كل القطاعات الاقتصادية والمعيشية تنهار تباعا، اضراب القطاع العام يدخل اسبوعه الثالث، الكهرباء في “خبر كان”، ازمة الرغيف على حالها “طالعة نازلة” دون حلول جذرية، الدولار “فالت” دون ضوابط، والمواطن متروك لمصيره بينما الدولة تتعلق “بحبل كذب” الوعود الاميركية في ملفي “الترسيم” واستجرار الطاقة. كل هذه التحديات لم تمنع “حوار الطرشان” بين رئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي والكتل النيابية في اليوم الاول للاستشارات غير الملزمة لتشكيل الحكومة العتيدة. نفاق “متبادل” استمر لساعات ويستكمل اليوم، فيما يدرك الجميع صعوبة العبور السلس نحو “ولادة” حكومة جديدة في ظل “الكباش” القائم على مرحلة “ملء الفراغ” الرئاسي، وسط “لامبالاة” اقليمية ودولية. وبعيدا عن التصريحات العلنية، علمت “الديار” ان الرئيس ميقاتي غير متفائل بوجود نية للتعاون من الكتل النيابية لتسهيل مهمته على الرغم من النيات العلنية المعلنة، وهو يتوقع اياما صعبة مع رئيس الجمهورية ميشال عون في نهاية عهده.
“تقية” مكشوفة
ووفقا لمصادر نيابية بارزة، يؤكد ميقاتي انه ليس “ابن مبارح” في السياسة، وهو يحفظ كل القوى السياسية عن “ظهر قلب” ويدرك جيدا الخلفية السياسية والمصلحية التي تحركها. وفي اشارة الى الكتل التي لا تريد المشاركة وتعد بالتسهيل، يلفت ميقاتي الى انها تمارس نوعا من “التقية” المكشوفة، لان من يريد التعاون الجاد يضع شروطه ومطالبه ويطمح لتحقيقها للمشاركة في عملية الانقاذ التي يعلن الجميع تأييدها، ولا يقدم اي شيء عملي لتسهيلها، ولهذا يصف ما يحصل بانه “مضيعة للوقت” وكلام بكلام لان الجميع مهتمون بالاستحقاق الرئاسي، ويعملون لتحسين شروطهم، ويقدرون ان “الفراغ” آت لا محالة، ولهذا اما تكون الحكومة الجديدة على قياسهم لادارة هذه المرحلة والتحكم بمفاصلها ، او فلتذهب الحكومة الجديدة الى “الجحيم”…
ميقاتي “الضعيف”؟
ويرى ميقاتي ان بعض القوى تتعامل معه كرئيس مكلف “ضعيف” قياسا على الوضع السني في العموم، وفي مقدمة هؤلاء “التيار الوطني الحر”الذي يظن ان الحالة السنية في البلاد لا تسمح لرئيس الحكومة الذي لا يملك كتلة برلمانية، او دعما في “الشارع”، بان يفرض “شروطه”، وهو استنتاج خاطىء برأي الرئيس المكلف، لانه واكثر من اي يوم مضى، يعتبر نفسه امام اختبار جدي في معركة الدفاع عن موقع رئاسة الحكومة، وهو في موقع قوي في هذه المرحلة كونه رئيسا لحكومة تصريف الاعمال، ولا يمكن “لي ذراعه” في مسألة التاليف التي لن تكون الا متوازنة، بعيدا عن اي شروط ترتبط باقالات او تعيينات!
التعاون الصعب
وبحسب ما نقل عن ميقاتي، فان التعاون الان مع رئيس الجمهورية ميشال عون بات اصعب مع اقتراب “افول العهد”، لان الرئيس يعتقد انه في الاشهر الاربعة الاخيرة يحتاج الى انجاز ما لتحقيقه، ولهذا لن يمرر حكومة دون تأمين مكاسب سياسية لفريقه السياسي، ولهذا ستكون عملية التفاوض على تشكيلة الحكومة وتوزيع الحقائب صعبة، اما الحديث عن ان المخرج الوحيد هو بحصول تعديل بالاسماء لا بالحقائب للحكومة الحالية، في اطار تعويم “مقنع” لها، فهو دونه عقبات ايضا، لان رئيس الحكومة يطالب بضمانات في اكثر من ملف اقتصادي، وفي مقدمتها حل ازمة الكهرباء، وذلك بتعهدات واضحة تتضمن “خارطة طريق” تنفيذية من قبل “التيار الوطني الحر” الذي لا يزال متمسكا بوزارة الطاقة.
“التيار”: “حاسبينها غلط”!
