على عجل وبأقل التعديلات الممكنة، أقر مجلس الوزراء أمس مشروع قانون الكابيتال كونترول تاركاً مهمة إسقاطه لمجلس النواب في الجزء الثاني من “مسرحية” حماية أموال المودعين على “خشبة الأونيسكو”… لتكون بذلك خطوة الحكومة ليست أكثر من إقرار “فولكلوري” للمشروع لعلمها المسبق بأنه “لن يمرّ في الهيئة العامة”، حسبما أكدت مصادر سياسية لـ”نداء الوطن”، واضعةً في المقابل اعتراض وزراء الثنائي الشيعي على إقرار المشروع بحجة الغيرة على حقوق المودعين في خانة “الاعتراض الشعبوي لأنهم يعلمون يقيناً محدودية قدرة الحكومة في هذا المجال، سيّما وأنّ رئيس مجلس النواب نبيه بري كان عرّاب إجهاض أي محاولة لإقرار الكابيتال كونترول منذ بدايات الأزمة وساهم بذلك في استنزاف أموال المودعين “حتى آخر سنت” وإبقاء الطريق سالكاً أمام تهريب ملايين الدولارات إلى الخارج من دون قيود قانونية… والجميع يذكر كيف طلب من وزير المال السابق غازي وزني سحب المشروع من مجلس الوزراء إبان حكومة حسان دياب“.
كل ما في الأمر أنّ الحكومة أرادت أن “تبرئ ذمتها” أمام وفد صندوق النقد الدولي عشية بدء ورشة عمله في بيروت اليوم، على اعتبار أنها قامت بالمطلوب لناحية إقرار “الكابيتال الكونترول”، وفق المصادر نفسها، نافيةً في الوقت عينه كل ما أشيع عن أنّ المشروع الذي أقره مجلس الوزراء قد جرى تحضير مسودّته بالتشاور مع المعنيين بالملف اللبناني في صندوق النقد، وجزمت بأنّ المعنيين بالملف اللبناني في الصندوق “لم يطلعوا على المسودة ولم يتدخلوا في صياغتها“.
وعن تحفظ وزراء “الثنائي الشيعي” إضافةً إلى وزيري “الحزب الديمقراطي” و”تيار المردة” على إقرار مشروع القانون، أوضح مصدر وزاري لـ”نداء الوطن” أنه أتى “انطلاقاً من كون الصيغة التي أقرت لم تلحظ عدداً من النقاط الجوهرية المتصلة بالمودعين، لا لناحية تحديد كيفية حفظ حقوقهم، ولا لجهة وضع جدول زمني للتفاصيل المتعلقة باستعادة أموالهم، فضلاً عن كون المشروع لم يأتِ مترابطاً مع خطة التعافي الاقتصادي والمالي، بالإضافة إلى الاعتراض على حصر مبلغ السحب الشهري للمودع بقيمة ألف دولار لا غير“.
وإذ تركزت التعديلات الشكلية التي أدخلت في متن مشروع القانون على إبعاد السياسيين مباشرةً عن عضوية اللجنة المختصة، لفتت مصادر واسعة الاطلاع في المقابل إلى أنّ “القرار في اختيار اعضاء اللجنة سيبقى للسلطة السياسية”، مستغربة الاستمرار في نهج “التذاكي واستغباء العقول”، خصوصاً وأنّ مشروع القانون الذي أحالته الحكومة “سيخضع لتعديلات أساسية في مجلس النواب، حيث المكتوب يُقرأ من عنوانه بالاستناد إلى “الاعتراض الشيعي” المسجّل في محضر جلسة مجلس الوزراء“.
وأبرز التعديلات التي أدخلت على مشروع الكابيتال كونترول، تلك المتصلة بالمدة الزمنية حيث كانت الصيغة التي قدمت للجان المشتركة تنص على سريان القانون لمدة 5 سنوات، فتم تقليصها بدايةً إلى 3 سنوات قبل أن يصار إلى تخفيضها أمس إلى سنتين. كذلك شملت التعديلات تركيبة اللجنة التي ستنظر في الاستثناءات، فلم يعد رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ولا نائبه سعادة الشامي عضوين فيها، كما عُلم أن ميقاتي رفض أن يكون وزير الاقتصاد عضواً فيها، فأصبحت اللجنة المستحدثة “برئاسة وزير المال وعضوية حاكم مصرف لبنان وخبيرين اقتصاديين معيّنين، وقاض من الدرجة 18 وما فوق“.
وصباح اليوم، يبدأ وفد صندوق النقد الدولي ورشة عمل مكثفة في السراي الكبير مع الفريق اللبناني المفاوض الذي يرأسه نائب رئيس الحكومة لتبادل الأفكار والملاحظات حول خطة التعافي المالي والاقتصادي الحكومية، على أن تستمر مهمة الوفد حتى منتصف شهر نيسان، على أمل بأن يصار إلى التوصل إلى “مسودة اتفاق” بنهاية الزيارة، كما كان رئيس الحكومة قد عبّر على هامش مشاركته في منتدى الدوحة.
وأمس استهلّت بعثة الصندوق جولته على المسؤولين بزيارة قصر بعبدا، حيث لفتت إشارة رئيس البعثة ارنستو ريغو راميريز إلى أنّ التقدم في مسار المفاوضات مع الحكومة اللبنانية حيال خطة التعافي من شأنه أن يؤدي إلى “توقيع أوّلي على مذكرة تفاهم قبل التوقيع على العقد النهائي”، طالباً في المقابل “التزاماً من رؤساء الجمهورية والمجلس النيابي ومجلس الوزراء، بالسير نحو انجاز الإصلاحات المطلوبة للخطة كاملة، لا سيما منها إقرار “الكابيتال كونترول” وإدخال تعديلات على قانون السرية المصرفية، وإعادة هيكلة القطاع المالي والمصرفي بما في ذلك مصرف لبنان، ليكون على مستوى معايير الحوكمة“.