كتبت صحيفة “نداءالوطن” تقول: “عندما نفكّر في الدول الفاشلة، فإنّ الصور التي تتبادر إلى الذهن هي أفغانستان أو اليمن أو جنوب السودان، ولكن لبنان الدولة التي كانت الأكثر روعة في الشرق الأوسط، تنضم إلى تلك الدول”!… عبارة استهلالية لتقرير “سي أن أن بالعربية” عن الانهيار اللبناني، كفيلة وحدها بتجسيد انقلاب صورة لبنان في أعين العالم، من موطن للعز إلى موطئ للذل، ومن أكثر الدول “الروعة” إلى أكثر الدول “المروّعة” بما بلغته من واقع تراجيدي ووقائع مأساوية تحت قبضة زمرة حاكمة أوصلت اللبنانيين إلى أسفل سافلين مالياً واقتصادياً واجتماعياً ومعيشياً وخدماتياً، ولا تزال تحفر تحت أقدامهم وتعمّق أزماتهم دونما أدنى حسّ بالمسؤولية الوطنية أو أقله بالمسؤولية الأخلاقية والإنسانية عن واجب إنهاء عذابات الناس ووقف تمدد دورة مآسيهم الحياتية.
ولأنّ طبع التسلّط غلب تطبّع السلطة بمهمة استنهاض البلد وإنقاذ أبنائه، تتربص قوى الحكم بالاستحقاق الانتخابي المقبل لقطع الطريق أمام أي مشروع تغييري يهزّ ركائز أكثريتها، بعدما تيقنت من أنّ النتائج التي ستفرزها صناديق الاقتراع لن تكون في صالحها، فكان القرار بوجوب العمل على بلورة الحجة القانونية لإرجاء الاستحقاق في أيار… وعلى ذلك استقرّ الرأي بين رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل وقيادة “حزب الله”، على أن يشكل بند الاقتراع الاغترابي مدخلاً لتنفيذ مؤامرة “تطيير” الانتخابات النيابية، وفق ما نقلت مصادر واسعة الاطلاع لـ”نداء الوطن”، كاشفةً أنّ الجانبين عقدا اجتماعاً في الآونة الأخيرة “واتفقا خلاله على إعادة إحياء مسألة الدائرة 16 لتصويت المغتربين عبر تقديم تكتل “لبنان القوي” اقتراح قانون معجلاً مكرراً يرمي إلى إلغاء المادة الثانية من تعديلات قانون الانتخاب التي علقت العمل بهذه الدائرة، مقابل تعهد “حزب الله” لباسيل بأن يضمن موافقة رئيس المجلس النيابي على المضي قدماً في هذا الاتجاه”.
ولفتت المصادر إلى أنّ القرار بعرقلة الاستحقاق الانتخابي أتى نتيجة “استطلاعات رأي موثوق بها بيّنت أنّ ما نسبته 80% من الصوت الاغترابي سيصب في صناديق الاقتراع لصالح مرشحي قوى المعارضة من الأحزاب وقوى المجتمع المدني، ما سيعني حكماً خسارة الأكثرية الراهنة لأكثريتها في المجلس المنتخب الجديد في حال الإبقاء على تصويت المغتربين على مستوى مقاعد المجلس الـ128، ولذلك فإنّ المصلحة المشتركة بين “التيار الوطني الحر” و”حزب الله” تقتضي إعادة حصر صوت الاغتراب بالمقاعد القارية الستة، ضمن إطار ما يُعرف بالدائرة الـ16، للحد من حجم الخسارة الانتخابية ومنع إحداث أي تغيير جذري في تركيبة الأكثرية النيابية”، منوهةً بأنّ تضمين رئيس الجمهورية ميشال عون مادة تتعلق بإقرار “مشاريع أو اقتراحات ملحة تتعلق بالانتخابات النيابية” في متن برنامج الأعمال الذي حدده في مرسوم فتح العقد التشريعي الاستثنائي “عكس النيّة المبيتة في إعادة الدفع باتجاه إبطال تعديلات قانون الانتخاب التي أقرها المجلس النيابي وفشل “التيار الوطني” في إبطالها في المجلس الدستوري، وبالأخص ما يتصل منها باقتراع المغتربين”.
وإذ أكدت أنّ “مجرد العودة إلى إثارة قانون الانتخاب في المجلس النيابي من شأنه أن ينسف الاستحقاق برمته”، أوضحت المصادر أنّ “باسيل يتكل في تحقيق ذلك على وعد “حزب الله” بتأمين موافقة رئيس المجلس على العودة إلى الدائرة 16 الاغترابية، كما يراهن على تشتت أصوات كتلة “المستقبل” لتوفير الأكثرية النيابية اللازمة لإلغاء تعليق العمل بهذه الدائرة في مواد القانون، وهذا ما سيشكل مفتاحاً تشريعياً لتعطيل إجراء الانتخابات في موعدها المقرر في شهر أيار المقبل وجعله أمراً متعذراً، نظراً لعدم توفر الأرضية اللازمة من مراسيم تطبيقية وتنظيمية لتصويت المغتربين في الدائرة المستحدثة، فضلاً عن كونهم سبق أن سجّلوا أسماءهم على قوائم الاقتراع بموجب التعديلات التي علقت العمل بالدائرة 16 في الدورة المقبلة والتي أتاحت لهم التصويت من دول الانتشار لانتخاب مجمل أعضاء المجلس النيابي، بالإضافة إلى أنّ المهل القانونية الفاصلة عن موعد الانتخابات لم تعد تفسح في المجال أمام إصدار مراسيم تنظيمية جديدة، لا سيما بعد صدور مرسوم دعوة الهيئات الناخبة وتحديد تواريخ فتح باب الترشح وإقفاله، ومواعيد الاقتراع في الداخل والخارج”.
وخلصت المصادر إلى إبداء قناعتها بأنّ من بين السيناريوات المطروحة على أجندة قوى الأكثرية “سيناريو الدفع باتجاه التمديد لولاية المجلس النيابي الراهن حتى موعد الانتخابات الرئاسية المقبلة، بغية حفاظ الأكثرية الراهنة على أكثريتها لكي تتمكن من إبرام صفقة متكاملة تضع الاستحقاقين الرئاسي والنيابي الجديدين في سلة تفاوضية واحدة”.
وبالانتظار، بدأ العهد سباقاً محموماً مع الزمن لتحقيق أقصى ما يمكن تحقيقه من مكاسب ومكتسبات سلطوية لتياره السياسي في عامه الأخير، وعلى رأس القائمة تتصدر حاكمية المصرف المركزي طليعة الأهداف العونية في المرحلة المقبلة، وهو ما دفع برئاسة الجمهورية أمس إلى “تسعير نيران الهجوم المباشر على حاكم مصرف لبنان رياض سلامة”، حسبما رأت أوساط مواكبة في خلفية البيان الصادر عن قصر بعبدا، معتبرةً أنّ “التدقيق الجنائي الذي وضعه البيان كعنوان عريض لاتهام سلامة بعرقلة عمل شركة التدقيق المحاسبيAlvarez & Marsal ، ما هو في واقع الحال سوى “شماعة إصلاحية” لتورية وجه المعركة العونية الحقيقية لاستبدال حاكم المركزي بآخر محسوب على العهد وتياره، خصوصاً وأنّ هذا الموضوع كان من ضمن بنود “المقايضة” التي طرحها باسيل على “حزب الله” في سبيل الموافقة على تنحية المحقق العدلي في جريمة انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار”.