في المقابل، تعتقد اوساط التيار الوطني الحر ان تحميل “التيار” مسؤولية عرقلة تشكيل حكومة جديدة لاسباب “واهية” تتعلق بمطالب نفعية، اتهامات “كاذبة” وتجافي الحقيقة، لان ما يطالب به فريق رئيس الجمهورية “بسيط”، وهو تعاون رئيس الحكومة في حسم اكثر من ملف قضائي واقتصادي ملح، لان المرحلة لا تتحمل الاستمرار في “المرواغة” فيما البلد يواصل الانهيار، وابرز هذه الملفات الملحة حسم مسالة اقالة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، وغيرها من الخطوات الاصلاحية الواجب اتخاذها بسرعة. ووفقا لتلك الاوساط، لا يمكن القبول بمحاولة فرض شروط مسبقة على “التيار” برفض منحه حقائب معينة الا “بشروط” فيما الاخرون يتمسكون بحقائب سيادية، كوزارة المال، دون ان “يرف جفن” لرئيس الحكومة. وفي هذا السياق، ترى تلك الاوساط، ان المعضلة الرئيسية تبقى في ان ثمة من يتعاطى مع العهد وفريقه السياسي بانهما وصلا الى نهاية “الطريق”، ولا حاجة لمنحهما ايا من الحقوق المكتسبة لهما، ولا ضير في تضييع الوقت حتى انتهاء الولاية الرئاسية، لكن هؤلاء “حاسبينها غلط”، تقول تلك المصادر، “فالتيار” لم يكن يتلطى بموقع الرئاسة في يوم من الايام، ولديه ما يكفي من عناصر القوة لتحصيل الحقوق السياسية المتوازنة لشريحة كبيرة يمثلها في المجلس النيابي.
حزب الله يقدم الحل؟
وفي ظل التعقيدات الواضحة امام تشكيل حكومة جديدة، اقترح نائب الأمين العام لحزب الله، الشيخ نعيم قاسم، إجراء تعديلات على الحكومة الحالية، مشدّداً على حزب الله مع تشكيل الحكومة وعدم إضاعة الوقت وعدم إنهاك التّشكيل بالشروط والشروط المُضادة. ووفقا للشيخ قاسم، فان الفرصة لا تسمح بأن يأخذ كلّ فريق مكتسبات من الحكومة. وقال: ليدخل إليها من يرغب بالدخول والتعاون أو ليعدّل من يعدّل في بعض الوزراء للإسراع في عدم الوقوف في فخّ الأسماء الجديدة التي يمكن أن تأخذ وقتاً طويلاً”. وتوجّه إلى “الذين ينظّرون ولا يُشاركون ولا يسهّلون المشاركة، قائلاً إنّ “الناس يرون من يعطّل تشكيل الحكومة ومن يؤيّد تشكيلها وبالتالي الموقف السلبي من تشكيل الحكومة لا يعني أنّهم يخدمون البلد”.
ووفقا لاوساط مطلعة يعتقد حزب الله انه لا مفر من تشكيل حكومة مكتملة الموصفات، لا ان تبقى حكومة تصريف اعمال، لتلبية احتياجات الناس الحياتية بعيدا عن “الكباش” السياسي حول الانتخابات الرئاسية، ولانه يدرك صعوبة ذلك، يقترح اجراء تعديلات حكومية قد تكون مخرجا لعملية طويلة تمتد شهورا، فيما الاستحقاق الرئاسي على “الابواب” . وهنا ما يريده حزب الله هو فصل الشأن الحكومي عن الرئاسي، ويخشى دخول البلاد في فراغ دستوري على كافة المستويات، ما يهدد بانفجار اجتماعي غير محدود. ومن هنا يمكن فهم الكلام العالي السقف، لرئيس كتلة الوفاء للمقاومة محمد رعد بعد لقاء ميقاتي، وقال ان من “شاء ان يقاطع هذا شانه، ولا يستطيع طرف ان يفترض ان لديه حلولا سحرية، خصوصا ان صانعي الازمة في الخارج يجدون من يتعاون معهم في الداخل”.
“المهمة” الصعبة
وفي التقييم الاولي لليوم الاول من الاستشارات غير الملزمة، لا جديد يمكن البناء عليه يبشر بحصول “ولادة” حكومية قريبة، وان كان رئيس الحكومة مصرا على “رمي الكرة” في ملعب رئيس الجمهورية من خلال نيته تقديم تشكيلة يراها متوازنة، وعليه “فليتحمل عون مسؤولية رفضها”. ولا يبدو ان اي طرف سياسي مقتنع بولادة الحكومة قريبا، فالكتل النيابية التي التقاها ميقاتي في مجلس النواب بالامس، كررت مواقفها السابقة التي سبقت واعلنتها من بعبدا عند استشارات التكليف، وفي تباين واضح في المواقف،”التنمية والتحرير” جددت تمسكها بوزارة المال، وهو امر رفضته كتلة “الجمهورية القوية” التي رفضت الاستمرار في تخصيص اي وزارة لحزب او طائفة. وهذه عينة تشير الى ان “الطريق” لا تزال مسدودة أمام إمكان التفاهم حول تأليف حكومة، حيث لا يرى احد ان عمرها الافتراضي لاربعة اشهر فقط، وانما ستكون حكومة “ملء الفراغ” الرئاسي.
