على مشارف الساعات الثماني والأربعين الأخيرة من السنة 2021 والاستعدادات لاستقبال السنة 2022، بدا لبنان كأنه يختصر المسار المأزوم والمتوتر، بل الكارثي، لكل السنة المتأهبة للرحيل تاركة فيه زلزالاً إضافياً من تداعيات الازمة المالية والاقتصادية والاجتماعية المتفاقمة من جهة، والازمة الصحية والاستشفائية الناجمة عن أسوأ انهيار عرفه القطاع الطبي والصحي عموما من جهة أخرى. بين “تسونامي” (وهو التعبير الذي استعملته منظمة الصحة العالمية امس للإعراب عن الخوف الكبير من انتشار كورونا ( الازمات والانهيارات والانسداد السياسي التام الذي لا ينبىء اطلاقاً بأي اختراق ربما كان مبرراً للحكومة بان تتردد وتمتنع عن اتخاذ قرار بالاقفال العام بسبب موجة التفشي الرابعة الخطيرة والمفزعة لكورونا في لبنان أسوة بمعظم دول العالم، لان لبنان بات من ضعف المناعة الاقتصادية وعدم القدرة على احتمال الاقفال في درجة تجاوزت الخطورة القصوى، ولذا ركبت الحكومة مركب المغامرة الخطيرة في تأخير قرار الاقفال العام. ولكن مسألة تفشي الوباء والاستنفار الحكومي لمواجهته لم يحجب الخواء السياسي التام الذي طبع الأيام الأخيرة من السنة والذي انعكس برودة جليدية في تعامل القوى السياسية في معظمها مع مضامين المواقف التي اعلنها كل من رئيس الجمهورية ميشال عون في خطابه مساء الاثنين الماضي، ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي في مؤتمره الصحافي الثلثاء. ومع ان اوساطا سياسية معنية تتوقع ان تشهد الأيام الأولى من السنة، في الأسبوع المقبل، إعادة بث الحرارة بقوة في المشهد الداخلي الجامد حاليا، فان هذه الأوساط تعزو الحرارة المرتقبة مع مطلع السنة 2022 إلى انطلاق العد العكسي جديا ورسميا وعمليا هذه المرة للانتخابات النيابية بعدما اكتملت امس التواقيع على صدور مرسوم دعوة الهيئات الناخبة بما يعني عمليا ان لا شيء يدعو بعد الان، اقله من الناحية المبدئية ، للشكوك في جاهزية الدولة للانتخابات وبدء التحضيرات الفعلية لهذا الاستحقاق الأساسي الذي يترتب على لبنان في السنة الجديدة مع الانتخابات الرئاسية. ولكن وطأة الازمة السياسية تبدت بقوة في الساعات والأيام الأخيرة من السنة الحالية مع ظهور معالم التفكك الواسع الذي طبع الواقع الحكومي والسلطوي في ظل مواقف عون وميقاتي، اذ ساهم تجاهل القوى المفترض ان تتعامل مع مواقفهما ولا سيما منها الثنائي الشيعي لأي ابداء رد فعل على هذه المواقف في رسم ملامح البرودة المتعاظمة في العلاقات بين مكونات السلطة والحكومة حتى لو كان هناك من يشكك في جدية التباعد الآخذ في الاتساع بين رئيس الجمهورية و”التيار الوطني الحر” من جهة و”حزب الله ” من جهة أخرى . ولذا اثارت الأوساط المعنية نفسها تساؤلات قلقة عما سيؤول اليه مصير الحكومة في قابل الأسابيع إذا تطورت حالة التباعد والتوتر الصامت بين مكوناتها إلى درجات اكبر من السخونة تحت تأثير الحسابات الانتخابية والشعبوية التي قد تجرف الكثير من القوى إلى سقوف التصلب حيال التباينات والشروط التي أدت إلى شل مجلس الوزراء وتعليق وضع الحكومة على تموجات تسوية لا تبدو واردة حتى امد طويل أصلا، فكيف الان مع بدء تسخين المناخات الانتخابية؟
سليمان
اذن على وقع الجمود الذي يطبع الملف السياسي والحكومي، يقلع قطار الانتخابات النيابية على سكته اذ وقّع الرئيس ميشال عون مرسوم دعوة الهيئات الناخبة لانتخاب اعضاء مجلس النواب في 15 ايار للمقيمين وفي 12 ايار للموظفين المشاركين بالعملية الانتخابية وفي 6 و8 ايار لغير المقيمين على الاراضي اللبنانية.
