فشل مجلس الأمن الدولي بمنع الحرب الروسية – الأوكرانية، كما فشل سابقًا في منع العديد من الحروب مثل غزو العراق في العام 2003. هذا الأمر أعاد إلى الواجهة طرح إعادة هيكلة مجلس الأمن ودوره الذي يعتبر البعض أنه لا يُمثّل الدول الأعضاء في الأمم المُتحدة. وإذا ما تخطّينا لوهلة عامل التمثيل، اليوم مجلس الأمن مشلول بكل ما للكلمة من معنى، والعالم من دون مرجعية أمنية عليا تسمح بإدارة النزاعات! فالحرب الحالية الدائرة في أوكرانيا تجعل الدول في العالم تصطف مع هذا الفريق أو ذاك وهو ما قد يخرج عن السيطرة ويتمدّد أو قد يؤدّي إلى تأجيج مطامع دول في دول أخرى ويفتح الباب على نزاعات أخرى من دون أي رادع أممي! هذا الأمر خطير ولم يحصل أمر حتى في عزّ الحرب الباردة!
مجلس الأمن الذي تمّ إنشاؤه في العام 1945 (بعد الحرب العالمية الثانية) بهدف ضمان السلام العالمي، يتألف من خمسة عشر مقعدًا منح منها خمس دول مقاعد دائمة مع حق النقض (VETO) والعشرة الباقية مداورة بين البلدان الأخرى، وهو ما يعتبره العديد من المحللين حماية لمصالح هذه الدول وترك باب التدخل لهذه الدول في الشؤون العالمية. هذه المقاعد الدائمة مضمونة لهذه الدول عملًا بالمادة السادسة من شرعة الأمم المتحدة التي تُعطي الهيئة العام الحق بطرد عضو بناءً على توصيات مجلس الأمن وهو أمر غير مُمكن عملًا بمبدأ حق النقض!
من أكثر الطروحات الإصلاحية مداولة هو توسيع مجلس الأمن عبر زيادة عدد المقاعد الدائمة والمقاعد غير الدائمة في المجلس. إلا أن الصعوبة أمام هذه الأمر هو كيفية توزيع هذه المقاعد ومن هي الدول التي سيتم إعطاؤها مقاعد دائمة وعلى أية معايير؟ أيضًا من الطروحات الإضافية وضع أطر أكثر صرامة لإستخدام حق النقض الذي يُعتبر شلاّ لعمل المجلس وبالتالي يمنع أيجاد حلول على الصعيد الأممي ويتركها لعناية الدول العظمى التي عادة ما تتكل على ماكيناتها العسكرية لحل مثل هذه الأمر سواء مباشرة أو بالوكالة. بعض الدول طرحت قيودًا على إستخدام الفيتو من خلال إستخدامه فقط في الجرائم الكبرى والإبادة، والبعض الأخر طرح إلزامية مناقشة أسباب إستخدام الفيتو من قبل الدولة العضو أمام الهيئة العامة قبل إستخدامه.
على كل الأحوال التداعيات لهذا الشلل خطيرة وتجعل حلول الصراعات العالمية بين أيدي بعض الدول لما هو مصلحتها من دون أخذ السلام العالمي بعين الإعتبار كما يحصل حاليًا في أوكرانيا.
