كان يوم أمس يوم الايجابيات بامتياز، حيث تزاحمت ابتداء من بعد الظهر وتمثّلت بإعلان الاتفاق المبدئي بين الحكومة وصندوق النقد الدولي على ان يبدأ تنفيذه وفق المندرجات التي حددت له لاحقاً، وتبعه انفراج كبير في العلاقات بين لبنان ودول مجلس التعاون الخليجي تمثّل بإعلان المملكة العربية السعودية عودة سفيرها وليد البخاري الى بيروت ثم اعلان الكويت ايضا عودة سفيرها عبد العال القناعي، ما يعني عودة الخليج الى لبنان بعد قطيعة طويلة. وإذ أشاعت هذه التطورات اجواء ايجابية في البلاد عموما يرجّح ان تنعكس انفراجات بدءا من اليوم، خصوصا على الصعيد المالي، قالت مصادر حكومية بارزة لـ»الجمهورية» ان هذه التطورات كان مردّها الى الديبلوماسية الهادئة التي تعاطت بها الحكومة مع هذه الملفات الشائكة بعيدا من اي ضجيج، فخلافاً لتوقعات البعض ان الاتفاق مع الصندوق كان صعب المنال في هذه العجالة، اذ به يحصل فجأة، وكذلك الانفراج الملحوظ في ملف العلاقات اللبنانية ـ الخليجية الذي كان وليد متابعة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الدؤوبة مع الجانب الكويتي وعبر أقنية أخرى على صلة بدول الخليج. واضافت هذه المصادر انّ «من كان يرى الامور بسلبية ربما يكون اكتشف انها لا تفيد لبنان وإنما يفيده العمل الهادئ والهادف الذي من شأنه ان يكتسح كل العقبات خصوصا ان البلد يحتاج في هذه المرحلة تحديداً الى التعاطي بهدوء مع كل القضايا التي يعانيها لتوفير المعالجات اللازمة لها بعيداً من اي سلبية غالباً ما تؤدي الى نتائج غير محمودة العواقب. واكدت المصادر نفسها انّ الحكومة ستنكَبّ من اليوم على العمل والتحضير لتنفيذ الاتفاق مع الصندوق بالتعاون مع المجلس النيابي. في الوقت الذي سارعَ رئيس المجلس نبيه بري الى الترحيب بهذا الاتفاق مؤكداً «جهوزية المجلس لمواكبة هذا الانجاز بالعمل وبجدية كبيرة لتأمين التشريعات والاصلاحات المطلوبة الضرورية الهادفة الى إنجاح البرنامج المدعوم من صندوق النقد وضمان ودائع اللبنانيين والمودعين».
فاجَأت الحكومة الجميع بالتوصّل الى اتفاق مبدئي مع صندوق النقد الدولي لتمويل برنامج للتعافي الاقتصادي بقيمة 3 مليارات دولار موزعة على 46 شهرا.
وبصرف النظر عن ايجابية الوصول الى هذا الاتفاق، لا بد من الملاحظة ان صندوق النقد هو الجهة التي دفعت في اتجاه هذا الاتفاق، وربما يكون الوفد المفاوض قد قدّم تنازلات عن شروط مسبقة من اجل تسهيل الوصول الى الاتفاق.
وعلى سبيل المثال، وفي حين كان الصندوق يطالب بإقرار قانون الكابيتال كونترول وموازنة العام 2022 قبل اقرار الاتفاق المبدئي، تراجَع عن هذه الشروط واكتفى بوعود سمعها من المسؤولين بأنه سيتم إقرار الكابيتال كونترول والموازنة.
وفي عودة الى الاتفاق فإنه يشمل مجموعة من الشروط الاصلاحية التي ينبغي تنفيذها قبل ان يوافق مجلس ادارة صندوق النقد على اي تمويل. وبالتالي، سيتم ترحيل هذا الامر الى ما بعد الانتخابات النيابية، حيث ستتولى الحكومة الجديدة عملية استكمال هذا الاتفاق وتحويله الى اتفاق تمويل.
