“عايشتُ في حياتي اجتياحين على الأقل وحرباً أهلية، وعدة اغتيالات وتفجيرات ولا أريد لأي أحد أن يمرّ بما مرّ علينا” في لبنان… لعل هذه العبارة التي توجهت بها مندوبة لبنان السفيرة أمل مدللي أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، تعقيباً على قول أحد زملائها الديبلوماسيين الأوروبيين لها إنه “لم يعش في حياته أي حرب”، اختزنت بعمق حقيقة الموقف اللبناني الرافض للاقتتال والحروب والمحب للسلم والحياة، بعد كل ما كابده وعانى منه اللبنانيون على امتداد تاريخهم الحديث من “اجتياحات واحتلال وتدخل في شؤون لبنان الداخلية، ومن كل الخسائر والألم الذي لا زلنا نعاني من تداعياته حتى اليوم”، كما عبّرت مدللي في معرض الإعلان عن تأييد لبنان للقرار الأممي بإدانة واستنكار العدوان الروسي على أوكرانيا ودعوة موسكو إلى سحب جميع قواتها على الفور من الأراضي الأوكرانية والعودة عن ضم المقاطعتين الأوكرانيتين اللتين استولت عليهما بالقوة العسكرية.
وبهذا الموقف المشرّف، وقف لبنان “صفاً واحداً وصوتاً واحداً” مع الدول العربية والغربية رفضاً لانتهاك ميثاق الأمم المتحدة والمواثيق الدولية وشرعة حقوق الإنسان من قبل روسيا، فكان من بين 141 دولة صوتت لصالح القرار، مقابل 5 دول عارضته، و35 دولة امتنعت عن التصويت عليه، لتفرض هذه النتيجة عزلة عالمية أطبقت على روسيا، فأدانت من جهة غزوها لأوكرانيا، ورفعت من جهة ثانية الصوت عالياً بأنّ الوقت حان لوقف آلة الحرب الروسية و”إطلاق عجلة الحوار والحل الديبلوماسي السلمي للحرب”، حسبما أكدت مصادر ديبلوماسية لبنانية لـ”نداء الوطن”، مشددةً على أنّ “لبنان اتخذ الموقف السليم والطبيعي في رفض الحرب، فكان بذلك منسجماً مع هويته وطبيعته بالوقوف إلى جانب أشقائه العرب وأصدقائه الدوليين وشركائه الأوروبيين في التصدي للحرب الروسية على أوكرانيا“.
وإذ استغربت “أن يطالب أي طرف الدولة اللبنانية بأن يكون لها موقف مغاير عن الموقف الذي اتخذته”، تساءلت في المقابل: “أين مصلحة لبنان في تشجيع الاعتداءات والاجتياحات العسكرية؟ فهل مصلحته تكمن في معارضة الموقف الأوروبي الموحّد في مواجهة الغزو الروسي لأوكرانيا وتهديد أمن شرق أوروبا؟ وإذا فعلنا ذلك من سيقف معنا إذا عاودت إسرائيل اجتياح أراضينا؟”. وختمت بالإشارة إلى أنّ “موقف الجمعية العامة للأمم المتحدة أصبح أمراً واقعاً ومن اليوم فصاعداً سيبدأ التركيز على تفعيل القنوات الديبلوماسية الدولية في سبيل إيجاد حل سلمي يضع حداً للحرب العسكرية في أوكرانيا، وسط ترقب قيام الصين بدور فاعل على خط الوساطة بين الروس والأوروبيين والأميركيين“.
وكان الاجتماع الثلاثي الذي عقد في قصر بعبدا أمس بين رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي ووزير الخارجية عبد الله بو حبيب قد خلص إلى إعادة التأكيد على بقاء لبنان “منسجماً مع موقفه المعلن يوم 24 شباط الماضي” لناحية إعلان وزارة خارجيته “إدانة الاجتياح الروسي لأوكرانيا ومطالبة روسيا بالانسحاب الفوري من الأراضي الأوكرانية”، مع تجديد التشديد على ضرورة “العمل على تعزيز فرص التفاوض بين الجانبين الروسي والأوكراني للتوصل إلى حل سلمي للنزاع بينهما”. وأتى هذا الموقف اللبناني في أعقاب تلقي عون اتصالاً هاتفياً من مساعدة وزير الخارجية الاميركي للشؤون السياسية فكتوريا نولاند، تطرقت معه خلاله إلى ملف التطورات العسكرية بين روسيا وأوكرانيا، حيث نقلت مصادر مواكبة للملف أنّ “واشنطن لم تُخف رغبتها ببقاء لبنان على موقفه السابق الذي عبّرت عنه وزارة خارجيته، وترجمته عملياً بالتصويت لصالح إدانة الاجتياح الروسي لأوكرانيا في الجمعية العامة للأمم المتحدة، تحت طائل التفريط بكل المساعي الداعمة التي تبذلها الولايات المتحدة من أجل مساعدة لبنان في مختلف المجالات، سواءً في المفاوضات الجارية مع صندوق النقد الدولي، أو في استجرار الغاز المصري والكهرباء الأردنية، أو في ملف ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل“.
وفي ملف الترسيم، استرعت الانتباه أمس زيارة السفيرة الأميركية دوروثي شيا إلى قصر بعبدا حيث التقت رئيس الجمهورية وتباحثت معه في مستجدات ملف الترسيم الحدودي، إذ كشفت مصادر موثوق بها لـ”نداء الوطن” أنها حملت معها “عرضاً مكتوباً” من الوسيط الأميركي السفير آموس هوكشتاين حيال الملف، موضحةً أنّ “مضمون العرض الأميركي الذي سلّمته شيا إلى عون ينصّ على ما كان قد تم التوافق عليه شفهياً مع رئيس الجمهورية خلال زيارة هوكشتاين الأخيرة إلى بيروت، خصوصاً لناحية انطلاق التفاوض اللبناني من إحداثيات الخط 23 توصلاً إلى الاتفاق النهائي على الترسيم البحري للحدود اللبنانية الجنوبية مع إسرائيل“.