الحرب الأوكرانيّة تنهي الأسبوع الأول على اتفاق تفاوضي عنوانه ممرات إنسانية في مناطق النزاع، لكن الحرب ستستمرّ، كما قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حتى تتحقق الأهداف، ففي مقابل إصرار أميركي على تحويلها الى حرب لإسقاط الرئيس الروسي عبر حشد أوسع حلف دولي في مواجهة روسيا، وإخضاع كل عناوين السياسات والعلاقات الأميركية بدول العالم لأجندة واحدة عنوانها، تأمين أسواق الطاقة من تداعيات المواجهة المفتوحة التي تخوضها واشنطن ضد الرئيس الروسي، بعدما ضمنت استعداد الرئيس الأوكراني لوضع بلده كبش فداء لهذه الحرب، وضمنت عنصرية أوروبية انتحارية مستعدة لحرق الأسواق في حرب أسعار تدفع ثمنها أوروبا قبل سواها، لتحجيم روسيا خلف الأسوار، خشية أن تحرك واشنطن أصابعها داخل المجتمعات السياسية الأوروبية وتفتح باب التغيير في الحكومات والزعامات.
حكومات الخليج ولبنان ليست أحسن حالاً من حال أوروبا وأوكرانيا، حيث السعي لاسترضاء الأميركي لا يخضع لحسابات المصالح الوطنية بل الخشية الشخصية للحكام، وحتى في كيان الاحتلال حيث النقاش الدائر بقوة حول خطر التورط في الحرب على موسكو إعادة تموضع خشية اليد الأميركية في اللعبة السياسية الإسرائيلية الداخلية، وجاء التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة لصالح مشروع القرار الأميركي ضد روسيا، ليكشف حجم الضغوط التي أعادت تموضع الامتناع عن التصويت الى التصويت مع، بمثل ما ضمنت التصويت اللبناني واعادة نظر خليجية و”إسرائيلية” بالامتناع والتصويت الى جانب الموقف الأميركي، بينما بقيت دول عربية على مواقفها كحال سورية التي صوتت الى جانب روسيا، والعراق والجزائر وسواهما التي امتنعت عن التصويت.
لبنانياً، بين مواقف حكومية تثير الإشكالات والالتباسات حول وجهة المصلحة الوطنية فيها، تمعن واشنطن في سياسات الإخضاع والاستتباع عبر ما تسرّب من انضباط لبناني في العقوبات الأميركية على روسيا، ويخشى أن يخضع ملف ترسيم الحدود البحرية للمعايير ذاتها في عدم التجرؤ على رفض الإملاءات الأميركية.
ما تتداوله مصادر متابعة لملف ترسيم الحدود البحرية كشفت عن تبلغ الرؤساء رسالة أميركية خطية من المبعوث الخاص بالترسيم آموس هوكشتاين، تقوم على رسم خط جديد متعرج ما بين خط هوف والخط 23، مفتوح على فرضية ضم حقل قانا الى الحصة اللبنانية. وهنا قالت المصادر إن موازين القوى والاعتبارات القانونية والسيادية تفرضان تمسكاً لبنانياً بالاثنتين، الخط 23 وحقل قانا، كحد أدنى للمصلحة الوطنية التي تحميها موازين قوى حقيقية.
في الشأن السياسي الداخلي، بعدما أعلن حزب الله مرشحيه وتقدم رئيس مجلس النواب بترشيحه، ينتظر أن تعلن حركة أمل ترشيحاتها اليوم، حاملة تغييرات ستطال بين 3 و5 نواب، منهم محمد نصرالله وياسين جابر وعلي بزي، واحتمال أن تطال علي عسيران وعلي خريس أيضاً.
الانتخابات النيابية والرئاسية كانت في إطلالة للنائب السابق والمرشح الرئاسي الطبيعي سليمان فرنجية، تخللتها مواقف واضحة من الملف الرئاسي قال فيها فرنجية إن الوقت لم يحن بعد للبدء بالتحدث جدياً عن الاستحقاق الرئاسي وأن الأمور بأوقاتها، وأن الظروف هي التي تقرر المعايير التي يتم تحديد مواصفات الرئيس وشخصه، لكن سليمان فرنجية صاحب خط سياسي واضح وتحالفات ثابتة، وانفتاح على الجميع واستعداد للتحاور مع الجميع، وحول مواصفات الرئيس المقبل قال فرنجية، المطلوب رئيس صاحب حيثية مسيحية مقبول من غير المسيحيين، وقادر على التحدث مع الجميع.