“ورقة” ميقاتي؟
ووفقا لمصادر مطلعة، يبقي ميقاتي في “جيبه” “ورقة” تفعيل حكومة تصريف الأعمال، وهو لن يتردد في دعوة مجلس الوزراء للانعقاد “استثنائيا”، اذا ما وصلت جهوده الى “حائط مسدود”، وهو سيستفيد من الظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد لتوسيع صلاحيات تصريف الأعمال، بدعم وتغطية فرنسية، وتاييد داخلي من “الثنائي الشيعي”، ولا ممانعة من الحزب التقدمي الاشتراكي، فيما تنتظره “معركة” قاسية مع رئيس الجمهورية، والتيار الوطني الحر.
يوم الاستشارات الاول
وكان النائب علي حسن خليل، باسم كتلة “التنمية والتحرير” اكد “ضرورة تشكيل حكومة في أسرع وقت”، وقال “لم نوصف شكل الحكومة، إذ إن ميقاتي بات يعلم التوازنات القائمة، وما يهمنا أن تكون حكومة فاعلة”. من جانبه، دعا نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب، الى الاسراع في تشكيل حكومة قادرة على متابعة الملفات المطروحة والاتفاق مع صندوق النقد الدولي ، وتواكب عملية ترسيم الحدود البحرية، كما اعادة الاعتبار للمبادرة الكويتية. من جهته، أعلن النائب جورج عدوان، بعد لقاء كتلة الجمهورية القوية الرئيس المكلف نجيب ميقاتي، “ان الشروط التي وضعناها لا يمكن أن تطبق في الأشهر الثلاثة الأخيرة لهذا العهد”، وامل أن يتجه المجلس النيابي في أقرب وقت ممكن إلى انتخاب رئيس جديد للجمهورية، لأنه حينئذ يمكن تطبيق كل الشروط التي تحدثنا عنها، وفيما اكد النائب تيمور جنبلاط عدم الرغبة في المشاركة في الحكومة من “باب التسهيل” لا التعطيل، تحدثت النائبة حليمة قعقور باسم كتلة نواب “قوى التغيير”، وقالت: نحن مع حكومة مصغّرة وإنقاذيّة لتقرّ المشاريع الإلزامية بسرعة ولن نشارك في أيّ حكومة محاصصة ولا حكومة وحدة وطنيّة…
غياب الرعاة الدوليين والاقليميين
هذا الافق المسدود حكوميا، قد يكون احد اسبابه غياب الرعاية الخارجية للشان اللبناني الذي لا يحتل اولوية لدى احد، ففرنسا تتدخل دون “انياب” وتقدم النصائح دون “مونة” على احد، ولا تزال عند مقولة “ساعدوا انفسكم كي نساعدكم”. وبانتظار زيارة غير مؤكدة رسميا، للمسؤول الفرنسي عن ملف المساعدة الدولية للبنان بيار دوكان، أكد الرئيس ايمانويل ماكرون ان “فرنسا متعلقة بصورة مميزة وخاصة بروابط الاخوة التي تجمعها مع لبنان ومع الشعب اللبناني”. جاء ذلك، في برقية شكر وجهها الى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ردا على برقية التهنئة التي كان وجهها اليه لمناسبة إعادة انتخابه رئيسا لفرنسا.
واشنطن “غير مستعجلة”
اما واشنطن فلا تبدو مستعجلة على عملية انقاذية جدية تخرج البلاد من ازمتها الراهنة، فالاستراتيجية الاميركية لا تزال وفقا لمصادر دبلوماسية، لا “انقاذ ولا موت”، وعلى لبنان البقاء في غرفة الانعاش حتى يتم حل ملف الترسيم البحري، ونضوج التسويات الاقليمية والدولية التي ستكون لها “الكلمة الفصل” في الاستحقاق الرئاسي، لكن لا ضمانات جدية باجرائها في موعدها على الرغم من التهويل الفرنسي بتحميل من يعرقله مسؤولية التعطيل، وهو تهديد فارغ من اي مضمون بعدما ثبت ان العقوبات الاوروبية غير قابلة للصرف. اما سعوديا، فلا تزال الامور على حالها، واللامبالاة تبقى الاستراتيجية المتبعة الى حين تقدم المحادثات مع طهران…!