ومن اهم الشروط الواردة في الاتفاق المبدئي، ما يلي:
– موافقة مجلس الوزراء على استراتيجية إعادة هيكلة البنوك والاعتراف ومعالجة الخسائر الكبيرة في القطاع، مع حماية صغار المودعين والحد من اللجوء إلى التمويل من المال العام.
– موافقة المجلس النيابي على تعديل قانون السرية المصرفية لمواءمته مع المعايير الدولية لمكافحة الفساد.
– إستكمال التدقيق لتبيان وضع الأصول الأجنبية في مصرف لبنان، للبدء في تحسين شفافية هذه المؤسسة الرئيسية.
– موافقة مجلس الوزراء على استراتيجية متوسطة المدى لإعادة هيكلة المالية العامة والديون.
– موافقة مجلس النواب على موازنة 2022 لبدء استعادة المساءلة المالية.
– توحيد مصرف لبنان لأسعار الصرف.
الاتفاق الاساسي
وقالت مصادر الوفد اللبناني المفاوض مع الصندوق لـ«الجمهورية» ان «الاتفاق الأساسي لم يبدأ بعد والطرف الذي يُبرمه هو ادارة الصندوق مع الحكومة اللبنانية وليس الوفد التقني على مستوى الموظفين، انما يمكن القول اننا خَطونا الخطوة الاولى ويبقى علينا تنفيذ الشروط التي يطلبها الصندوق كممر إلزامي لتوقيع الاتفاق النهائي وهي القوانين التي يجب أن تصدر عن مجلس النواب، والمتعلقة بثلاث قوانين تعنى بالمصارف (اعادة الهيكلة، الكابيتال كونترول، وتعديل السرية المصرفية) وقانون الموازنة، بالإضافة إلى التدقيق المالي في حسابات مصرف لبنان وتوحيد سعر الصرف الذي يجب أن يكون المصرف المركزي قد أخذ قراراً في شأنه فما وقّعناه اليوم مع الصندوق هو أكبر من اتفاق اطار لأننا دخلنا في التفاصيل وقدمنا ما اصبح معروفا بورقة التعافي وتتضمّن أرقاما دقيقة وليس فقط خطوطا عريضة انما مؤشرات وارقام وخطة مفصّلة على اربع سنوات، لكنها لن تكون سارية المفعول الا بموافقة ادارة الصندوق وحتى يقبل النظر فيها يجب ان يكون لبنان قد نفذ الشروط المسبقة، يعني بصريح العبارة لن يحرّر صندوق النقد اي فلس الا بعد تنفيذ الشروط وعندها يتم التوقيع النهائي».
واضافت المصادر «انّ الرؤساء الثلاثة متحمسون ورحّبوا بالخطوة ولكن هذا الترحيب يجب ان يترجم بتكريس كل الجهود للعمل بتنسيق وتكامل حتى تكون القلوب شواهد، فالصندوق لا يكتفي بالتأييد والتصريحات إنما يطلب من السلطتين التنفيذية والتشريعية ان تعملا معاً وبسرعة لإنجاز القوانين والاصلاحات لأنّ اضاعة الوقت ليست لمصلحة لبنان، فالاحساس بخطورة الواقع يقتضي وصل الفجر بالنجر لاصدار القوانين خلال اسبوع وقانون اعادة هيكلة المصارف يجب ان يكون اولوية لمعرفة قدرة وطاقة ورأسمال كل مصرف». وتختم المصادر بالقول: «الصندوق بادر… فهل يقتنص لبنان الفرصة؟».
