لم يعد سراً أنّ العهد وتياره يخوضان معركة “حياة أو موت” في مواجهة “تسونامي معاكس” لأمواج المدّ الشعبي الجارف الذي عاد على متنه العماد ميشال عون عام 2005 إلى بيروت رافعاً بيارق السيادة والاستقلال والإصلاح والتغيير، لينتهي به المطاف على رأس جمهورية غارقة في مستنقع الفساد والبؤس والفقر والتسليم بمشيئة “حزب الله” وقدره في تحديد مصير لبنان وشعبه… فاستفاق اليوم ليجد نفسه أمام “لحظة حساب” انتخابية مع المحازبين والمناصرين الذين خذلهم الأداء العوني في سدة الحكم بعد مسيرة حافلة بالتسويات والمحاصصات، فضحت زيف “الشعارات الخلّبية” التي لطالما راكمت أمجاداً سيادية وإصلاحية ودغدغت طموحات اللبنانيين عموماً والمسيحيين خصوصاً بقيام دولة القانون والمؤسسات.
ومع سقوط “ورقة التوت” عن عورات العهد السلطوية، وبعدما استنفد رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل كل أوراقه في محاولة إجهاض استحقاق الخامس عشر من أيار، بات من الواضح أنّه قرر أن ينقل “بارودة” المعركة الانتخابية من كتف مواجهة الخصوم إلى كتف التصدي للناخبين أنفسهم، لا سيما في أقلام الاغتراب حيث أخفق في حصر مفاعيل تصويت المغتربين في ستة مقاعد قارية، فبدأت في ضوء ذلك وزارة الخارجية “لصاحبها جبران باسيل”، في حياكة “حبكة جهنمية” لتشتيت الصوت المغترب في سبيل تقليص حجمه وثقله في صناديق الاقتراع.
وبالأمس، رفع رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع الصوت عالياً في مواجهة هذه “الجريمة التي تقترفها وزارة الخارجية بحق المغتربين لعرقلة عملية اقتراعهم”، محملاً المسؤولية المباشرة عنها إلى باسيل “وفريقه في الخارجية”، محذراً رئيس الحكومة نجيب ميقاتي من مغبة الاستمرار في التغاضي عن ارتكابات وزير الخارجية عبد الله بو حبيب في أقلام الاغتراب، وتوجه إلى ميقاتي بالقول: “لو ان وزارة الخارجية مع العونية لكنها ليست خارج حكومتك، فيا دولة الرئيس أنت من سيتحمل المسؤولية إذا سلكت العملية الانتخابية هذا المسار الخاطئ“.
وأوضحت مصادر قواتية لـ”نداء الوطن” أنّ وزارة الخارجية دأبت خلال الفترة الأخيرة على “تكرار المحاولات الرامية الى تقييد حقّ المغتربين اللبنانيين بالاقتراع وتصعيب عملية تصويتهم من خلال إجراءات جائرة وخارجة عن القانون، سواءً من خلال تشتيت أصوات المنطقة الواحدة والقرية الواحدة والعائلة الواحدة على عدّة أقلام اقتراع تبعد عن بعضها مسافات كبيرة، مما يصعّب عملية الاقتراع، أو عبر تمنّعها عن تسليم قوائم الناخبين لأصحاب العلاقة مما يمنعهم من معرفة عدد المندوبين المطلوبين لكل مركز من مراكز الاقتراع، وصولاً إلى ابتداع طرق جديدة لاعتماد مندوبي المرشحين في أقلام الاقتراع الاغترابية بشكل يجعل توكيلهم من قبل المرشحين عملاً شاقاً إن لم يكن مستحيلاً”. وعلم في هذا السياق أنّ نواب تكتل “الجمهورية القوية” سيطالبون بعقد جلسة عامة لمجلس النواب بغية مساءلة وزير الخارجية والمغتربين حيال أدائه إزاء عملية إدارة أقلام اقتراع المغتربين وطرح الثقة به.
وفي الأثناء، كان رئيس الحكومة “يقاتل” على الجبهة النيابية لضمان تمرير مشروع قانون “الكابيتال كونترول” تحت وطأة موجة الاعتراض المتعاظمة لما يتضمنه من ضرب لحقوق المودعين، فبادر ميقاتي بالأمس إلى توجيه رسالة إلى مجلس النواب أعرب فيها عن “حرص الحكومة على ضمان حقوق المودعين والتزامها المُطلق بالمحافظة عليها وضمانها، لا سيّما صغار المودعين”، معتبراً أنّ “مشروع القانون الرامي إلى وضع ضوابط إستثنائية وموقتة على التحاويل المصرفية والسحوبات النقديّة (كابيتال كونترول)، لا يتعلق بحقوق المودعين بل يشكّل أرضية يشترطها صندوق النقد الدولي في سبيل عرض خطة التعافي المنشودة على مجلس إدارته“.
ومن مجلس النواب، نقل مراسل “نداء الوطن” أنّ جلسة اللجان النيابية المشتركة التي كانت مقررة أمس لمتابعة مناقشة المشروع، تحولت إلى “جلسة مشاورات بعدما تعطّل نصابها، وهو الأمر الذي يُرجّح أن يتكرر خلال الساعات والأيام المقبلة والذي سيسري ربما على مشروع قانون الموازنة العامة للعام 2022“.
وبالتزامن مع تقاذف “اللجان” كرة نار “الكابيتال كونترول” خلال الجلسة، تداعى ناشطون من جمعية “صرخة المودعين” وجمعيات المودعين ولجنة حماية المودعين في نقابة المحامين في بيروت وتحالف “متحدون” ونقابات المهن الحرة، لقطع الطريق المؤدي إلى المجلس النيابي، وعمدوا إلى توزيع بيان أكدوا فيه المضي قدماً في التصدي لمحاولات تمرير مشروع “الكابيتال كونترول” بصيغته الراهنة، ملوحين بتصعيد تحركاتهم في مواجهة النواب في الفترة المقبلة.
وتحت وطأة الضغط الشعبي المتزايد على النواب عشية الاستحقاق الانتخابي، اعتبر رئيس الجمعية اللبنانية لحقوق المكلفين المحامي كريم ضاهر أن عدم درس اللجان المشتركة مشروع قانون الـ”كابيتال كونترول” يعني أنه “من غير المرجح أن يتم تمرير القانون قبل الانتخابات البرلمانية”، موضحاً لـ”نداء الوطن” أنّ “هناك شبه استحالة لتمرير القانون قبل الموعد الفاصل عن الانتخابات لأنه يجب أن يأتي مترابطاً مع خطة التعافي الحكومية”، وأضاف: “بما أنّ هذه الخطة لا تزال تحتاج مزيداً من الوقت لإقرارها أولاً في مجلس الوزراء ومن ثم إرسالها إلى مجلس النواب لمناقشتها وإقرارها، فإنّ أغلب الظن أنّه لن يكون هناك أي “كابيتال كونترول” قبل 15 أيار المقبل“.