رياح روسية – أوكرانية على لبنان
الصراع الروسي – الأوكراني يستمر بإلقاء تداعياته على العالم من باب أسعار النفط ولكن أيضًا من باب النقص في عرض بعض المواد الغذائية الأساسية وأسعار المواد الأولية الصناعية والزراعية. إلا أن هذا الأمر لا يقف عند هذا الحدّ، فأزمة الغاز الروسي إلى أوروبا تتفاقم مع الوقت مع قرار واضح من قبل الدول الأوروبية بتسريع التخلّي عن الغاز الروسي على الرغم من الضرر الذي ستتكبده إقتصادات هذه الدول على المدى القصير. وبالتالي هناك سيناريو مطروح يطال الشرق الأوسط، ألا وهو تسريع عملية إستخراج الغاز من الحوض الشرقي للبحر الأبيض المتوسط نظرًا لقربه من الأسواق الأوروبية ونظرًا إلى النفوذ الغربي على هذه المنطقة. لكن إستخراج الغاز وتصديره إلى السوق الأوروبي يحتاج إلى ثبات سياسي في المنطقة وهو ما يُرجّح التطورات التي تشهدها المنطقة سواء في اليمن أو في لبنان. فعلى الصعيد اللبناني وعلى خلاف كل التوقعات، تم توقيع إتفاق إطار بين صندوق النقد الدولي وبين الدولة اللبنانية مع العلم أن الحكومة اللبنانية لم تقم بأي إجراء جدّي لإستعادة المصداقية في سياساتها الإقتصادية. وبالتالي يُطرح السؤال عن السبب الذي دفع صندوق النقد إلى توقيع الإتفاق (غير المُلزم)؟
أيضًا شهد لبنان عودة سفيري المملكة العربية السعودية والكويت إلى بيروت على الرغم من أية خطوات جدّية من قبل الحكومة اللبنانية لم تُتخذ لتلبية المطالب المنصوص عليها في الورقة الكويتية (الخليجية)، أللهم بإستثناء تصريحات رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ومصادرة بعض الشحنات التي تحمل ممنوعات بإتجاه المملكة العربية السعودية. فما الذي حمل إذًا السفراء على العودة إلى لبنان؟
الجواب قد يكون في الدفع الأميركي – الأوروبي خصوصًا الفرنسي منه والذي نعتقد أنه خلف هذه الخطوات.
عمليًا على الصعيد اللبناني، الترجيحات حول حدوث الإنتخابات النيابية تزداد يومًا بعد يوم. وبالتالي أصبح الهم الدولي (وبالتحديد الفرنسي) ينصب حول الحكومة المُقبلة التي من المتوقّع (بحسب التسلسل المنطقي للسيناريو المطروح) أنها لن تتأخر في التشكيل مع بروز أسم الرئيس نجيب ميقاتي كمرشّح جدّي لتولّي رئاستها وعودة العديد من الوزراء الحاليين عملًا بمبدأ أن موازين القوى في المجلس النيابي لن تتغيّر كثيرًا وهذه الحكومة حظيت بموافقة الأفرقاء، وبالتالي يُمكن الإستمرار بها مع بعض التعديلات الطفيفة.
إذا صحّ هذا السيناريو، فإن المرحلة المُقبلة ستشهد إنفراجًا على الصعيد الإقتصادي حيث أن أي ضخّ للأموال في لبنان سيكون له مفعولا إيجابيا على المواطن خصوصًا على صعيد الإستيراد. وإذا كان عملية النهوض تحتاج إلى سنوات عديدة لتطبيقها، إلا أن الإنفراجات قد تكون ملحوظة بعد عام من بدء تطبيق خطة التعافي.
في مقابل هذا السيناريو التفاؤلي، هناك سيناريو أخر، تشاؤمي بإمتياز وينصّ على عدم إجراء الإنتخابات وبالتالي الفراغ العملاني في السلطة وتردّي الوضع الإقتصادي والمالي والنقدي والمعيشي وإستطرادًا الأمني مع زيادة السرقات والسطو المسلح من عصابات تتشكّل على هامش تحلّحل الدولة ومؤسساتها. هذا السيناريو السوداوي هو وليد معطيات جوهرية لا يُمكن تجاهلها!
فالمعروف أن القوى التغييرية لم تنجح في توحيد صفوفها، وبالتالي فإنها غير قادرة على الخرق بشكل تقلب فيه الموازين، أضف إلى ذلك أن حزب الله حوّل هذه الإنتخابات إلى إنتخابات لدعم حلفائه وبالتحديد التيار الوطني الحرّ وهو يريد بقوة الحفاظ على تمثيل حلفائه ويمتلك مع حلفيه، حركة أمل، تأثير على الأصوات في كل الدوائر الإنتخابية. كما أن حزب الله جمع رئيس التيار الوطني الحر ورئيس تيار المردة بهدف توحيد الصفوف في الإنتخابات وضغط على حركة أمل للتحالف مع التيار الوطني الحر في كل الدوائر حيث يتواجدون. وبالتالي قد لا يكون من مصلحة الخصوم إجراء الإنتخابات النيابية لأنها ستعاود تكريس القوى الحالية التي سيكون تأجيلها من باب حدث أمني أو من باب المغتربين.
