لا يزال “حزب الله” يواصل مساعيه الحثيثة لتوحيد صفوف السلطة وجمع الرئاسات الثلاث على موقف رسمي موحّد يسمعه الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين، بعدما تعذر على “الحزب” إكمال عقد اجتماع بعبدا الذي انتهى ثنائياً بين الرئيسين ميشال عون ونجيب ميقاتي بسبب رفض الرئيس نبيه بري الانضمام إليهما لاعتراضات مبدئية وجوهرية تتصل بطريقة إدارة عون لهذا الملف. وفي المقابل، تواصل إسرائيل على المقلب النفطي الآخر استعداداتها لاستخراج الغاز من حقل “كاريش” بالتوازي مع رفع جهوزيتها العسكرية لمواجهة مختلف السيناريوات من دون استبعادها فرضية “اندلاع الحرب” كما ألمح رئيس أركانها أمس، مؤكداً أن الحرب المرتقبة ستشهد “قصفاً مدمراً وواسعاً” بغية “تدمير آلاف الأهداف في لبنان من بينها مقرات قيادة ومنظومات صواريخ وراجمات“.
وبعيداً عن المخاطر العسكرية المحدقة بالجبهة الجنوبية في حال فشل الوساطة الأميركية في نزع فتيل النزاع على “حقول الغاز” في المنطقة المتنازع عليها، ينكب رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل على إدخال “الأجندة العونية” للقاء هوكشتاين في عملية “تصفية حسابات رئاسية” وزواريب جانبية تدخل في باب “النميمة والتحريض ضد قائد الجيش العماد جوزيف عون”، وفق ما نقلت مصادر واسعة الاطلاع لـ”نداء الوطن”، موضحةً أنّ “ارتفاع حدة التصعيد من قبل فريق الرئاسة الأولى و”التيار الوطني” ونائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب ضد رئيس وأعضاء الوفد التقني العسكري الذي كان يتولى عملية التفاوض غير المباشر في الناقورة، عشية زيارة الوسيط الأميركي، ليس منفصلاً عن محاولة تأليب الأميركيين على قيادة المؤسسة العسكرية باعتبارها الطرف المتعنّت والمتمسك بإحداثيات الخط 29 بينما باسيل هو الطرف القادر على ضمان نجاح مفاوضات ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل بموجب مقتضيات الوساطة الأميركية“.
ورجحت المصادر أن يكون “التمريك” على قائد الجيش من ضمن أطباق مأدبة العشاء التي يقيمها بو صعب على شرف هوكشتاين غداً لتعبيد طريقه إلى قصر بعبدا صباح الثلاثاء، لكنها أشارت في المقابل إلى أنّ “المطلعين على أجواء واشنطن يؤكدون أنّ الوسيط الأميركي يدرك تماماً خلفيات المواقف التي ينطلق منها الفريق الرئاسي في مقاربة مفاوضات الترسيم من منظار “إحداثيات” باسيل، كما أنّ هوكشتاين نفسه يعلم جيداً حقيقة الموقف العسكري الذي كان قد سمعه مباشرة من قيادة الجيش والذي يقول بأنّ مهمتها انحصرت بإنجاز الشق التقني من الترسيم بينما القرار النهائي يبقى بيد السلطة السياسية، وهذا الموقف ربما يكرره قائد الجيش (اليوم) خلال تفقده كلية القيادة والأركان لناحية التذكير بأن قرار الترسيم سياسي وليس عسكرياً“.
ومساءً حرص باسيل على إضفاء صبغة “الترغيب والترهيب” على إطلالته المتلفزة، فأبدى من ناحية انفتاحه إلى أقصى الحدود على تدوير زوايا الخطوط البحرية لإنجاح مهمة هوكشتاين، وبدا من ناحية ثانية مقتبساً لمضامين خطاب الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله لجهة وضع مهلة زمنية قصيرة أمام وصول المفاوضات إلى نتائج نهائية حاسمة تفادياً للتصعيد العسكري والسياسي، تحت طائل التلويح بوجوب مغادرة السفينة اليونانية من المياه الإقليمية فوراً ومنعها من استخراج الغاز بالتزامن مع إقدام الحكومة على إقرار مرسوم اعتماد الخط 29 لحدود لبنان الجنوبية البحرية.
غير أنّ الأخطر في كلام باسيل، جاء على شكل “تخوين” رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي من خلال اتهامه بأنه ينصاع لـ”الإرادة الخارجية في حرمان لبنان من ثروته النفطية”، معتبراً أنّ “إسرائيل ومن معها في الداخل لا يقصّرون في فعل كل ما يلزم لمنع اللبنانيين من استخراج النفط والغاز”. ولم يتأخر باسيل في تصويب “نيشان” هجومه على ميقاتي في الملف الحكومي، فأكد أنه يرفض إعادة تكليفه تشكيل الحكومة العتيدة “لعدة أسباب واعتبارات” وفي مقدمها قضية حاكم المصرف المركزي رياض سلامة الذي اعتبر أنّ ميقاتي “لا يحميه بقدر ما يحمي نفسه لأنّ التحقيق الخارجي والداخلي في قضية سلامة سيشمل رؤساء حكومات وسياسيين” ضالعين في “تركيب الطرابيش” والاستفادة من مغانم “الهندسات المالية والأسهم في البنوك”، ليخلص إلى التأكيد على أنّ “ميقاتي لذيذ ومهضوم” لكنه لا يصلح لترؤس الحكومة في المرحلة المقبلة باعتبار أنّ “مصالحه الخارجية أكثر من مصالحه الداخلية فضلاً عن أنه فقد شرعيته الشعبية نتيجة سقوط مرشحيه في الانتخابات النيابية”، متوعداً كل من يراهن على تعويم حكومة تصريف الأعمال لكي تملأ الشغور الرئاسي وتمارس صلاحيات الرئاسة الأولى بأنه لن ينال مراده، ودعا إلى ترقب “مفاجأة” في هذا المجال.
وبمعزل عن رسائل باسيل التي سعت إلى رسم معادلة “السراي الحكومي مقابل المصرف المركزي” في مواجهة ميقاتي أو أي مرشح محتمل لترؤس الحكومة، أكدت مصادر مطلعة على أجواء الثنائي الشيعي أنّ موقف “حزب الله” ورئيس مجلس النواب نبيه بري لا يزال يفضل خيار ميقاتي “لتمرير الفترة الأخيرة من ولاية العهد خصوصاً وأنّ الثنائي تجمعه معه علاقة تفهم وتفاهم بالإضافة إلى العلاقة الشخصية الودية التي تجمعه برئيس الجمهورية ميشال عون