وفيما بدأت المرحلة الأولى من معركة الانتخابات النيابية المقررة في 15 أيار المقبل، وافتتحها ثنائيّ أمل وحزب الله بإعلان رئيس مجلس النواب نبيه بري ترشيحه والأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله مرشحي حزب الله، لا يزال المشهد الداخلي متأثراً بتداعيات الحرب الروسيّة – الأوكرانية على المستويين السياسي والاقتصادي.
ولاقى تصويت لبنان في الجمعية العامة للأمم المتحدة الى جانب الأوروبيين والولايات المتحدة الاميركية ضد روسيا أمس الأول، استغراب الأوساط السياسية وترك استياءً لدى مراجع سياسية وقوى حزبية عدة. فقد لفتت مصادر مطلعة لـ”البناء” الى أن “موقف لبنان من الحرب في أوكرانيا من بيان وزارة الخارجية الى التأكيد على البيان في الاجتماع الحكومي الأخير في بعبدا، ثم موقف لبنان في الامم المتحدة، هو إعلان رسمي بالانضمام الى المحور الغربي – الاميركي الاوروبي ضد المحور الروسي، من دون أي مقابل من الاميركيين ولا من الاوروبيين الذين يستمرون بحصار لبنان على كافة المستويات، فيما روسيا وقفت مع لبنان في مختلف المراحل والظروف، ولا زالت، فضلاً عن أن هذا الموقف يُشكل تفرداً بالقرار لدى ثلاثي رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ووزير الخارجية وتهميش مؤسسة مجلس الوزراء الذي هو مصنع القرار السياسي وتحديداً في السياسة الخارجية والذي يمثل المكونات السياسية كافة”.
وتشير المصادر الى أن “هذا الموقف الاستنسابي والانتقائي لا يخدم المصلحة الوطنية، بل يخدم المصالح السياسية والمالية لدى البعض، وبالتالي سيرتب تداعيات خارجية على لبنان وعلى الموقف اللبناني الداخلي بسبب استبعاد وتهميش مكونات أساسية عن القرار بما يخالف الميثاقية والشراكة في اتخاذ القرار”، محذرة من أن رضوخ لبنان الى الضغوط الأميركية – الأوروبية في أكثر من ملف من ترسيم الحدود الى موقف لبنان من الحرب في أوكرانيا وقبلها في موضوع استقالة الوزير السابق جورج قرداحي استرضاء للسعودية، ما سيرتب تنازلات إضافية من دون أية مكاسب او أثمان تمكن لبنان من الخروج من أزماته والانهيار الذي يواجهه”. وتساءلت المصادر: هل اتخذ لبنان هذا الموقف في الحرب السعودية على اليمن؟ كاشفة عن ضغوط خارجية على لبنان لجرّه لاتخاذ موقف ضد روسيا والانخراط في الصراع القائم، ما يسقط مبدأ الحياد والنأي بالنفس الذي نادى به رئيس الحكومة والقوى التابعة للحلف الأميركي الأوروبي في لبنان”.
وفي سياق ذلك، عقد وزير الخارجية والمغتربين عبدالله بوحبيب أمس، اجتماعاً مشتركاً مع سفراء دول فنلندا تارجا فرنانديز، الدنمارك ميريت جول، السويد آن ديسمور والنروج مارتن إيترفيك، الذين شكروا للبنان موقفه تجاه الأزمة الأوكرانية – الروسية، كما تم البحث في إمكانية تقديمهم للمساعدة لإعادة اللبنانيين من أوكرانيا.
وتواصلت عملية إجلاء اللبنانيين من اوكرانيا، وتصل اليوم دفعة جديدة يبلغ عددهم 70 شخصاً تم إجلاؤهم من اوكرانيا على ان تليهم دفعات اخرى.
وكان السفير اللبناني في روسيا شوقي بو نصار أعلن عن بدء التواصل مع الجانب الروسي من أجل اللبنانيين العالقين في أوكرانيا.
بدوره التقى رئيس الجمهورية ميشال عون سفيرة فرنسا آن غريو وأجرى معها جولة افق تناولت مواضيع الساعة، ومنها، العلاقات اللبنانية – الفرنسية والتطورات العسكرية بين روسيا الاتحادية وأوكرانيا وموقف لبنان في الجلسة التي عقدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك وما صدر عنها من قرارات.