وفي الوقت الذي تنتظر فيه القوى السياسية مطالع السنة لتلمس إمكانات المخارج للأزمة الحكومية، وتاليا للازمات المتراكمة التي ترخي بتداعياتها على لبنان
علق الرئيس ميشال سليمان على بعض جوانب الخطاب الأخير للرئيس عون فاعتبر ان “الدعوة إلى الحوار الوطني لطرح الاستراتيجية الدفاعية تأخرت كثيرا ولكن تنطبق على هذا الموضوع مقولة “ان تأتي متأخراً خيرٌ من ان لا تأتي ابدا. ولكن يجب الا يغرب عن بالنا ان الاستراتيجية هي متلازمة مع اعلان بعبدا الذي وضع ليشكل الاطار السياسي لها”. وأضاف “ينبغي لرسم الاستراتيجية تحديد مسرح العمليات والعدو او الاعداء والصديق او الاصدقاء والقدرات القومية التي يجب ان توضع بتصرف هذه الاستراتيجية. بعد ان وضع الإطار السياسي المتمثل باعلان بعبدا عام 2012 ووافق عليه الجميع تدخل حزب الله في سوريا والعراق واليمن وغيرها وأصبح مسرح العمليات واسعاً جداً ولم يلتزم ببند التحييد عن صراعات المحاور مخالفاً البند 12 كما أقدم على فتح الحدود مع سوريا لتنقل الاسلحة والمسلحين مخالفا البند 13 من الإعلان. اما العدو والمخاطر التي يجب ان تتناولها الاستراتيجية فهي معروفة العدو الصهيوني والارهاب والتطرف بالإضافة إلى اي جهة او دولة تعتدي على سيادة لبنان وتصادر قراره. اما بالنسبة للصديق فقد خسر لبنان اصدقاءه التقليديين بسبب سياسة المحاور ولم يربح صداقة دول محور الممانعة لانها تريده تابعاً تهيمن على سيادته. والسؤال هو ما هي الاستراتيجية في ظل هذا الإطار؟ هل هي لالحاق الجيش والدولة بحزب الله ومسرح الممانعة وساحاتها ومحورها؟ ام لاستعادة حزب الله إلى الداخل اللبناني والمسرح الوطني والساحة اللبنانية وبالتالي وضع قدراته من ضمن القدرات القومية التي يحددها المجلس الاعلى للدفاع بتصرف الجيش وأمرته الذي يخضع لسلطة مجلس الوزراء وينفذ السياسة الدفاعية التي يقررها باشراف رئيس الجمهورية القائد الاعلى للقوى المسلحة.
ولذلك الثلاثية سقطت واسقطها حزب الله لانه لم يأبه للركيزتين الاساسيتين من هذه الثلاثية وهما الشعب الذي تمثله الدولة والجيش اللبناني ولم يسأل رأيهما ويأخذ بالاعتبار المخاطر التي تنتج عن ذلك وقد انتجت خراباً وانهياراًوخاصة بعد ان سكتت الدولة عن تصرفاته”.
كما ان رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط وغداة تعليقه على خطاب الرئيس عون عاد وغرد أمس فكتب “ومنعا ان يختلط الحابل بالنابل وان ندخل في جدل بيزنطي حول السلاح ومزارع شبعا في الحوار، فإن أفضل طريقة لوقف التدهور هو اجتماع للوزارة أولوياته شؤون المواطنين وتحصين الجيش والمؤسسات الأمنية والتفاوض مع المؤسسات الدولية، هذا هو رأيي العملي بعد تصريح الرئيس ميقاتي”.
وفي امر متصل بأزمة التجاذبات بين اركان السلطة وقّع الرئيس عون بعد ظهر أمس مراسيم ترقية الضباط في الأسلاك العسكرية كما وردت إليه من رئاسة الحكومة، باستثناء الترقية من رتبة عقيد إلى رتبة عميد، نظراً لعدم إرسال مراسيم ترقية ضباط الجيش من رتبة عقيد إلى رتبة عميد للسنتين السابقتين للتوقيع.
وعد الكهرباء
وسط هذه الاجواء الملبدة، قطع وزير الطاقة وليد فياض وعدا جديدا أمس بزيادة ساعات التغذية بالكهرباء على غرار التعهد الذي قطعه الرئيس ميقاتي اول من أمس. فبعد زيارته الرئيس عون أكد الوزير فياض ان “تحسين التغذية والنهوض بقطاع الكهرباء يسير على السكة عبر موضوع الغاز القادم من مصر عبر سوريا، ما يتيح 8 ساعات إضافية وكهرباء الأردن تزيد ساعتين أي 10 ساعات ككل وإصلاح الخط يجب أن يستغرق شهراً ونصف الشهر ما يسمح بوصول الغاز إلى دير عمار، ومن ناحية ثانية يجب أن تكمل مصر العمل الذي تقوم به”. وابرز اهمية “دعم الرئيس عون لقطاع الكهرباء عبر تحسين أداء مؤسسة كهرباء لبنان ودعمه الدؤوب لهذا الموضوع، ومن ضمنه موافقة رئيس مجلس الوزراء على موضوع إصلاح خط الغاز الذي أطلقناه أمس” . واوضحت رئاسة الجمهورية انه بحلول أواخر شباط سيتم الانتهاء من إصلاح خط الغاز في المرحلة الأولى ما يسمح بوصول الغاز المصري إلى لبنان.
الكبتاغون!
على صعيد اخر متصل بملف مكافحة تهريب الممنوعات إلى دول الخليج أعلنت شعبة مكافحة المخدرات في المديرية العامة للجمارك أمس أنّه تمّ العمل على مراقبة وتوقيف عدد من الأشخاص المشتبه بقيامهم بتهريب حبوب كبتاغون إلى دول الخليج ورصد شحنة من الحمضيات كانت في صدد التحضير لشحنها من مرفأ بيروت وتمّ ضبط كمية كبيرة من حبوب الكبتاغون مخبأة ضمن فواكه اصطناعية من لدائن مخبأة ضمن صناديق حمضيات بهدف التمويه.
وقام وزير الداخلية والبلديات بسام مولوي بزيارة مسائية إلى المرفأ للكشف على شحنة الليمون التي ضُبط بداخلها نحو 9 ملايين حبة كبتاغون، على ما أعلنت الوزارة. وقال مولوي: “عملنا مستمرّ منذ أكثر من شهرين، ونودّ إيصال رسالة للعالم العربيّ عن جدّيّتنا وعملنا لمنع الشرّ عن أشقّائنا العرب”.