مراوغة اميركية
وللدلالة على “المرواغة” الاميركية المستمرة في التعامل مع الحلول الانقاذية، تشير مصادر وزارة الطاقة الى ان مبادرة الوزير وليد فياض للتوقيع الرسمي مع الجانب المصري والاردني على اتفاق استجرار الغاز والكهرباء، قابله المعنيون بواشنطن بعبارة “اخذنا علما بذلك”، وغاب بعدها الاميركيون عن السمع دون تقديم اي اجابة واضحة حول كتاب الضمانات الخطي بالاعفاء من عقوبات قيصر، والان ينتظر الوزير عودة السفيرة الاميركية دوروثي شيا من واشنطن، لاستيضاح طبيعة الخطوة المقبلة اميركيا والتي لا تبدو مبشرة حتى الان، في ظل الربط الواضح بين الافراج عن الاعفاءات وملف الترسيم.
“العتمة الشاملة”
وفي هذا السياق، لا تبدو الاجواء مبشرة “كهربائيا”، وخطر العتمة الشاملة يلوح في الافق، في ظل الاخفاق حتى الان في ايجاد بديل عن الفيول العراقي المفترض وقف تدفقه في ايلول. فالاتصالات مع الكويت لم تثمر بعد، فيما لا تزال العقبات السياسية قائمة امام تمرير خطة وزير الطاقة لزيادة التعرفة، ربطا بزيادة ساعات التغذية التي تحتاج ايضا الى اقناع مصرف لبنان بصرف مبالغ بالدولار لتأمين الفيول؟
وفي خطوة ستزيد من معاناة اللبنانيين، اعلنت كهرباء لبنان “وضع معمل الزهراني قسريا خارج الخدمة لخمسة أيام وانخفاض في الإنتاج الحراري بسبب تدني كميات مادة الغاز أويل الموردة شهريا”!
“صمت غير بناء”
وفي ملف الترسيم، وبينما يترقب لبنان من الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين أن يحمل إليه الجواب النهائي في غضون ايام، تواصل إسرائيل اعتماد سياسة “الصمت” غير البناء على الاقتراح الذي تسلمه “الوسيط” الاميركي من رئيس الجمهورية “شفهيا”، وتلفت مصادر مطلعة الى عدم وجود جدية اميركية في تسريع عملية الوصول الى “تسوية”، فمجرد اكتفاء “الوسيط” بعقد اجتماع عبر”الفيديو” مع فريق التفاوض الإسرائيلي للحدود البحرية، يشير الى ان واشنطن لا ترغب في عقد لقاءات مكوكية، تفترض بقاء هوكشتاين في المنطقة حتى التوصل الى النتائج المرجوة.
التفاوض حول “قانا”؟
وهو بذلك يساعد الاسرائيليين على المراوغة، ووفقا لبيان وزارة الطاقة الاسرائيلية فان” فريق التفاوض استمع إلى آخر المستجدات حول زيارة هوكشتاين إلى لبنان، وناقش الطرفان صياغة توجهات بناءة من أجل المضي قدماً في المفاوضات، مع الحفاظ على مصالح إسرائيل الاقتصادية والأمنية، وبهدف تلخيص الموضوع في المستقبل القريب”. والحديث هنا عن المفاوضات قد يعني لاحقا العودة الى الناقورة للدخول في مسار طويل من المحادثات، خصوصا ان العدو الاسرائيلي لا يقر حتى الان بمنح لبنان كامل حقل قانا ويريد اخضاعه للتفاوض!
الرواتب مؤمنة
حياتيا، وفيما دخل اضراب القطاع العام اسبوعه الثالث في ظل “حوار الطرشان” مع الحكومة، سجلت حلحلة في ملف رواتب موظفي القطاع العام، واعلن موظفو مديرية الصرفيات في وزارة المال انهم سيعاودون العمل لإنجاز الرواتب والمساعدة الاجتماعية.
اضراب موظفي “المركزي”
في هذا الوقت، واعتراضا على الاجراءات “التعسفية” حيالهم، اعلنت نقابة موظفي المصرف المركزي الإضراب اليوم، وليوم واحد فقط.، فيما اعلنت جمعية المصارف عدم الإضراب اليوم، على رغم تأييدها لمطالب موظفي مصرف لبنان، وسيكون اليوم يوم عمل عادياً في المصارف، مع توقف أعمال المقاصة وكل ما يتعلق بالمعاملات المشتركة مع مصرف لبنان، بما فيها منصة صيرفة!