تطبيق شروط الصندوق
فاجأ الإعلان نهار الجمعة الماضي عن إتفاق أوّلي بين لبنان وصندوق النقد الدولي كل التوقعات، فالإنقسام السياسي هو على كل المواضيع بدون إستثناء وحتى داخل الصف الواحد. هذا الإتفاق الذي نعتقد أنه نتاج ضغوط دولية وبالتحديد فرنسية، هو تمهيد للإتفاق المُلزم الذي سيسمح للبنان بالإستفادة من قرض 3 مليارات دولار أميركي ضمن برنامج تسهيلات الصندوق الموسع (EFF) كنا توقّعناه في مقالنا في جريدة الديار في 11 تشرين الأول 2021، في مُقابل إصلاحات تقوم بها الحكومة اللبنانية شرط تلبية عدد من المطالب الصندوقية كشرط أساسي مُسبق قبل توقيع الإتفاق النهائي. وطرح البيان الصحفي رقم 22/108 لصندوق النقد الدولي هذه الشروط على الشكل التالي (https://www.imf.org/en/News/Articles/2022/04/07/pr22108-imf-reaches-agreement-on-economic-policies-with-lebanon-for-a-four-year-fund-facility):
1- موافقة مجلس الوزراء على استراتيجية إعادة هيكلة البنوك تعترف بالخسائر الكبيرة في القطاع وتعالجها، مع حماية صغار المودعين والحد من اللجوء إلى الموارد العامة؛
2- موافقة مجلس النواب على قانون يؤمّن الإطار القانوني المناسب لتنفيذ استراتيجية إعادة هيكلة المصارف وذلك في أسرع وقت وبدء عملية إعادة إحياء القطاع المالي وإعادته إلى حالته السليمة بحكم أنه أمر أساسي لدعم النمو الإقتصادي؛
3- بدء عملية تقييم للمصارف – بدعم خارجي – كل مصرف على حدة وذلك لأكبر 14 مصرفًا من خلال توقيع الشروط المرجعية مع شركة دولية مرموقة؛
4- موافقة مجلس النواب اللبناني على تعديل قانون السرية المصرفية لجعله موائمًا مع المعايير الدولية لمكافحة الفساد وإزالة العوائق أمام إعادة هيكلة القطاع المصرفي والإشراف عليه، وإدارة الضرائب، وكذلك الكشف عن الجرائم المالية والتحقيق فيها، واسترداد الأصول المأخوذة عن غير وجه حق؛
5- استكمال التدقيق بهدف مُحدّد وهو تحديد وضع الأصول الأجنبية لمصرف لبنان، للبدء في تحسين شفافية هذه المؤسسة الرئيسية؛
6- موافقة مجلس الوزراء على إستراتيجية متوسطة الأمد لإعادة هيكلة المالية العامة والديون، وهو أمر ضروري لاستعادة القدرة على تحمل الديون، ولإستعادة المصداقية في السياسات الاقتصادية للحكومة، وخلق حيز ضريبي إضافي للإنفاق الاجتماعي والإعماري؛
7- موافقة مجلس النواب على موازنة 2022 لبدء استعادة المساءلة المالية؛
8- توحيد أسعار الصرف من قبل مصرف لبنان وذلك لمعاملات الحساب الجاري المسموح بها، وهو أمر بالغ الأهمية لتعزيز النشاط الاقتصادي، واستعادة المصداقية والإستدامة في التعاملات الخارجية، وسيتم دعمه من خلال تطبيق ضوابط رسمية على رأس المال.
هذه الشروط مطلوبة من كلٍ من الحكومة اللبنانية، والمجلس النيابي، والمصرف المركزي. وإذا كانت الإنقسامات السياسية قد منعت أية إصلاحات في الماضي، وإذا كان المشهد السياسي باقٍ على ما هو عليه بعد الإنتخابات، فإن المنطق يقول أن لا إمكانية لتلبية كل الشروط إلا إذا كان هناك ضغط خارجي. وبالتحديد فإن الفرنسيين يقومون بمجهود هائل للضغط على السلطات اللبنانية من أجل القيام بورشة عمل حكومية – نيابية يكون نتاجها إقرار القوانين المطلوبة في الشروط أعلاه وهو ما يُرجّح القيام به في الأسابيع القادمة إذا ما أثمرت الضغوطات الفرنسية، أي قبل الإنتخابات النيابية. فهل تصحّ هذه التوقعات؟ الوقت وحده كفيل بالردّ على هذا السؤال.