ووضعت السفيرة غريو الرئيس عون في تفاصيل الاتفاق الذي تم بين وزيري الخارجية الفرنسي جان ايف لودريان والسعودي الأمير فيصل بن فرحان خلال لقائهما قبل أيام في باريس، على تمويل مشاريع إنسانية أولية عدة لمساعدة الشعب اللبناني تعنى خصوصاً بتوفير مساعدة مباشرة لعدد من المستشفيات ومراكز الرعاية الصحية الأولية في لبنان ورفع مستوى الرعاية الصحية الموجّهة لمكافحة جائحة “كورونا” وبعض المنشآت التعليمية الأساسية، فضلاً عن المساهمة في تمويل اعمال المنظمات العاملة على توزيع حليب الأطفال والغذاء للفئات الأكثر تضرراً. وتطرّق البحث أيضاً الى ملف ترسيم الحدود البحرية الجنوبية والتحضيرات الجارية لإجراء الانتخابات النيابية في شهر أيار المقبل وغيرها من المواضيع التي تهم البلدين.
على الصعيد الاقتصادي، ارتفع سعر المازوت 41000 ليرة وسعر الغاز 15000 ليرة. وأشار عضو نقابة أصحاب محطات المحروقات جورج البراكس إلى أنّ “انعكاس ارتفاع أسعار النفط في الأسواق العالمية نتيجة الأزمة الروسية الأوكرانية، وتخطّي سعر برميل النفط الـ 116 دولاراً أميركيًّا، أدّى إلى ارتفاع أسعار المحروقات في لبنان في ظل ثبات واستقرار في سعري صرف الدولار”.
وحضرت التداعيات الاقتصادية للحرب في أوكرانيا في لقاءات رئيس الحكومة في السراي الحكومي، حيث اجتمع ميقاتي مع وزير الاقتصاد والتجارة أمين سلام الذي طمأن ميقاتي بشأن ثلاث نقاط: “بالنسبة لمادة القمح لدينا مخزون يكفي لمدة شهر أو شهر ونصف الشهر، ونحن حريصون كل الحرص على توافرها ونتواصل مع عدة دول بما فيها الولايات المتحدة ودول أخرى أبدت الاستعداد لمساعدتنا في حال اضطررنا لاستيراد كميات كبيرة منها”.
وتابع “نحن مقبلون على شهر رمضان المبارك، حيث سيصار الى استهلاك أكبر للمواد الغذائية، وسمعنا عن تخوف من حصول نقص في بعض المواد الغذائية، من زيوت وسكر وغيرها، عقدت بالأمس (امس الاول) اجتماعاً موسعاً في الوزارة مع كافة الجهات المعنية من القطاع الخاص وتحديداً المستوردين، واصحاب السوبرماركت والمطاحن والأفران وتجار المواشي والدواجن والالبان والاجبان، وتوصلنا الى اتفاق بأنهم سيستمرون بتزويدنا بالكميات الموجودة لديهم، وسنستمر بالتعاون معهم لكي لا يحصل انقطاع في الأسواق”.
وتوجه الى المواطنين قائلاً “أتمنى الا تحصل حالات هلع، فلقد سجل إقبال كبير جداً على السوبرماركت لشراء كميات كبيرة من المواد الاستهلاكية للتخزين. ومن يشتري اكثر من حاجته يأخذ هذه المواد من امام غيره، فرجاء الا يحدث هلع، الأمور مضبوطة، والكميات التي نستهلكها في لبنان ليست بكبيرة مقارنة بدول الجوار، فالمساعدة موجودة والدعم الدولي موجود والعمل من خلال الحكومة ووزارة الاقتصاد قائم”.
وفيما يترقب المواطنون بخوف وقلق تداعيات الحرب في اوكرانيا على بلدهم، لا سيما على صعيد فقدان مادة القمح والزيت وارتفاع أسعار المحروقات والمواد الغذائية، فاجأهم ميقاتي بتعميم يحمل الرقم 4/2022، يتوجه خلاله عبر رئاسة مجلس الوزراء الى “الإدارات والمؤسسات العامة والبلديات والمجالس والهيئات والصناديق والمصالح، طلبت فيه من العاملين في القطاع العام الذين يرغبون بالاستفادة من المساعدة الاجتماعية الموقتة التزام الدوام الرسمي العادي، وعلى أن لا تشمل هذه المساعدة الذين يتبعون نظام المداورة”.