إعلان الاتفاق
وكان رئيس الحكومة نجيب ميقاتي قد اعلن عن هذا الاتفاق مع صندوق النقد إثر اجتماع ضَمّه ورئيس الجمهورية العماد ميشال عون ونائب رئيس الحكومة، مع وزيري المال والاقتصاد والتجارة ورئيس بعثة صندوق النقد الدولي ارنستو راميريز وعدد من أعضاء البعثة. واعلن التزامه ورئيس الجمهورية دعم «البرنامج الاصلاحي الاقتصادي الذي تقوم اللجنة الوزارية المكلفة من مجلس الوزراء بالتفاوض بشأن مندرجاته مع صندوق النقد الدولي». وقال: «ستكون هذه الاصلاحات على جدول أعمال مجلس الوزراء في الجلسات المقبلة قبل الانتخابات النيابية لوضعها في صورة مشاريع قوانين ترسل الى المجلس النيابي الكريم. ونتمنى على المجلس النيابي ان ينظر بهذه المواضيع في اسرع وقت. القرار بيد المجلس النيابي وليس بيدنا». واضاف: «المهلة الزمنية هي لإقرارها ثم تقر من قبل مجلس ادارة صندوق النقد الدولي، على أن يكون لبنان تحت المراقبة لحسن تنفيذها». ولفت الى ان المبلغ المالي الذي سيقدمه الصندوق «لا يدفع مرة واحدة بل على مراحل، وهو ليس فقط المبلغ الذي تم إقراره، اذ انه في ضوء تنفيذ ما نقوم به من اصلاحات سيزداد هذا المبلغ».
ولفت الى «ان مهلة الاتفاق المحددة بـ46 شهرا مرتبطة بتحسن الاقتصاد اللبناني، ونحن على اقتناع انه عندما نعطي الثقة والاطمئنان للنظام الاقتصادي اللبناني فبإذن الله ستتحسن الأوضاع بسرعة».
مرحلة الوجع
وأكد مصدر رسمي بارز لـ»الجمهورية» بعد الاعلان عن الاتفاق المبدئي مع صندوق النقد الدولي «انّ مرحلة الوجع بدأت الآن، لكنها ممر إلزامي للخروج من النفق، وبعد نحو ثلاث او اربع سنوات سنبدأ باستعادة عافيتنا».
«الكابيتال» الى اللجان
وتزامناً مع التوقيع على الاتفاق المبدئي بين لبنان وصندوق النقد الدولي أحال رئيس مجلس النواب نبيه بري مشروع «الكابيتال كونترول» الى اللجان المشتركة التي من المحتمل ان تنعقد الأربعاء المقبل. وعلى جدول أعمالها إضافة الى مشروع الكابيتال كونترول قانون المناطق الاقتصادية الحرة والخاصة وقانون المناطق الاقتصادية للتكنولوجيا والمعلومات.
ترحيب فرنسي
ورحّبت السفيرة الفرنسية في لبنان آن غريو باتفاق لبنان مع الصندوق النقد، وكتبت في تغريدة لها عبر «تويتر»: «أرحّب بإبرام اتفاق مفصّل بين صندوق النقد الدولي ولبنان. إنها خطوة مهمّة نحو اعتماد برنامج المنظمة. وهو أمرٌ لا بدّ منه، إذ يشكّل الوسيلة الوحيدة للخروج من الأزمة. انطلق العمل للتو. ولكن ستواصل فرنسا دعمها للبنان على طريق الإصلاحات والنهوض».
عودة الخليج
وفي غمرة متابعة الاتفاق مع صندوق النقد اعلنت وزارة الخارجية السعودية في بيان لها عودة السفير السعودي، وجاء فيه الآتي:
«إستجابةً لنداءات ومناشدات القوى السياسية الوطنية المعتدلة في لبنان، وتأكيدًا لما ذكره رئيس الوزراء اللبناني من التزام الحكومة اللبنانية باتخاذ الإجراءات اللازمة والمطلوبة لتعزيز التعاون مع المملكة ودول مجلس التعاون الخليجي ووقف كل الأنشطة السياسية والعسكرية والأمنية التي تمسّ المملكة ودول مجلس التعاون الخليجي، فإنّ وزارة خارجية المملكة العربية السعودية تعلن عن عودة سفير خادم الحرمين الشريفين إلى جمهورية لبنان الشقيقة. وتؤكد المملكة على أهمية عودة جمهورية لبنان إلى عمقها العربي متمثلةً بمؤسساتها وأجهزتها الوطنية، وأن يعمّ لبنان الأمن والسلام، وأن يحظى شعبها بالاستقرار والأمان في وطنه».
