاتي على تهدئة الأمور، لأنّ ليس لنا مصلحة أن تنزلق الأمور إلى هذا المنحى الخطير، فالرئيس ميقاتي يقوم بدور التهدئة، وتأجيل جلسة الأمس أتى ضمن هذا السياق لمزيدٍ من التشاور وإعادة الأمور إلى نصابها، فهو يفضّل التهدئة منعاً للتصعيد.
من جهته، عزا النائب السابق، إدمون رزق، ما يحصل إلى تسليم مقدرات البلد لأشخاصٍ لا يحبّون بلدهم، مشيراً عبر “الأنباء” الإلكترونية إلى أنّه عندما يكون صاحب المسؤولية ليس مؤهلاً، ولا يملك الاستعدادات والإمكانات اللّازمة للحكم ينهار البلد، واصفاً الحملة على المحقق العدلي بالظالمة وغير المحقة.
وقال: “بحسب متابعتي للموضوع هناك من لا يريد العدالة، ولا يريد الحقيقة، وهذا الأمر تعوّدنا عليه. تُرتكب الجريمة ويُجهّل الفاعل”، مضيفاً: “بكل أسف البلد سائب، وحكّامه أعداؤه، فالشعب يسير باعتبارات طائفية ومذهبية، والمرجعيات الدينية والطائفية منغمسة بهذا الفولكلور”، مشبّهاً رجل الدولة برب العائلة، والشعب والوطن هما عائلته.
وقال: “للأسف ليس في الواجهة مَن يعطينا الأمل والرجاء”، مستغرباً كيف يُقسم المسؤول على الدستور، ولا يعرف كيف يحكم البلد، داعياً إلى نهضة شعبية عامة لتصحيح هذا الوضع قبل فوات الأوان.