وأثار هذا التعميم سخط الموظفين في مختلف القطاعات، وأعلنت رابطة موظفي الإدارة العامة رفض المساعدة الاجتماعية من الحكومة وأعلنت استمرارها بالإضراب. فيما رأى رئيس “الاتحاد العمالي العام في لبنان” بشارة الأسمر، أنّ “التّعميم رقم 4/2022 يؤكد عدم اكتراث رئيس مجلس الوزراء بأوضاع هذه الإدارات والعاملين فيها وتعبهم، خصوصًا أنّ الأكثريّة السّاحقة منهم لم تتقاضَ حتّى اليوم ما يُسمّى بالمساعدة، الّتي هي “فتات المائدة”.
وحذر في بيان، أنّ “هذا التّعميم سيؤدّي إلى مزيد من عدم الحضور ومزيد من الاهتراء في الإدارة والمؤسّسات ذات الطّابع الاستثماري والخدمي”، وأعلن أنّ “بداية الأسبوع سيكون التحرّك شاملًا، ليشمل كلّ المعنيّين بتعميم رئيس مجلس الوزراء، وصولًا إلى الإضراب التام في كلّ المؤسسات. وفي النهاية، لا نريد مساعدة اجتماعيّة، نريد أجرنا مقابل عملنا وتعبنا، نريد حقّنا بعيش كريم ولائق في دولة القانون والمؤسّسات”.
على صعيد الانتخابات النيابية، وبعد إعلان الرئيس بري ترشيحه والسيد نصرالله مرشحي حزب الله في مختلف الدوائر، أعلن النائب قاسم هاشم ترشحه عن دائرة الجنوب الثالثة، وعضو هيئة الرئاسة في حركة أمل قبلان قبلان عن دائرة البقاع الغربي – راشيا، على أن تكتمل صورة مرشحي الحركة خلال ٧٢ ساعة وفي مدة اقصاها مطلع الاسبوع المقبل، بحسب مصادر “البناء».
وافادت معلومات “البناء” بأن التغيير سيشمل عدة نواب في حركة أمل وكتلة التنمية والتحرير، فبالإضافة الى النائب محمد نصرالله الذي تم ترشيح قبلان قبلان مكانه، سيُستبدل النائب ياسين جابر الذي أعلن عدم ترشحه أمس الاول بالمرشح ناصر جابر، والنائب علي بزي بمرشح آخر من آل بيضون، وآخرون سيتم الإعلان عنهم قريباً، فيما بقي مصير النائبين علي خريس وعلي عسيران قيد الدرس على ان يحسم أمرهما خلال أيام. وذلك في إطار قرار لدى قيادة الحركة بإحداث تغيير ملحوظ ومقبول وإدخال وجوه جديدة لضخ دم جديد في العمل النيابي والتشريعي. وتُعلن اليوم دفعة جديدة من مرشحي الحركة منهم عناية عز الدين.
وفيما أكد مصدر سياسي لـ”البناء” أن الانتخابات النيابية ستحصل في موعدها، كشف عن اتفاق داخلي تزامن مع إرادة خارجية لإجراء هذا الاستحقاق، ولفت الى أنه لن يجري أي تعديلات على قانون الانتخاب في ظل ضيق المهل والوقت المتبقي للانتخابات والظروف المالية والاقتصادية في لبنان.
وفي سياق ذلك، أعدّت وزارة الداخلية دراسة حول اعتماد آلية مراكز الاقتراع الكبرى (Mega Centers) في الانتخابات النيابية للعام 2022، وشملت هذه الدراسة النواحي القانونية، الإجرائية واللوجستية، والموارد البشرية المطلوبة. وخلُصت الوزارة إلى أنه “يتعذّر اعتماد مراكز الاقتراع الكبرى ضمن المهل المفروضة في قانون الانتخاب الحالي في ظل الحاجة لإجراء تعديلات قانونية، إضافة إلى العقبات اللوجستية والإجرائية، والحاجات على صعيد الموارد البشرية والمادية، مشيرة إلى أن الوقت المطلوب لإنجاز التحضيرات لا يقلّ عن خمسة أشهر تبدأ من تاريخ نشر القانون وإصدار المراسيم التطبيقية عند الحاجة، وأنّ الكلفة الإجمالية للمشروع تبلغ حوالي 5،872،500 دولار أميركي”.