ورحّب ميقاتي بعودة البخاري وكتب عبر» تويتر»: نثمّن قرار المملكة العربية السعودية عودة سفيرها الى لبنان، ونؤكد انّ لبنان يفخر بانتمائه العربي ويتمسك بأفضل العلاقات مع دول الخليج التي كانت وستبقى السند والعضد.
وبُعَيد الاعلان السعودي تبلّغ ميقاتي من سفير الكويت عبد العال القناعي قرار الحكومة الكويتية بعودته الى بيروت قبل نهاية الاسبوع (ومن المتوقع ان يعود اليوم). وأكد ميقاتي «أنّ ما يجمع لبنان والكويت تاريخ من العلاقات الاخوية الوطيدة التي تزداد رسوخاً مع الايام». وشكر لوزير خارجية الكويت الشيخ أحمد ناصر المحمد الصباح «الجهود التي بذلها لعودة العلاقات اللبنانية – الخليجية الى صفائها وحيويتها».
وقالت وزارة الخارجية الكويتية في بيان: «في ضوء التجاوب اللبناني مع المبادرة الكويتية الخليجية واستجابةً للمناشدات التي أطلقتها القوى السياسية الوطنية المعتدلة في لبنان، وتفاعلاً مع الالتزام الذي قطعه رئيس الوزراء في جمهورية لبنان الشقيقة باتخاذ الإجراءات اللازمة والمطلوبة لتعزيز التعاون مع دولة الكويت ودول مجلس التعاون لدول الخليج العربية ووقف كافة الأنشطة السياسية والعسكرية والأمنية التي تمس دول مجلس التعاون الخليجي، فإنّ دولة الكويت تعلن عودة سفيرها لدى جمهورية لبنان الشقيقة. وتؤكد الوزارة على أهمية جمهورية لبنان وعودتها إلى محيطها العربي بكافة مؤسساتها وأجهزتها الوطنية مُعربة عن الأمل في أن يعم الأمن والسلام لبنان».
ومولوي يرحّب
وعلّق وزير الداخلية والبلديات بسام مولوي عبر»تويتر» على عودة البخاري فكتب: «مجدداً تثبت المملكة العربية السعودية من خلال عودة سفيرها الوزير المفوض وليد البخاري انّ لبنان في قلبها ووجدانها وهي لن تتركه ابدا». وتابع: «نرحّب بك بين أهلك الاوفياء للعروبة لنشد أواصر الأخوة. سنواصل معا العمل لتعزيز العلاقات التي لن نسمح لأي اذى او اساءة ان تمسها بعد اليوم».
لبنان وعضوية روسيا
على صعيد آخر، امتنع لبنان امس عن التصويت على قرار طرحته الدول الغربية في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف ويقضي بتعليق عضوية روسيا في المجلس.
وقال وزير الخارجية والمغتربين عبدالله بوحبيب لـ»الجمهورية» انّ سبب الامتناع عن التصويت هو ان لبنان يعتبر انّ الحوار يشكّل الوسيلة الفضلى لمعالجة الخلافات والنزاعات وليس استخدام القوة العسكرية، مشيراً الى انه إذا طُردت روسيا من مجلس حقوق الإنسان لا يعود هناك حوار.
وشدد على رفض تَسييس عمل المنظمات الدولية والاقليمية، لافتاً الى ان مجلس وزراء الخارجية العرب، الذي انتقلت رئاسته الى لبنان، عارضَ التسييس ايضا خلال مؤتمره الاخير وبالتالي نحن منسجمون مع الاتجاه العربي.